يوم قال اليمانيون نحن أنصار الله…!
محمد صادق الحسيني
سجلوا منذ الآن على صفحات التاريخ كما في ألواح الجغرافيا بأنّ واشنطن والرياض اخفقتا تماماً في حربهما الظالمة على اليمن.
سجلوا منذ الآن بأنّ صفحة استقلال القرار اليمني هي الصفحة الوحيدة التي ستظهر ناصعة بيضاء تسرّ الناظرين.
خمسون يوماً من القتل والتدمير والإمعان في محاولات يائسة لإذلال اليمنيين لم تسفر سوى عن تعزيز مقولة انتصار الدم على السيف.
من واشنطن أعلن بدايتها سفير الرياض السابق لدى الإدارة الأميركية ومن كامب ديفيد يسدل الستار عليها باراك أوباما، ولو بعد حين.
وسط ذهول الخواص والعموم سيظهر السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي أقوى وأكثر حزماً وعزماً وجزماً على حرية اليمني في اختيار النظام الذي يريد وشكل الدولة التي يتمنى.
هل نجحت واشنطن في إغواء «الحرس القديم» من حكام الرياض ووظفت أطماعه بابتلاع اليمن فباعتهم جغرافيا سياسية مجازية حتى يذعنوا لاتفاق تاريخي مع طهران لا تزال الإدارة الأميركية تسعى له بصعوبة بالغة وسط أمواج البحار العاتية من مضيق هرمز حتى باب المندب؟
هل تخطت «الإدارة الأميركية الديمقراطية» واحدة من أهمّ تحدياتها مع الداخل الأميركي والخارج الإقليمي برسوّ سفينة النجاة الإيرانية على سواحل ميناء الحديدة؟
يقول متابع قلق لمجريات الحوار الأميركي الإيراني إنّ واشنطن أخطأت مرتين عندما أعطت الضوء الأخضر للسعوديين في شنّ حربهم العبثية الظالمة على اليمن. فهي بذلك تكون قد خطت بيدها بداية منحنى السقوط لحكم حليفها التاريخي الذي سيخرج من هذه الحرب بخفي حنين، وجعلت احتماليات إنجاز «الاتفاق التاريخي» الذي وعدت به الرأي العام الأميركي يلامس الصفر.
خمسون يوماً من الحرب العبثية الظالمة على اليمن، ليس فقط لم تخرج الأميركيين فضلاً عن السعوديين من كابوس إغلاق مضيق هرمز، بل وغامرت في تعريض مصالحها ومصالح أتباعها لخطر إغلاق مضيق باب المندب وخسران بحر العرب، بعد بحر عمان.
المتابعون لتفاصيل التحضير للحرب يؤكدون أنّ ملك السعودية رفض إشراك العمانيين في الاجتماع التشاوري الذي سبق الحرب بـ48 ساعة بحجة أن العُمانيين باتوا «صندوق أسرار الإيرانيين»، فهل حانت لحظة خروج مسقط من تحالف حرب الخليج الأولى ضدّ طهران ما يفتح الباب أمام انفراط عقد مجلس التعاون الخليجي؟
هو السيف نفسه الذي يبدو أن واشنطن كانت بحاجة ماسة إليه ليخرج من غمده مرة أخرى لتتأكد من صلاحية حكم الدرعية من عدمه في زمن إعادة بناء نظام عالمي جديد، وانه حان زمن البدء بتقسيم الجزيرة العربية التي وحّدتها ثنائية معادلة المنتصرين في الحرب العالمية الأولى قسراً.
إنه الاختبار الأكثر مرارة لكلّ من راهن على ما تبقى من إمبراطورية أحادية تتراجع حصتها في النظام الدولي، وكذلك لكلّ من راهن على إمكانية مبادلة ثقافة المقاومة بثقافة المصافحة والحوار بالحرب هذه المرة بعد تعثر مسارات التفاوض.
سيكتب التاريخ بحروف من نار ونور بأنّ بداية نهاية عصر الدفاع الاستراتيجي، وبداية عصر الهجوم الاستراتيجي لمحور المقاومة كان على يد اليمنيين أسياد الجزيرة العربية وسلاطين البحار.
وأنّ معركة فاصلة تمّ خوضها بصبر استراتيجي وتكتيك فطن لأهل اليمن هي التي نقلت بلاد سبأ من عصر حكم القحط والفقر المدقع إلى عصر ما بعد الربع الخالي، حيث انبلاج اليمن الجديد الحرّ المستقل الغني المستغني.
خرائط جديدة سترسم بعد أن ينجلي غبار المعارك وتهدأ الخلجان وتستقرّ الرمال المتحركة على أرض يمن صلب وسعيد حقاً هذه المرة.
إنها عبقرية الزمان والمكان نفسها التي أزهرت مقاومة صنعت من لبنان دولة قوية وعزيزة يفاخر بها العرب والمسلمون تتبلور هذه المرة من على أرض اليمن التي حاول خصومها التاريخيون أن يظهروها دوماً دولة فاشلة لا حيلة لها سوى التسوّل واستجداء المساعدات من القريب والبعيد!.
وكما انتقل لبنان من معادلة «قوة لبنان في ضعفه» إلى معادلة قوة لبنان في ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة… فإنّ يمناً جديداً سيخرج من الركام كما طائر العنقاء ليرمي بمقولة «الدولة الفاشلة» التي فرضت عليه يوماً إلى غير رجعة. ليبدأ عصر يمن الدولة القوية بثلاثيتها الذهبية التي تعمّدت بالدم والإيمان والحكمة اليمانية: الجيش والشعب واللجان الثورية…
ومثل هذا ما كان له أن يكون إلا يوم أصبح اليمانيون على قلب رجل واحد وهم يدفعون العدوان عن بلدهم وهم يردّدون: نحن أنصار الله الذين ما برحنا نقدم الغالي والنفيس وسنظلّ نقدمه من أجل عز اليمن وعز العروبة وعز الإسلام من دون منة أو تذمّر.
إنهم سلاطين البحار والمضائق كما أسياد السهول والجبال المنتصرون الحقيقيون، وغيرهم الذين خيّبتهم الظنون وذاقوا بتورّطهم بالحرب على اليمن طعم كأس السمّ الزعاف وطعم المنون.
ومن لا يزال لديه شك في ما نقول فليصبر قليلاً وينتظر نتائج قمة كامب ديفيد وانطلاق حوار اليمنيين من حيث انتهى قبل بدء العدوان، فإنّا وإياه من المنتظرين.