ملأتَ المواكب نهضة وأكاليل غار
معن حمية
بين رفة جفن وانتظار لقاء يرتدّ النظر حاسراً، وتمتدّ غشاوة الموت، تلفّ أحبة تحت جناحها وتحلّق في الأعالي، نرفض تصديق الناعي.
كيف يرحل من تجسّد أملاً للأجيال، وما زال في ريعان الشباب، لم يرتفع شهيداً في مسيرة كفاح ومقاومة، تحدّى الموت كأنه يسكن بين جفني الرّدى، وظلت ضحكته تجلجل، بالرغم من جدّيته في العطاء، وحرصه على رفع راية النهضة عالياً.
هذا الصباح الأمس أطبق الرّدى جفنيه، ورحل حضرة العميد، الأمين على قسمه، الحبيب صبحي ياغي الجزيل الاحترام، رحل قبل أن يكتمل عقد النصر وتتوّج أكاليل الغار كلّ القمم.
غاب في يوم أسود من تاريخ أمتنا، يوم اغتصبت فلسطين، فازدادت الظلمة ظلمة.
في مثل هذا اليوم من العام 2011 حمل العميد صبحي الراية، تقدّم صفوف شباب النهضة وطلابها مع حشد كبير من شباب الأمة، ويمّم وجهه صوب فلسطين. لامست الحشود الشريط الشائك، وأوصلت التحية إلى أهلنا هناك، يومها ارتكب العدو مجزرة في حقّ المتظاهرين، وعاد بعضهم مستشهداً وبعضهم جريحاً، حمل حضرة عميد التربية صبحي، مأساة فوق المأساة فساعد في إسعاف الجرحى، ونقل الشهداء. واليوم قبل أن يتحسّس الذكرى غادرنا من دون وداع.
قبل الأمس كان رفيق العز والنضال يملأ الحزب حضوراً، كيف لا وقد سكنه الحزب وهو فتى طريّ العود، أنشد بِاسم النهضة، وفي عمره القصير العامر بالعطاء والتضحية، أشرف على مواكب الطلبة والأشبال، جيلاً بعد جيل.
إدارته كانت متميّزة كإرادته وتصميمه، صلب في مواقفه، يمزج بين الجدّية والعطاء الدؤوب، وبين التواضع ودماثة الخلق وروح المرح.
كان ابن الحياة، يحبّها وتليق بأمثاله، فكيف يسلّم الروح بهذه البساطة، ويعجز عن مقاومة القدر؟ إنه القضاء أيها الغالي!
نفتقده اليوم بجسده، أما نفسه فقد فرضت حقيقتها على هذا الوجود، ومن الصعب علينا أن لا يبقى لنا إلا ذكريات النضال، ولكن هذه سنة الحياة كما يُقال.
معه كانت الأيام جميلة زاخرة، وبعده لن تكون كما كانت، فهو القمر الذي كان ينير مساءاتي في مركز الحزب، سأفتقد حضوره البهيّ، وخطواته الواسعة باتجاه مكتبي متأبطاً ملفات مليئة بما صاغه من عمل نهضوي، تسبق الابتسامة كلماته: «اليوم خرّجنا مخيماً للزهرات والأشبال، وغداً سنخرج مخيّماً للطلبة والشباب، وفي الآتي من الأيام، والمخيمات عامرة هذا الصيف…»، أو يأتيني بخبر عن نشاط شارك فيه في إحدى مدن الشام، أو خطاب ألقاه أو محاضرة في هذه الجامعة الشامية أو تلك، يحضّ الناس على المواجهة، ويثق بالنصر الآتي ثقته بالنهضة التي آمن بمبادئها.
كم كانت أخبارك وإنجازاتك مفرحة، وكم هو صعب أن تغدو يا حضرة العميد الخبر باكراً بهذا الشكل.
سأفتقد سؤالك شبه اليومي كل مساء: «أنا فالل بدك شي» أو أن أتصل بك لأسألك إنْ كنت تريد شيئاً!
لن أسمع صوت خطاه بعد اليوم، وما يفصلنا عدة درجات، لكن ما جمعنا من قيم ومبادئ وقضية لن تفصله إرادة القدر، فالموت في قاموسنا طريق للحياة… وستبقى إنجازاته ماثلة نخبرها للأجيال القادمة.
لك ايها العميد الحبيب صبحي، سلام الأحبة، وتحية رفقاء المسيرة، وعهدهم على مواصلة النضال حتى الانتصار… والبقاء للأمة.
مدير الدائرة الإعلامية في الحزب السوري القومي الاجتماعي