قل كلمتك وامشِ!

خصومنا، إما أغبياء، أو تنقصهم الأخلاق، أو يختبئون خلف السفهاء من فريقهم. فمن نناظر ونجادل ونتحدى بالفكرة والكلمة ضمن أصول اللياقات؟

تحياتي إلى كل من تابع الحلقة التي شاركت فيها على قناة «أو تي في» مع الإعلامي جان عزيز، وشارك بأعصابه ما دار حولها من مناقشة عنوانها مطالبتي بعدم مجالسة من لا يليق بالمستوى والمكانة، أو من لا يتناسب في العمق الفكري ليكون على طرف الحوار.

ـ لا ينقصني منبرٌ لأقول آرائي، وأنا أطلّ مرّتين في الأسبوع عبر برنامج «ستّون دقيقة» من قناة «توب نيوز»، وتصل مشاهداته على قناة «يوتيوب» إلى أرقام قياسية تتخطّى غالبية البرامج التلفزيونية الناجحة. فمشاركتي لها حساب إذن لا علاقة له بالاضطرار ولا بالحاجة. وكثيراً ما تُوجّه إليّ دعوات أعتذر عن غالبيتها لأنّني لست من هواة الظهور للظهور، وكثيرون من الأصدقاء يعاتبونني على قلة ظهوري.

ـ أنا رجل قضية وفكرة ومشروع، ولست من جماعة الاستعراض، وربما على مستوى القيمة الشخصية لأيّ مؤمن بخيار المقاومة وصادق بأدائه، إذا وضعها معياراً للرضا عن خصم يجادله، يفترض أن تجعل أوباما أقلّ من أن يشترك مقابله بحلقة، بما يمثل من كرامة أمته ومقاومته وما يحمل من فكر وثقافة ومنطق وأخلاق وقيم في الاداء الإعلامي والسياسي. لكن الحرب حرب مع الأنذال لا مع الشرفاء. وكنس الأفكار القذرة التي ينشرونها كمهمّة عامل النظافة، لا يكون من دون أن تتسخ أيدينا. واشتراط أن ننتظر تحقيق قيمة بروتوكولية أو لا نتعرّض لمواجهة مع الرعاع، أو لا نطل إلا منفردين، فتلك نرجسية تضع الشخص أغلى من القضية. لست من الذين يقعون فيها، ولا ممن ينتظرون أن يكون من يهاجمنا ويعادينا شرفاء أو أصحاب منطق، بينما المهذبون منهم أو الحريصون على سمعتهم يمتنعون ويتركون حثالتهم للمواجهة. فالبديل الوحيد أن نترك هذه الحثالة تستفرد ببعض من يحمل آراءنا، وتتباهى بانتصارات بهلوانية لأنها شتمت أو تطاولت. وإلا فعلينا أن نحمل الراية ونعلّمهم درساً ونجعلهم عبرةً لمن يمثّلون. وأنا اخترت مهمتي كمناضل لا كأرستقراطي يريد لنفسه المقام.

ـ لقد وضعتُ مع الإعلامي جان عزيز لائحة أسماء لمناظرتها من الخطّ الآخر، فتهرّبوا جميعاً لمّا علموا أنني من سيكون مقابلهم. وبقي أمامنا إمّا حلقة منفردة، أو مواجهة مع مخاطر التعرّض للتطاول مع من يقبل. فوضعت اتفاقاً مع الأستاذ جان مفاده أنني أشارك بشرط أن تتوضح شروط التهذيب واللياقة والاحترام، وتوضع بالتفصيل أمامنا في بداية الحلقة، ومن ضمنها أن من يخرج عنها سيطرد. وقلت هذا الكلام قبل أن نبدأ، وأكد الأستاذ جان على ذلك. ولما وصلنا إلى نقطة استفز فيها المفترض أنه رجل قانون، وتفلّت لسانه بما كنت انتظره منه بصراحة، لأنني كنت أنوي أصلاً أن أجعله عبرةً لسواه إن أساء. فضربت يدي على الطاولة مشترطاً طرده احتراماً للناس ومتابعة الحلقة من دونه. وللأمانة كان الأستاذ جان محترماً وحريصاً على مستوى برنامجه وقيم القناة التي يمثلها، ومندهشاً من الذي جرى. وقال له بصراحة: لا أستطيع أن أدعك تكمل معنا، آسف، عليك المغادرة، وأكملنا الحلقة كما شاهدتم.

ـ آمل ترجمة الحبّ للقضية والوطن والمقاومة بعدم الترفع عن مساجلة المفاهيم المشوهة التي يروّجها أعداؤنا ومجادلتها. فلا نضع أشخاصنا في مكانة تسمو على قضيتنا. أمامنا جنود أبطال ومقاومون أسطوريون يبذلون الدم، فهل نبخل ببعض من أعصابنا ومكانتنا المعنوية بالتفرّغ لإخراس أبواق السوء؟

ـ الشكر لكلّ من تابع وعبّر عن محبته وشهامته، خصوصاً من فرح بالإنجاز بوضع معيار للسلوك في برامج الحوار التي صارت تحدّياً للقنوات في اعتماده احتراماً لجمهور لا يملك أحد حق منح الهواء لمن يخدش ذوقه، وإسماعه كلمات نابية. والشكر لمن عبّروا عن محبتهم بالاحتجاج على المشاركة في حلقة يعتبرون مكانتي لا تليق بأن أكون فيها، آملاً أن يتفهموا أسبابي، ويعذروا مشاركتي وأخلاقياتي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى