«النكبة»… ذاكرة المكان والإنسان في السينما والشعر الفلسطينيَّين

سعيد أبو معلا

منذ أن حلّت «النكبة» عام 1948، لم تكن الأعمال السينمائية الفلسطينية التي تتحدّث عن تلك المأساة بالقدر الكافي الذي تنافس به غيرها من الأعمال، غير أنها كانت موجودة، ولها بصمتها في المهرجانات والمحافل، مجسدة الحنين للبلاد العتيقة، وانتظار أليم لعودة مأمولة إلى الديار.

الناقد السينمائي الفلسطيني بشار إبراهيم، يمايز بدوره بين سبعة أجيال أو موجات مرّت بها السينما الفلسطينية في تعاطيها مع «النكبة»، وفي كل موجة تحمل في طيّاتها إيقاعاً مختلفاً وتحولاً في الخطاب البصري الفلسطيني نحو «النكبة» والقضية برمّتها.

ويرى الناقد إبراهيم، وهو المهموم بالسينما الفلسطينية كتابةً وتأريخاً وأرشفة، أن المرحلة السينمائية الأولى وُصفت بالثورية 1968 1974 ، وتركزت الأعمال الفنية فيها بالحديث عن الثورة، ورفض حلول التسوية، ولم يكن خلالها ثمة مجال للحديث عن «النكبة»، إنما عن مخيمات اللاجئين باعتبارها قاعدة تلك الثورة.

فيما بدأت المرحلة الثانية بعد عام 1974، أي خلال فترة القبول بالحلّ السلمي، وخلالها بدأ الحديث عن «النكبة»، وفق مقتضيات الشرعية الدولية، كما بدأ الحديث عن الأرض المحتلة، وكان «يوم الأرض» 1976 العنوان الأبرز لحضور الداخل الفلسطيني في «سينما الثورة الفلسطينية» التي كانت بيروت مقرّها شبه التام، بحسب إبراهيم الذي يقول إن «الاستعانة بالسينمائيين الأجانب كانت سبيل هذه السينما للحصول على مواد سينمائية مُصوّرة داخل الضفة الغربية وقطاع غزّة».

ويضيف إبراهيم: «عام 1980 ولدت السينما الفلسطينية الجديدة داخل فلسطين وشكلت المرحلة الثالثة، وفيها أخذ الحديث عن النكبة شكل الحنين والذاكرة، إذ ركزت الأفلام على ذاكرة المكان والإنسان».

ومع أحداث الانتفاضة الأولى عام 1987، يلفت الناقد إبراهيم إلى أن السينما الفلسطينية ركّزت في حضورها على نقل فعاليات هذا الحدث ووقائعه، وأصبحت موضوعات أطفال الحجارة، ودور المرأة، ومساهمات المخيمات والمعتقلين والأسرى، والشهداء تفاصيل لازمة في أفلام كثيرة.

أما في عام 1997، ومع الذكرى الخمسين لـ«النكبة»، فيرى أن تيار «الذاكرة الشفهية» نهض بقوة في السينما الفلسطينية، وهو ما يعتبره تركيزاً على «النكبة» أولاً، وبالتالي جرى الاهتمام بحكاياتها وتفاصيلها وآثارها وتداعياتها، فاشتغلت السينما بالكيفية التي يمكن لها أن تبدع في تسجيل «الذاكرة الشفهية»، وتحويلها إلى معطى وسرد سينمائي بصري.

ويرى الناقد الفلسطيني أنه مع انتفاضة الأقصى عام 2000 بدأت مرحلة أخرى، كان من أبرز سماتها الاستشهاديين، وأسئلة جدوى هذا النوع من العمليات، والسؤال عن السلطة الفلسطينية ذاتها ودورها، ومآسي الحواجز والمعابر، والقصف والاجتياح والمجازر، والجدار العازل وهو ما جعل السينما تنشغل بهذا النزف الدامي، ريثما تنعطف.

وفي هذا الإطار، تبرز مجموعة من الأفلام الحديثة التي تصدّت لموضوع «النكبة»، وأبرزها فيلم المخرج إيليا سليمان «الزمن الباقي»، الذي طاف به في مهرجانات العالم الكبيرة، وهو ذو الإنتاج العربي الفرنسي المشترك، ونال تقديراً وإعجاباً نقدياً وحصد عدداً من الجوائز.

