الانتخابات الرئاسية السورية والإعلام الرسمي
عامر نعيم الياس
أرسى الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد في خطابه على مدرج جامعة دمشق بتاريخ 10/1/2012، معالم الجمهورية الثالثة، واضعاً تصوّراً متكاملاً لحلّ الأزمة التي تمرّ بها البلاد، بما يمهّد لإحداث التغيير المرجوّ في بنية النظام الجمهوري في سورية ومفاهيمه، من دون أن يتعارض ذلك مع استمرارية الثابت، والمقصود هنا الدولة والكيان السوريين.
أعلنت الخطة وبدأ العمل على تطبيقها بالتوازي مع استعادة الجيش العربي السوري زمام المبادرة على كامل الجغرافية السورية، خصوصاً في وسط البلاد ومحيط العاصمة دمشق. مسار سياسيّ ما كان له ليخرج بشكله الحالي ونحن على أبواب استحقاق الانتخابات التعدّدية الأولى لرئاسة الجمهورية العربية السورية منذ عام 1958 لولا التالي:
ـ صمود الدولة والشعب في سورية، صمود أقلّ ما يوصف بأنه أسطوريّ، وهنا تحديداً لا نبالغ في التوصيف.
ـ إعادة بناء الثقة بين الدولة والقاعدة الشعبية في البلاد دشّنها الرئيس الأسد شخصياً من خلال لقاءاته المستمرة مع الفاعليات الأهلية والشعبية في مختلف المحافظات السورية، ما أدّى إلى تأسيس قنوات تواصل على أعلى المستويات، جرى من خلالها رعاية عددٍ من التسويات والمصالحات في مختلف مناطق البلاد.
ـ الأرض وموازين القوى التي ساهمت بشكل أساسي في تعرية حقيقة المخطط الذي يستهدف الكيان السوري قبل نظام الحكم القائم.
ـ المنظومة الإقليمية والتحالف الدولي المتين مع روسيا والصين.
بالعودة إلى استحقاق الانتخابات الرئاسية، هاجمت المعارضة السورية، وكما هو متوقع، الانتخابات واصفةً إياها «بالمهزلة». توصيف هو الآخر أتى نقلاً عن توصيف النخب السياسية وبعض الإعلامية لها في الغرب، وذلك في إطار محاولات تشويه الاستحقاق الرئاسي وعزل القيادة السورية التي ستنتج عن الانتخابات، ومن نافل القول هنا إن «إعادة انتخاب» الأسد للرئاسة كما أجمعت كافة الصحف الغربية من دون استثناء، أمر غير قابل للجدل، ليس بسبب هلوسات المعارضة السورية حول الديمقراطية والديكتاتورية وحكم الأجهزة، بل بسبب نجاح الأسد في تجنيب البلاد ويلات الانفراط وانهيار الدولة أولاً، وظهور الأسد بمظهر «القادر على إبرام الاتفاقات والمصالحات في الداخل» بحسب «لو موند» الفرنسية، ثانياً. أما ثالثاً والأهم، فحجم القاعدة الشعبية الداعمة للرئيس الأسد والمؤيدة للدولة السورية، «فالجيش يدين بالولاء للرئيس، ومؤسسات الدولة قاطبة لم تحدث فيها انشقاقات كبرى بل بقيت تعمل تحت راية الحكم الحالي»، بحسب أحد التقارير الأخيرة لوكالة «أسوشيتد برس».
