التقرير الأسبوعي لمراكز الأبحاث الأميركية
الدور المركزي للرئيس فلاديمير بوتين في إعادة نبض الحياة إلى روسيا وتعزيز هيبتها ليس محط جدال ومناقشة، لا سيما في ظل الإدراك الجمعي لدول العالم وقادته أن روسيا «تستعرض» عضلاتها العسكرية والاقتصادية لتحقيق مآربها في ظل ولاية الرئيس بوتين. بعض المكوّنات السابقة للاتحاد السوفياتي تنظر بقلق شديد إلى ما يحصل في أوكرانيا وإمكان تشظّيه إلى عدة مقاطعات متناثرة. ويكثر الحديث عن «نهضة الدب الروسي بعد سبات عميق» للدلالة على عمق القلق داخل أوساط بلدان أوروبا الشرقية، آخذين في الاعتبار الفارق الزمني والجيوسياسي لما كان عليه الأمر إبان نفوذ الاتحاد السوفياتي السابق. فما تبقى لروسيا اليوم من نفوذ لا يقاس بسابقه الاتحاد السوفياتي، خاصة لتقلص مساحة الجغرافيا وما ينجم عنها من تراجع في الموارد الصناعية، وبروز مؤسسات وهيكلة للدولة خالية من إجراءات الفساد السابقة، فضلاً عن أقدمية العامل البشري. بالمقارنة، وضع حلف الناتو مميز بحجمه الاقتصادي والعسكري لدى النظر الى الأرقام والاحصائيات الجامدة. واستناداً إلى القاعدة القائلة بأن القوة والهيبة العسكرية هي نتاج القوة الاقتصادية، فإن حلف الناتو يتفوّق على روسيا اليوم، خاصة لدى الأخذ في الاعتبار أن عدداً من دول حلف وارسو المنحلّ انتقلت الى عضوية حلف الناتو، بعداء واضح لروسيا.
يعتبر الخبراء العسكريون في الغرب أن روسيا لا تزال تسعى إلى اللحاق بالتقنية العسكرية الغربية، رغم تنامي استثماراتها في هذا المجال، وإقرارهم بأن روسيا حققت بعض التقدم على خصومها الغربيين في بعض الأسلحة كتقنية الطائرات المقاتلة والدفاعات الجوية وشؤون الفضاء، بيد أنها لا تستطيع الضخّ بمزيد من أموال الاستثمارات في مجالات أخرى. ويشير هؤلاء الى أحدث مدرعة في سلاح البر الروسي، تي-90، فالاقبال على شرائها بقي محدوداً مع تحويل الجيش الروسي أولوياته إلى تطوير الجيل الجديد منها، تي-99، كعربة قتالية متعددة المهمّة ومن المقرر أن تدخل الخدمة الفعلية عام 2020.
تتفاقم جهود روسيا لتحديث أسلحتها، وفق أولئك الخبراء، مع عدم قدرتها على التغلّب على ارتفاع كلفة الإنتاج وحال المصانع الحربية الراهنة. ويشيرون الى رغبة سلاح الجو الروسي بتحديث أسطوله من مقاتلات ميغ-29 الى النموذج الأكثر تطوراً، ميغ-29 إس إم تي، والعقبات المالية التي واجهته لإدخالها الخدمة ضمن الفترة الزمنية المنشودة. يشار أيضاً إلى أن تراكم عدد من التحديات أثناء فترة التصميم ومراقبة الجودة أدت الى تأجيل تسليم نحو 37 مقاتلة من طراز إس يو 35 الى نحو سنتين إضافيتين، والتي لن تدخل ترسانة سلاح الجو إلّا عام 2016.
كما اضطرت روسيا الى النظر خارج أراضيها لاستيراد بعض الأسلحة المتطورة لجسر الهوة القائمة في تحديث تقنيتها، منها طائرات الدرونز من الكيان «الإسرائيلي» وعربات مقاتلة خفيفة الحركة من طراز آيفكو الإيطالية، وسفن ميسترال البرمائية من فرنسا. وقد تتضرّر جداول تسليم تلك الأسلحة نتيجة الحوادث الأوكرانية والضغوط الأميركية على حلفائها الأوروبيين لمعاقبة روسيا.
يشار أيضاً الى المتاعب الإضافية التي واجهت روسيا في عملية تحديث مراحل الإنتاج العسكري كافة الناجمة عن خروج بعض المكوّنات السابقة للاتحاد السوفياتي عنها، والتي احتفظت بالبنى التحتية الحديثة للمصانع الإنتاجية على أراضيها وحرمت روسيا من استغلالها، بينما احتفظت داخل أراضيها بالبنى القديمة لمصانع الإنتاج. وشهدت تلك المرحلة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي تقلصاً كبيراً في موازنة الدفاع الروسية، وبلغ أحد أدنى مستوياتها في المشتريات العسكرية عام 1998 إذ لم تستطع شراء إلّا نحو ما معدله 10 مدرعات و 30 عربة ناقلة للجند سنوياً.
جيش روسي عصري محترف
ذهب القسم الأكبر من طفرة الإنفاقات العسكرية في السنوات الأخيرة الى القطاع البشري ضمن سعي روسيا الطموح إلى بناء جيش عصري محترف، مع بقاء ثغرة تحديث الأسلحة وعدم مواكبتها المتطلبات التسليحية. يذكر أن نسبة المجندين الذين يؤدون الخدمة العسكرية لمدة سنة واحدة تشكل نحو نصف تعداد الجيش الروسي برمته، الذي لم تجرب إمكاناته وقدراته على نحو كامل منذ أفول مرحلة الاتحاد السوفياتي، لا سيما القوات البرية.
تشارف الخدمة الإلزامية للمجندين على نهايتها العام الجاري وعودتهم إلى نمط الحياة المدنية، ما قد يقلص نوعية القدرات القتالية لما تبقى من الجيش الروسي المرابط على الحدود المشتركة مع أوكرانيا. ويعتقد المسؤولون الغربيون أن هذا الوضع قد يضطر الرئيس بوتين الى القيام بأحد أمرين: شن هجوم على أوكرانيا في غضون الأسابيع القليلة المقبلة أو الانتظار فترة إضافية لرفع القدرة القتالية للمجندين الروس، وإدراكه للتحديات الإضافية التي يمثلها نقص المعدات وتدني الجهوزية القتالية لقواته. ويضيف هؤلاء أن الرئيس الروسي يواجه ضعف أداء الاقتصاد الروسي، رغم توافر موارد الطاقة وجاهزية الأوروبيين لشراء الغاز الروسي، ترافقه العقوبات الاقتصادية الغربية وتراجع قيمة الروبل وهرب الأرصدة المالية من روسيا والتصنيفات المالية المتدنية للاقتصاد الروسي التي تفاقم قدرته على الاستقراض الخارجي لتمويل عجلة التحديث. ويخلص هؤلاء إلى القول إن الرئيس بوتين يتطلع الى الاستيلاء على أوكرانيا بأقل كلفة ممكنة.
نجح الرئيس بوتين، الى حد بعيد، في خلق حالة شلل سياسي لدى السلطات الأوكرانية في كييف، وعوضاً عن التدخل المباشر لجأ الى شن حملة مضادة عبر المعارضة الشعبية في الشرق الأوكراني المناهض لسلطة كييف، والذي من شأنه تحقيق عدد من الأهداف، في مقدمها «إبطاء حركة تحوّل أوكرانيا الى جانب حلف الناتو، وتوفير الغطاء السياسي الضامن لشل حرية حركة قادة حلف الناتو، عبر الاتكاء على جهوزية عدد قليل من القوات الخاصة عالية التدريب عوضاً عن القوات النظامية الروسية».
برزت نتائج الخطوة سريعاً في تدني الكلفة الروسية وتوسيع هامش مناورتها السياسية والعسكرية أيضاً وتوفير أرضية للمراجعة الشاملة استناداً على ما ستؤول إليه الأوضاع الميدانية. ومن شأن تلك الاستراتيجية إضعاف سيطرة السلطة المركزية في كييف وإتاحة الفرصة لبروز سلطة مؤيدة لموسكو في الشطر الشرقي من أوكرانيا، وربما يؤدي الى انفصاله وتعميق الأزمة لدى السلطة المركزية الموالية للغرب، فضلاً عن إضعاف القدرة القتالية للقوات الأوكرانية المهددة بالانشقاق.
الأسلوب الراهن ينطوي أيضاً على بعض الأخطار لروسيا، لا سيما لدى الأخذ في الاعتبار توتر العلاقات بينها وبين أوكرانيا في البعد التاريخي، ما قد يدفع سلطات كييف الى شن حرب وقائية ضد السكان الروس المقيمين على أراضيها بالاعتماد على القوات العسكرية تحت أمرتها ودعم غربي متعدد الوجه.
في هذا الصدد، أوضح معهد ستراتفور، سالف الذكر، للقادة الغربيين أنه «من غير المرجح لجوء روسيا الى إجراء عملية عسكرية واسعة أبعد مما جرى في شبه جزيرة القرم» وبناء عليه يُستبعد أيضاً تدخل روسي مباشر لحماية الروس المقيمين في أوكرانيا. ومضى المعهد بتعزيز فرضيته أن السلطات الروسية أخذت علماً بتجربة الاتحاد السوفياتي القاسية في أفغانستان، وكذلك بالمأزق الأميركي في أفغانستان والعراق ولن تقترف خطأ التدخل المباشر ضمن الظروف المرئية، وإدراكها أيضاً أن حلف الناتو يتوثب لاستدراجها إلى حرب تستنزف إنجازاتها وقدراتها وتريح دول الحلف بنقل معركته الى الداخل الروسي.
في هذا السياق تجدر الإشارة الى دراسة أجراها مركز رازمكوف في مقره في كييف عام 2009، أوضح فيها أن المصانع الحربية في الشرق الأوكراني تنتج محركات طائرات تستخدمها روسيا لتشغيل ترسانتها من الطائرات المروحية العسكرية إضافة إلى عدد من المعدات والمحركات التي تدخل في تشغيل روسيا طائراتها المقاتلة وسفنها الحربية. وعلى سبيل المثال، فإن شركة أنطونوف للطيران ومقرّها الرئيسي كييف تصنع طائرات النقل الروسية من طراز إيه إن-70، التي قد تصبح مصانعها عرضة لأعمال التخريب والانتقام من التوجهات السياسية للطرفين، وانخراط أوسع لحلف الناتو في أعمال المراقبة العسكرية على الشواطئ والحدود المشتركة لأوروبا مع روسيا، وما يتطلبه ذلك من زيادة دول الحلف إنفاقاتها العسكرية لتحقيق توازن وتعادل في قوة الردع، واستدراج سباق تسلح بين الطرفين يضاعف مفاقمة الأوضاع الاقتصادية المتردية أصلاً.
يذكر أن أسواق السلاح الفردي في الولايات المتحدة استوعبت أسلحة رشاشة روسية الصنع من طراز كلاشنيكوف إيه كي 47، لعام 2013، أعلى من مشتريات الجيش الروسي وقوات الشرطة الروسية مجتمعين للسلاح ذاته. ومن الثابت أن الحكومة الأميركية ستلجأ إلى مقاطعة المنتجات الروسية لحرمانها من حصة السوق ومردودها المالي المعتبر.
المستقبل بعيون حلف الناتو
يراوح حلف الناتو في دائرة ردود الفعل في مسعاه للثبات على استراتيجية محددة للردّ على التحركات الروسية، ولا تبدو عليه علامات الجهوزية للتضحية بالاستثمارات الاقتصادية والتقنية التي نسجتها مع روسيا لفترة طويلة استجابة للرغبة الأميركية بفرض إجراءات عقابية قاسية، إذ أن المصالح الأوروبية ستكون أول من يدفع الثمن، كما عبرت عنه الشركات الألمانية بامتعاض كبير، وتعي جيداً مدى اعتماد اقتصادياتها على توريدات الغاز الروسي لإدامة دوران إنتاجية المصانع. أما الولايات المتحدة فتعتمد بشكل رئيسي على التعاون مع روسيا وتقنيتها في شؤون الفضاء الخارجي لنقل الإمدادات من والى محطة الفضاء العالمية. فضلاً عن تعويل الولايات المتحدة على التعاون الروسي التام في توفير التسهيلات اللوجستية المطلوبة لانسحاب قواتها بسلام من أفغانستان.