والفيلم يحيلنا إلى الزمن الباقي لفلسطينيّ مشرد، لاجئ، منفيّ وغريب لكنه عائد إلى وطنه ليعيش فيه ما تبقي من عمر بدأ يأفل ويغيب. هو حالة بصرية ترصد تفاصيل إنسانية دقيقة من خلال سيرة عائلة فلسطينية عبر مراحل ثلاث: «النكبة»، السبعينات من القرن الماضي، واللحظة الراهنة. ورحلة تأمل عقلانية لمشهدية الوطن التي لم تستقرّ أو تتبلور بعد. فبدا الوطن هشاً لا يليق بحلم تارة، ووطناً يعيش مأزقاً وجودياً يشترك فيه المحتل والمحتل تارة أخرى.

فالوطن الذي حمله الشريط الروائي جاء مليئاً بالتناقضات والمشاكل والانكسارات التي تشي بتعب البشر وتشرذمهم، فظهروا بإنسانيتهم العادية، ليسوا ملائكة وكذلك ليسوا مناضلين بالصورة التي نرسمها لهم. إنهم بشر بكل مميزاتهم وعيوبهم لكن مأزقهم المضاعف أنهم يعيشون في دولة احتلال «تستخدم قوتها وبطشها وعنصريتها لتحقيق أهدافها وهو ما ترك بصماته وجروحه في روح الإنسان الفلسطيني كما جسده».

والصورة السابقة عن الوطن تخالف صوراً متبلورة تقبع في الذاكرة عن الوطن والإنسان الفلسطيني. لكننا نكتشف أن تلك الصورة لا ترتبط باللحظة الراهنة، إنما تغور عميقاً منذ اللحظة التي سقطت فيها فلسطين تحت الاحتلال. والفيلم وفق تلك الرؤية يقدّم تأملات ذلك العائد من غربته المُجبر عليها، تأملات باردة وبلا مشاعر تقليدية احتفائية بهذه العودة، لا حنين ولا سخونة في الأحاسيس لحظة الارتماء في حضن الوطن وحتى الأم في مجاز بصري مواز. كل ذلك جاء بلغة بصرية وشاعرية شفيفة تارة، وبأساليب سينمائية متنوعة تارة أخرى.

ويعبّر فيلم المخرجة الفلسطينية المقيمة في الأردن ميس دروزة «حبيبي بيستناني عند البحر» من أفلام الموجة الأخيرة في السينما الفلسطينية. وهو يخلط بين الشاعري والواقعي في مقاربته فلسطين الحلم البحر.

وكانت المخرجة قد أصرّت على عرض فيلمها الذي طاف مهرجانات عربية وعالمية كثيرة في فلسطين المحتلة، إذ حضرت قبل أشهر إلى الضفة الغربية وطافت بفيلمها في جولة عروض سينمائية داخل المدن، وفلسطين المحتلة عام 1948.

في فيلم المخرجة دروزة نرى المخرجة تعود وتعاين أماكن تواجد الفلسطيني الذي يعتبر البحر الذي سرق منه حلماً بعيد المنال، تتجول الكاميرا وتعاين فلسطين الحالية من مخيم اليرموك في سورية إلى الضفة الغربية فالقدس، ويافا، وعكا، وهي في تجوّلها هذا تستنطق الفلسطيني وتحوّلات أحلامه.

ينتقل الفيلم من مخيم اليرموك إلى داخل فلسطين، كنوع من فعل بصري معادل لرحلة العودة التي تبدو حلماً رومنسياً ما زال الفلسطينيون يحلمون به مثل مجموعة من الشبان الذي يحاولون على أسوار عكا وشواطئها حمل الشمس وامتلاكها باستخدام تقنيات التصوير الحديث.

أما فيلم «الحجر الأحمر»، فمن خلاله يوثق المخرج أحمد الضامن التاريخ الخاص بمدينة القدس من خلال توثيق عائلات مقدسية وعلاقتها مع بيوتها وأحلامها التي ارتبطت ببناء بيوت خاصة بها، وذات نمط معماري خاص، وكيف سرقت البيوت من قبل «دائرة أملاك الغائبين» الصهيونية.

في الفيلم الذي بُني على أساس الانتقال من العام في القضية الفلسطينية إلى الخاص عبر سرد قصص أربعة منازل مقدسية، نرى أحلام العودة وممارسات الفلسطينيين في التمسك بذكرياتهم في منازلهم القديمة التي بنوها لبنة لبنة بالتعب والأحلام.

الضامن الذي عرض فيلمه في الجامعة العربية ـ الأميركية في مدينة جنين شمال الضفة الأسبوع الماضي لمناسبة ذكرى النكبة، تحدّث أمام مجموعة من الطلبة عن المشاكل التي واجهته في إنتاج فيلمه ومنها: غياب أرشيف فلسطيني خاص يمكن اللجوء إليه للحصول على مواد بصرية، وهو أمر اضطره للاستعانة بالأرشيف الصهيوني مثل: «البالماخ» «الهاغانا»، وهو الأمر الذي يعدّ مكلفاً مادياً.

وقال إن كل المواد البصرية والوثائقية التي حصل عليها ووثّقها فيلمه الحائز على مجموعة من الجوائز عن القدس والحياة فيها قبل «النكبة»، حصل عليها من الأرشيف الفردي لبعض العائلات التي وثّق قصصها مع منازلها التي تعتبر أوطاناً صغيرة سرقها المحتلون وحاول استعادتها بصرياً بالعودة إليها وتصويرها وربطها بأصحابها.

وفي فيلم المخرج الضامن الذي صُوّر عام 2011 وعُرض داخلاً وخارجاً، نجد أن أحد أبطال فيلمه الدكتور غابي برامكي، رئيس جامعة بيرزيت السابق، قد توفي قبل عرض الفيلم، وعن ذلك يقول المخرج: «يجب الإسراع برواية ما جرى في النكبة وتوثيق حيوات الفلسطينيين من جيل النكبة الأول، الذين عاشوا قبلها وبعدها، قبل أن يذهبوا إلى رحمة خالقهم».

وتنتمي الأفلام الثلاثة السابقة على اختلاف أنواعها بين الروائيّ والوثائقيّ إلى السينما الفلسطينية الجديدة التي بدأت منذ عام 1980 مع مجموعة من المخرجين الفلسطينيين مثل: ميشال خليفي، ثمّ مي المصري، وصولاً إلى هاني أبو أسعد، ورشيد مشهراوي، وإيليا سليمان، وآن ماري جاسر، ونجوى النجار.

ويرى بشار إبراهيم أن هؤلاء وغيرهم أعادوا صوغ السينما الفلسطينية، ونقلوها من التحريضية والثورية التي كانت سمتها الأساسية في سبعينات القرن العشرين، إلى منحى يمزج ما بين الجماليّ السينمائيّ والنضاليّ الوطنيّ، بعيداً عن الشعارات الصاخبة والخطابية الرنّانة. و«النكبة» لم تختف من جوهر هذه السينما في عموم أفلامها، وظهرت في أشكال وروايات متعدّدة.

«رشيد» و«فيروز»

يتشاطر المستمعون العرب غالبية صباحاتهم صوت فيروز، وغالباً ما يردّدون معها أغنيتها الشهيرة «سنرجع يوماً» والتي تقول في مطلعها: «سنرجع يوماً إلى حيّنا… ونغرق في دافئات المنى، سنرجع مهما يمرّ الزمان… وتنأى المسافات ما بيننا. سنرجع، خبّرني العندليب… غداة التقينا على منحنى».

غير أنّ معظم هؤلاء المستمعين الطربيين بصوت فيروز، يُسقطون على هذه الأغنية أحلامهم وأمانيهم الخاصة، من دون أن يدركوا أن كاتب أشعار هذه الأغنية الشجيّة، هو الشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد. والرجوع فيها عنى عودة الفلسطيني إلى أرضه التي هجّر منها عام 1948.

