الأميركيّون والإرهاب
حميدي العبد الله
الجناح اليمينيّ المتشدّد في النخبة الحاكمة الأميركية والموالي لـ»إسرائيل» في الكونغرس وفي الإعلام، والذي يحظى بتعاطف الرئيس الفرنسي وأعضاء حكومته، يهاجم إدارة أوباما ويحمّلها مسؤولية اتساع نطاق خطر الإرهاب وتعاظم وجوده في سورية، كون إدارة أوباما تقاعست في التدخل العسكري وتقديم الدعم الفاعل للمعارضة في سورية، ما أخلّ بتوازن القوى داخل المعارضة لمصلحة التنظيمات الإرهابية المتشدّدة، على حساب المعارضة «المعتدلة»، والمقصود بالمعتدلة المعارضة المرتبطة بالغرب.
آخر هذه الاتهامات ما ورد على لسان وزير الخارجية الفرنسي من انتقادات للدول الغربية التي أحجمت في آب الماضي عن شنّ هجوم عسكري على سورية، والمقصود الولايات المتحدة وبريطانيا.
بمعزل عن مدى استجابة أوباما أو اعتراضه على هذه المقاربات، وما إذا كان تقاعس فعلاً في تقديم الدعم إلى الجماعات المسلحة في سورية، أو أنه على العكس قدم إليها ما لم يقدم في أي دولة أخرى، فهل إنّ تدخلاً عسكرياً أميركياً مباشراً بدعم من الدول الغربية الحليفة للولايات المتحدة ودول المنطقة التي تدور في فلكها، كان ممكناً أن يؤدي إلى غلبة المعتدلين في المعارضة السورية على حساب المتطرفين المصنفين إرهابيين في الغرب؟
تجارب الغرب على هذا الصعيد تحمل جواباً واضحاً وقاطعاً. غزت الولايات المتحدة العراق وأرسلت مع حلفائها الغربيين أكثر من 240 ألف جندي إلى هناك، لكن هل منع الاحتلال البرّي للعراق والذي استمرّ حتى عام 2011 وجود الإرهاب وامتداده إلى العراق وتصاعده في العالم؟
قبل الاحتلال الأميركي للعراق، تراجع وجود الإرهاب عربياً ودولياً وعلى مستوى المنطقة، وكان العراق خالياً من الإرهابيين، لكن بعد الاحتلال الأميركي تعاظم وجود الإرهاب عالمياً، وتوطّن في العراق، ولم يمنع وجود القوات الأميركية والغربية واحتلالها العراق انبعاث هذا الإرهاب.
إذن، لم يحصل ذلك البتة، بل حصل العكس وفشلت القوات الأجنبية المحتلة في جعل الغلبة للمعتدلين، بل أورثت العراق ما يحصل الآن من أعمال إرهابية في مناطق واسعة فيه، وسيطرت المجموعات الإرهابية وفي مقدمها «داعش» على غالبية المحافظات الواقعة في غرب العراق.
التجربة الثانية في ليبيا، حيث ساندت دول الناتو، بقيادة الولايات المتحدة، المتمردين، وكان لها ولشركائها الأتراك وبعض الحكومات الخليجية دورٌ عبر التدخل العسكري المباشر في إسقاط النظام الليبي، إنما هل نجمت عن هذا التدخل الغلبة للمعتدلين من المعارضين الليبيين؟ أم هي المجموعات المتشدّدة والمتطرّفة والمصنّفة منظمات إرهابية، وهي التي تصول وتجول الآن في ليبيا من دون رادع، وهي التي هاجمت مقرّ السفير الأميركي ووحدة الاستخبارات الأميركية في بنغازي، وقتلت السفير، وتحضّر الولايات المتحدة اليوم لغزو لغزو عسكري برّي لليبيا لضرب هذه الجماعة المتطرفة الإرهابية!
إذا كان وجود 240 ألف جندي أجنبي وعلى رأسهم 140 ألف جندي أميركي لم يحولوا دون انتشار الإرهاب وتعاظم نفوذه في العراق، وفي المنطقة، وإذا كانت مشاركة الناتو في الحملة العسكرية على ليبيا لم تؤدّ إلى انتصار«المعتدلين» على المتشدّدين الإرهابيين الذين لا يسمح لهم بتعيين رئيس للحكومة، فكيف يمكن أن يحدث ذلك في سورية؟ علماً أنّ الذين يدعون إدارة أوباما إلى العدوان العسكري المباشر على سورية لا يطلبون تكرار تجربة العراق، وإرسال قوات برية إلى سورية، فذلك أمر لا يمكن تسويقه، إنما يطالبون بتكرار تجربة ليبيا، فهل ستكون النتائج في سورية مغايرة للنتائج في ليبيا؟ مع الأخذ في الاعتبار أنّ المنظمات المتشددة الإرهابية منذ البداية في سورية هي الأكثر قوة والأكثر تنظيماً والأكثر تسليحاً بين الجماعات المعارضة.