القاعدة الشعبية وتأييد الرئيس دفعا الغرب ممثلاً بفرنسا وألمانيا إلى منع الرعايا السوريين من المشاركة في الانتخابات الرئاسية السورية، فالصورة ستفضح محاولات خداع الرأي العام العالمي، وسيحقق الأسد انتصاراً آخر في حرب السياسة والعسكر والاقتصاد والصورة والإعلام، وحول هذه الأخيرة بالذات، وفي موازاة الحملات الإعلامية لتشويه صورة الانتخابات الرئاسية في سورية، استضاف الإعلام الرسمي في سورية وعلى قناتين مختلفتين المرشحين المنافسين للرئيس الأسد في الانتخابات الرئاسية، وهما الدكتور حسان النوري وماهر الحجار، فواجب الإعلام توفير منصة للمرشحين الرئاسيين لطرح برنامجهما الانتخابيين على عموم الشعب، وواجب الإعلام الذي قدّم دماءه على مذبح الصمود السوري، أن يعكس الوجه الجديد للتغيير الفعلي المحسوس والمادي الذي تعيشه البلاد، وعند هذه النقطة بالذات خرجت الأمور عن نطاق المنطق والعقل وأبسط قواعد العمل الإعلامي، إذ يمكننا تسجيل الملاحظات التالية:
أولاً، لا يمكن إعطاء مصداقية لأيّ مشروع أو حدث من دون احترام مكوّنات هذا الحدث والشخصيات المشاركة فيه، فهل تستطيع أن تبرز أهمية الاستحقاق الدستوري وأنت تحاول متعمداً التقليل من قيمة المشاركين فيه على كافة المستويات، بدءاً من التشكيك بتوجهاتهم، مروراً بالتشكيك بقدراتهم على المحاكمة الذهنية، وليس انتهاءً بتقليل شأنهم وإهانة ذواتهم باستطلاعات للرأي ترى في المرشح «مطرباً»، ألا يعكس هذا الجواب تجاهلاً للاستحقاق الرئاسي قبل أن يكون «ضربة إعلامية» لإحراج المرشح الرئاسي؟ ألا يشكل هذا الأمر في بعض أوجهه تساوقاً مع مصطلح «المهزلة» الذي يحاول الغرب العمل عليه ليلاً ونهاراً؟
ثانياً، الحوار يفرض عليك أن تكون محاوراً لا طرفاً. الحوار يفرض عليك أن تأخذ دور محامي الشيطان في مناقشة الأفكار ودفع الحجج لا محاكمتها.
ثالثاً، الإعلام الرسمي هو إعلام للدولة تملكه ويخدم توجهاتها وسياساتها، أليس قانون الانتخابات الرئاسية وفتح باب الترشح أمام أبناء الشعب السوري، هو قانون أقرّته الدولة ومن الواجب إبرازه، أم أن الإعلام مؤسسة مستقلة عن الدولة!
رابعاً، الموقف السياسي من هذا المرشح أو ذاك موقف شخصي تعكسه صناديق الاقتراع، لا سباقاً على الهواء مباشرة بين محاورين يريدان وضع المرشحين اللذين استُضيفا في غرفة التحقيق تمهيداً لتحويلهما إلى المحكمة بتهمة الترشح للانتخابات الرئاسية.
خامساً، الغرب، عدوّنا، سلّم بنتائج الانتخابات الرئاسية في سورية. بشار الأسد يتجاوز مفهوم الرئيس إلى قائد لمرحلة هي الأقسى في تاريخ سورية، قائد لا يجد الغرب بدّاً من المطالبة والعمل على تنحيته بكل الوسائل المتاحة قبل اللجوء إلى صناديق الاقتراع، فما بالنا نحن نتعامل مع هذا الملف بهذا النوع من التشنّج والانفعال؟ من قاد هذه التحولات ومن قطع الطريق على الفراغ في البلاد وحكم السفارات، أليس وجود الأسد على رأس الدولة في سورية وطرحه مشروع الانتقال الممنهج للبلاد نحو الانفتاح والديمقراطية؟
إن الدماء التي قدّمها الإعلام السوري لا يمكن أن تكرّم سوى بجهد وعمل دؤوبين لنقل الصورة الجديدة للبلاد من دون اجتهادات شخصية ومصالح ضيقة، فمن ضحّى بحياته لم يكن ينتظر شيئاً من أحد، آمن بهدفه ومضى.
كاتب سوري