إلّا أن بقاء القصيدة من خلال الأغنية التي غنّتها فيروز عام 1957 يُعدّ دليلاً إيجابياً على القدرة العالية في الشعر الفلسطيني الذي تحدّث عن «النكبة»، في أن يؤسس لعلاقة إنسانية مفتوحة عبر أبياتها التي تحكي الهمّ الفلسطيني، وكذلك أحلام البشر وأمانيهم مهما اختلفت أماكن سكناهم ومهما كانت معاناتهم.

كلمات الشاعر رشيد، المولود عام 1927 في حيّ الزيتون، شرق مدينة غزة، والمقيم في القاهرة، جاءت من ديوانه الأول المعنون «مع الغرباء»، الذي صدر عام 1954. نقرأ من القصيدة أيضاً:

بأن البلابل لمّا تزل

هناك تعيش بأشعارنا

وما زال بين تلال الحنين

وناس الحنين مكان لنا

فيا قلب كم شرّدتنا الرياح

تعال سنرجع هيّا بنا.

وكان قد صدر عام 2007 للشاعر هارون رشيد ديوان شعريّ باللغتين العربية والإنكليزية، بعنوان «أناشيد العودة»، من ترجمة وتحرير كرمة سامي في 157 صفحة من القطع المتوسط، ويحتوي مجموعة من القصائد مثل: «مع الغرباء»، «فلسطيني»، «إلى نازحة»، «جذور»، «عيناه نجمتان»، «إننا عائدون»، «صرخة لاجئ»، و«إننا لعائدون».

ورشيد الشاعر القومي والعامل حالياً في السلك الدبلوماسي الفلسطيني في القاهرة، وهب شعره للدفاع عن وطنه منذ بداياته وحتى اللحظة، وأصبحت قصيدة «إنّنا لعائدون» التي أصبحت بمثابة النشيد القومي الفلسطيني، وجاء في مطلعها:

عائدون عائدون إننا لعائدون

فالحدود لن تكون والقلاع والحصون

فاصرخوا يا نازحون

إنّنا لعائدون

عائدون للديار للسهول للجبال

تحت أعلام الفخار والجهاد والنضال

بالدماء والفداء والإخاء والوفاء

إننا لعائدون.

ويلقَّب ابن النكبة رشيد بـ«شاعر العودة»، لكونه من أكثر الشعراء الفلسطينيين استعمالاً لمفردات العودة، العائد، العائدون.

ولم تقتصر علاقة هارون رشيد بفيروز بأغنية «سنرجع يوماً»، إذ غنّت له أيقونة الغناء اللبنانية قصيدة «مع الغرباء» التي كتبها عن اللاجئين، وتعتبر من القصائد والأغاني المنسيّة بالمقارنة مع «سنرجع يوماً»، والتي يقول فيها:

أتت ليلى لوالدها وفي أحداقها ألم

وفي أحشائها نارٌ من الأشواق تضطّرم

وقد غامت بعينيها طيوفٌ هزّها سقم

وقد نام البهيج أسىً فلا صوتٌ ولا نغم

أتت ليلى لوالدها وقد أهوى به الهرم

وقالت وهي من لهفٍ بها الآلام تحتدم

لماذا نحن يا أبتي لماذا نحن أغراب

أليس لنا بهذا الكون أصحابٌ وأحباب

أليس لنا أخلّاء أليس لنا أحبّاء

لماذا نحن يا أبتي لماذا نحن أغراب؟

وجاء في كتاب «أناشيد العودة» أن هارون يشكل علامة بارزة في أدب النكبة، وهو من الرواد الأوائل في هذا المضمار، وهو يمثل التيار الواقعي في الشعر العربي الفلسطيني.

وأرّخ رشيد في أشعاره مراحل تحول القضية الفلسطينية منذ أن وعيها بداية من تظاهرات الثورة الأولى عام 1936، مروراً بالنكبة والانتفاضات، وصولاً إلى الاعتداءات الحالية على هوّية القدس.

وذكر كتاب «أناشيد العودة»: أبحر رشيد بشعره في رحلة مستمرة إلى اليوم، وعلى صفحة البحر الفلسطيني نسج عذابات اليتم والقهر والتشرد بكل جوارحه، لكنه ربّان ماهر يسبح في قصائد الرقة والحنين حيث نجد النوارس البيضاء، ومفردات الأمل من المستقبل، وأناشيد الغضب والكفاح، إذ يعبّر عن نبض الأجيال المؤمنة بالنصر الآتي لا محالة.

