قالت له
قالت له: أتشعر بأنك تعاملني بقسوة لا أستحقها؟ فكل خلاف في الرأي تعتبره خصومة. فقال: للحب شرطان. أولهما أن نقيس معاملتنا مع الحبيب بمعاملتنا من لا يحملون هذه الصفة، وثانيهما أن نقيس ما نقوله للحبيب كما لو كنّا نسمعه منه. فهل تفعلين؟
فقالت: لا أفعل لأنّني أشعر أن دلالك هو تعبيرك عن الحب. فيغريني لأكون كما أنا لا كما أعامل غيرك بحسابات اللياقات، وأن أعاملك لا كما تعاملني بل بتسامحك مع الحقوق والواجبات.
فقال لها: عندما يصبح التسامح من جهة واحدة، يكون الحبّ من طرف واحد. وعندما يصير منح الأفضل للحبيب يحتاج إلى جهد اللياقات، صار الحبيب إضافةً نستخدمها لممارسة الفوضى، وصار الشعور بالدلال شعوراً ضمنياً بضعف الحبيب وعجزه عن الاستغناء، وهذا الشعور وحده يكفي لطلب الوداع.
قالت له: عرّف لي الحبّ بكلمات لا تنتهي بتغيّر الأزمان.
فقال لها: الحبّ نبض يداهمنا لحظة، ونمضي العمر في مطاردته.
فقالت: وهل يكون قد رحل؟
فقال لها: الحبّ الذي يرحل قبل أن يترك وراءه ذكرى، يكون وهماً. والذكرى متى كانت بلا إشراقة وجهٍ ونور يطفو على القسمات، كانت محاولات الحبّ أقسى من وقائعه. ومتى كانت الذكرى حاضرة بوقائع الحياة لا مجرّد يوميات اللقاء وذكريات الكلمات، صار الحبّ حياةً. ومتى كانت الذكرى كلمات وهمسات ولمسات وبسمات، صار حبّ الطفولة.
فقالت: ومتى يستمر الحبيبان؟
فقال: عندما تكون الذكرى بينهما طفولة جديدة تنمو فيستمر الحبيبان يقاتلان ليستمرّ الحب.
فقالت: وإن حدث الافتراق؟
فقال لها: يكون لهما أو لأحدهما ما يكفيه من الذكريات بوقائع الحياة وللآخر ما يكفيه من الكلمات والبسمات والهمسات. أو يكون لأحدهما ما يستحق أن يمضي باقي الحياة يقاتل لأجله أكثر من الحبّ، وربما حبّ جديد يبحث عنه أو يبنيه بدلاً من أن يلاقيه.
فقالت: ونحن؟
فقال: نحاول تغيير وصف الحبّ وتعريفه لنعطيه لما سيكون بيننا.
قالت له: لقد حان وقت الوداع، ولا أريد وداعاً بدموع.
فقال: فليكن الحفل شموعاً وأزهاراً وموسيقى ورقصة الظل والضوء.
فقالت: وبعد ذلك؟
قال: نغفو أحدنا على زند الآخر، ومن يستفيق أولاً يرحل بصمت.
فقالت: وإن تلاقت عيوننا بعدئذٍ؟
قال: يحاول أحدنا التعامل بغرابة التعرّف من جديد عساه يكتشف سبباً للحبّ الذي كان.
فقالت: لكنني لا أحتاج إلى سببٍ، فأنا أعرف ما فيه الكفاية.
فقال: أنا أحتاج لأن ما يقوى على الحبّ هو الموت فقط، والحبّ الذي يهزمه ما دون الموت من أسباب الحياة، ربما له اسم آخر.
قالت له: تجمعنا دائماً صدفة. لا المسافات حلّت، ولا الذكريات اختفت. تخليت عنك قبل سنتين، لكنك ما زلت إلى قلبي الأقرب.
قال لها: هم غيّروك وعن لساني كذبوا وأقنعوكِ. حذرتك الأصدقاء ربما يكونون فعلاً دنيئين. لكنك سافرتِ، ومفتاح وجودي معك أخذتِ. الآن لا يهم ما تفكرين به، سنقاوم. أمسكي يدي فأنا بحاجة إلى إدراك أننا معاً. لا وجود للصدفة، كلّ ما يحدث لنا في الحياة مكتوب. كان من الجيد أن نفترق لندرك حقاً ما يعنيه واحدنا للآخر.
قالت له: أصغِ لنفسك عندما تحدثني أو تتحدّث عني. رفيع جداً الخيط بين الحبّ والتملّك، بين الثقة والشك. لم نتجادل يوماً لكن العلاقة انتهت. كل ما أردته في الحياة شجرةً إليها أستند، لكن قربك كان مجرّد غصن. لا شيء يختفي لمجرد أنك لا تريد أن تراه. من يغمض عينيه في الحياة… جبان.
قال لها: أحتاج إليك كمجنون، لا تتركيني وحدي في الحياة، لا سماء لا اتجاه لا حدود. ليس جميلاً أن يموت ببطء محزونٌ.
قالت له: لا شيء يمرّ بسهولة، والناس أبداً لا يختفون، الوحدة مريرة جدّاً، لكن ما لا يدوم لا يدوم. دائماً سأحبك، وليس لهذا علاقة بالزمن.
رانيا الصوص