عمدت الحكومة الأميركية على إظهار جانب التحدي لروسيا بإرسالها أسراب من طائراتها المقاتلة، من طراز إف-15 و إف-16، للمرابطة في أجواء بولندا ودول البلطيق ونشر قوات من مشاة البحرية والمظليين وطائرات النقل العملاقة، سي-130، في بولندة وقوات أقل عدداً في رومانيا لطمأنة قيادات تلك الدول بجدية قراراتها بدعم ومساهمة بريطانية وفرنسية ودانماركية، فضلاً عن تحريك عدد من قطعها البحرية للمرابطة على شواطئ البحر الأسود. ويدرك الطرفين المتقابلين، حلف الناتو وروسيا، أن تلك القوات غير مؤهلة بحد ذاتها للدخول في مواجهة حقيقية، بل كعنصر يردع روسيا عن بسط نفوذها غرب حدودها الإقليمية.
نشرت الولايات المتحدة أيضاً طائراتها من طراز الإنذار المبكر المتطورة في عدد من دول أوروبا الشرقية لمراقبة حدودها، ما يوفر لها القدرة على تحريك سريع لقوات قتالية عند الحاجة وأبقت على موعد إجراء مناورات مشتركة بين قوات حلف الناتو والقوات الأوكرانية. الأهم أن الولايات المتحدة لم تتخلّ أو تتراجع عن استراتيجيتها بنشر نظام الدفاع الصاروخي على أراضي أوروبية قرب الحدود الروسية، رغم رسائلها السابقة بالتطمين والعزوف عن ذلك وفي السياق ذاته قد تذهب أيضاً إلى نشر منظومات مضادة للصواريخ الباليستية في أوروبا الشرقية أيضاً.
الاستراتيجية الأميركية لمحاصرة روسيا استدعت «ترميم» علاقات دول حلف الناتو مع تركيا التي تملك أكبر جيش من عدداً بين دول الحلف، واستعادة وظيفتها ككيان ينغص الحياة على روسيا نيابة عن الولايات المتحدة يعززه استضافتها عدداً من القواعد الأميركية العسكرية والجوية والبحرية كمنصة انطلاق ضد روسيا.
كما تستدعي الاستراتيجية الأميركية ابتعاد اعتماد أوروبا على مصادر الطاقة الروسية، والذي سيستغرق وقتاً طويلاً، في أفضل التوقعات، والتأهب لتصدير موارد الطاقة المكتشفة حديثاً في القارة الأميركية الى أوروبا، واستمرار تحكمها في مصادر وطرق تسويق الطاقة المدفونة في عمق الأرض العربية.
الشق العسكري في الاستراتيجية الأميركية ما فتئ يطالب الحلفاء بزيادة حصصهم للإنفاق على الشؤون الدفاعية تحت ذريعة «مكافحة إرهاب القاعدة ومشتقاتها» والاستثمار في تحديث المعدات والأسلحة لتخفيف أعباء الدفاع عن الموازنة والقوات الأميركية واضطلاع الأوروبيين بمهمة حماية أمنهم. وسارعت بولندة الى استثمار الهواجس الأوروبية والأميركية من روسيا بتجديد طلبها لمرابطة قوة عسكرية من قوات الناتو قوامها كتيبتان قتاليتان على أراضيها بشكل دائم.
التقطت الولايات المتحدة فرصة تفاقم العلاقات مع روسيا لاستئناف العمل بنشر نظم مضادة للصواريخ الباليستية في أوروبا، دشنتها بالإعلان عن نشر بطاريات صواريخ اعتراضية من طراز ايجيس في بولندة تستكمل عام 2018، وربما تضغط الحوادث الجارية لتسريع الانتشار الى موعد أقرب من المقرر، لا سيما أن رومانيا ستستقبل بطارية اعتراض صاروخية عام 2015 والهدف المعلن روسيا وإيران.
تتميز بولندة بامتلاكها أحد أكبر الجيوش العسكرية عدداً بين دول الحلف الأوروبية، قوامه 900 عربة مدرعة وما ينوف عن 100 طائرة مقاتلة، معظمها سوفياتية الصنع، وتمضي لتحديث ترسانتها بمدرعات ليوبارد الألمانية وخصصت جزءاً أكبر من موازنتها السنوية للشؤون العسكرية، فضلاً عن مشاركة قواتها ضمن القوات الأجنبية في أفغانستان ومناطق أخرى كما تقتضيه المصلحة الأميركية، ومشاركة قواتها في المناورات العسكرية المشتركة مع أوكرانيا. ومن المتوقع أن تلعب بولندة حجر الزاوية في استراتيجية حلف الناتو الدفاعية في دول أوروبا الشرقية.
الخلاصة
ينبغي لفت الانتباه الى تميز الأزمة الأوكرانية الراهنة عن أجواء الحرب الباردة، التي يتوق إليها أقطاب معتبرة من صناع القرار السياسي الأميركي. أولها أن حلف الناتو لا يواجه «إمبراطورية سوفياتية» مترامية الأطراف، بل روسيا «تغادر مواطن الضعف السابقة» في مواجهة خصم أكبر عدداً وعتاداً يضم معظم حلفائها السابقين في حلف وارسو المنحل، ويتفوق عليها اقتصادياً وعسكرياً. غاب عن الصورة النموذج السابق لخشية أوروبا من «حشد هائل من المدرعات السوفياتية تجتاح أواسط أوروبا». وأوضح الباحث في مكتب الدراسات العسكرية الأجنبية، التابع للقوات البرية الأميركية، يعقوب كيب، أن القوة السوفياتية كانت «ساحقة لديها القدرة على مراكمة نسق عسكري فوق آخر. وهذا ما كنا نخشاه في حلف الناتو: أي قوات عسكرية كبيرة مدربة ترابط على حدود ألمانيا ذات قدرة على تنظيم وحشد مجتمع كامل للانخراط في حرب ذات كثافة عالية ضد أهداف صناعية». وأضاف كيب أن روسيا اليوم «تفتقد قدرة الحشد العالية، ما يعني أنه في زمن نشوب الأزمات العسكرية سيجد الكرملين نفسه في مواجهة خيارات غير جذابة».
الثابت في المعادلة الراهنة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عازم على تحديث الآلة العسكرية الروسية كوسيلة لبسط النفوذ على المستوى العالمي. وينقل عن الخبراء الغربيون قولهم إن بوتين يغامر بالمراهنة على قوات عسكرية غير مجربة، خاصة أن أيّ فشل تواجهه سيترجم كارثة سياسية رئيسة.
ليس سراً أن حلف الناتو يجهد في إدراك حجم مواطن الضعف الروسي واستغلالها لمصلحته، لا سيما لتقلبات الأوضاع الاقتصادية رغم فائض مخزون موارد الطاقة. من ناحيته، يدفع الرئيس بوتين حلف الناتو الى قراءة مخطئة لنواياه وحصرها بمعادلات الحرب الباردة بين خصمين متقاربين في القوة.
أسلوب إدارة الرئيس بوتين الحاسم للازمة مع أوكرانيا عزز موقعه وشعبيته في الداخل الروسي، وكذلك في الأوساط العالمية التواقة للخروج من سيطرة أحادية للولايات المتحدة على مقدرات العالم. ويدرك بدقة حقيقة مواطن القوة لحلف الناتو، فرادى ومجتمعين، ويسعى بدوره إلى توسيع شقة التباينات داخل صفوفه بالتقرب من ألمانيا التي لا تزال غاضبة من جهود التجسس الأميركية عليها وعلى مسؤوليها، كما أوضح إدوارد سنودن، وتبديد زخم الاندفاع الأميركي ولجمه.