ويمتاز شعر رشيد بحسب الكتاب بالرومانسية الوطنية التي تغنت بها الأجيال العربية، لما فيها من قدرة رائعة على استنهاض المشاعر والهمم، ومقت للغزاة، وعشق للحرية والحياة بشرف وكرامة.

«أبو سلمى»… وسنعود

ويعتبر أستاذ الأدب العربي الحديث عادل الأسطا، والمحاضر في «جامعة النجاح الوطنية» في مدينة نابلس، شمال الضفة الغربية، الشاعر عبد الكريم الكرمي أبو سلمى 1909 ـ 1980 بالمثال الأفضل على الشعراء الذين كتبوا عن «النكبة»، وذلك في حال قصر تعريف أدب «النكبة»، وتحديداً الشعر، على الفترة الواقعة ما بين 1948 و1967.

ويعتبر الأسطا أن ما تلى هذه الفترة من شعر أطلقت عليه تسميات عدّة، كأدب حزيران، وأدب المقاومة وأدب الثورة، وأدب الانتفاضة وأدب أوسلو… إلخ.

وتعتبر قصيدة «سنعود» درّة قصائد أبي سلمى ومن أكثر القصائد التي احتُفي بها، وقد عارضها كثيرون من الشعراء وما زال لها دويّ حتى الآن على رغم بساطتها ووضوحها. وقد بدأها بمخاطبة دمشق التي أحبّها وأمضى فيها مطلع شبابه.

وكانت فيروز قد غنّت من أشعار أبي سلمى الملقّب بـ«شاعر القضية» و«زيتونة فلسطين»، قصيدة «داري» والتي جاء فيها:

هل تسألين النجم عن داري

وأين أحبابي وسماري

داري التي أغفت على ربوة

حالمة بالمجد والغار

تفتّح الزهر على خدّها

فعطّرت أيام آذار

ضحية الحسن… وكم فتنة

تجني على حسناء معطار

جار عليها مدعٍّ بالهوى

جور عدوّ في الحمى ضار

والشعب كم من حاكم بِاسمه

يظلمه ظلم سنمار

في عينه دمعة باكٍ وفيّ

راحته سكين جزار

والقصيدة في 30 بيتاً من البحر السريع، وغنّت منها فيروز 16 بيتاً، وفيها يختزل جمال فلسطين ومدى تعلقه بها. و«داري» هنا لا تعني دار الشاعر، إنما قصد بها فلسطين كلّها بكل مفرداتها الجميلة، وحياة أهلها قبل «النكبة».

ويرى الأسطا أن توالي الهزائم واستمرار أثر «النكبة» يضع كل ما يكتب من شعر وأدب تحت عنوان «أدب النكبة». فهي لم تنته حتى اللحظة، ويقول: «ما زال اللاجئون في العالم العربي يعيشون آثارها، وبالتالي فإن ما يكتب عن واقعهم استمرار لشعر النكبة، حتى وإن اختلفت المسمّيات».

ويرى الأسطا أن شعر الأرض المحتلة، وأشعار محمود درويش 1941 ـ 2008 بالتحديد، غطّت على الشعر الذي كُتب من قبل، ولا يذكر الشعر الفلسطيني، لا بل ولا يدرّس إلا في الجامعات والمناهج المدرسية، وفي الأخيرة تختار نماذج لشعراء كثر، ولكنّ نصاً واحداً لشاعر قد لا يرسّخ اسمه، فسرعان ما يُنسى.

ويشير الأسطا إلى قضية تراجع «شعر النكبة» بفعل مجموعة من التحوّلات قائلاً إن تغنّي الفلسطينيين بالشعر يكاد يقتصر على أشعار محمود درويش، وهناك عدة عوامل تساهم في هذا، منها طبيعة شعره، وشخصيته، والمؤسسة الفلسطينية التي اهتمت به أكثر من اهتمامها بغيره. والدليل على ذلك، المؤسسة التي حملت اسمه ومتحفه، أما الشعراء الآخرون فقد تمرّ ذكرى وفاتهم ولا يحظون بأمسية شعرية.

كاتب وإعلامي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى