الإمارة أساس العدل
وليد زيتوني
عندنا، في بلادنا، نحن لا نملك. نحن لسنا بجمهوريين، ولا ديمقراطيين، ولا برلمانيين، ولسنا ملوكاً وأباطرة. نحن لا نملك السلطة بكلّ فروعها، ولا نملك الأمن بكلّ فروعه، ولا نملك الاقتصاد بكلّ أقسامه وأشكاله وأنظمته. كلّ ما نملكه هو أن نقبل العطاءات والفرامانات الإمبريالية التي تسبغ علينا الألقاب والمناصب، مشفوعة بالتعليمات والإملاءات التفصيلية، ومشحونة بقدر كاف من الدنانير ذات التسميات المختلفة المنشأ والمصدر. نحن في بلادنا، انكشارية السلطان. منّا من أصبح آغا، أو أصبح بيك، أو باشا، أو شيخاً أو مقدّماً، ومنّا من يطمح إلى الإمارة. نحن بكلّ بساطة نكرّر مشهد المير بشير وأبناء أخيه يوسف مع أحمد باشا الجزار، مع فارق واحد، حيث كان أميرنا يجبي الضرائب «الميري»، كما «الحسبة» و«الكوشان»، ليرضي الوالي أو السلطان، بينما اليوم يتنعّم علينا الوالي بالودائع والعطاءات لاستكمال سدّ رمق الدولة، فيصبح خبزنا كفاف يومنا.
أما العدل فحدّث بلا حرج. فلقد ارتقينا من مرحلة شيخ الصلح، وشيخ المشايخ إلى محاكم عامة، ومحاكم مختصة ومحاكم متخصّصة وشرعية وروحية ومذهبية حتى إلى الدولية منها. وربما أنعمت علينا الأيام المقبلة، وبجهد وزارة العدل محاكم ميدانية داعشية وقاعدية ونصراوية، قد نستورد قضاتها من الشيشان أو أفغانستان أو باكستان، أو من جماعة الطاجيك أو الباشتون. قضاة محترفون في تنفيذ الأحكام المبرمة وبأيديهم مباشرة، لاختصار الوقت ومنعاً من الاعتراضات التي قد تنشأ. فالاستئناف مرفوض والتمييز مرفوض والنقض مرفوض. نعم لا تقبل المراجعات إلا بشفاعة أمير الأمراء سواء كان معروفاً باسمه ولقبه، أو بمرجعيته المذهبية أو بمرجعيته التشغيلية.
الضجة التي أثارها أشرف ريفي، من موقعه كوزير للعدل قد تؤتي ثمارها. بلى، قد استطاعت تحريك الشارع للإفراج عن كلّ القتلة والعملاء، وربما تصل إلى الإفراج عن اللصوص وتجار المخدرات ورجال العصابات ونسائها مساواة بين الرجل والمرأة . نعم، تحرك الشارع في طرابلس مثلاً. وعلى رأس هذا الحراك من هم في حكم القانون مطلوبون بجرم القتال وتشكيل العصابات والتحريض الطائفي، والتحريض على الجيش، والتحريض على الفوضى والاستنجاد بـ«داعش» و«النصرة» تحت مسمّيات «الثورة السورية». وهؤلاء أنفسهم يقاتلون ضدّ «الوصاية السورية» والجهاز الأمني السوري ـ اللبناني المشترك.
نعم، تحرك الشارع، حتى سعدنايل تحرك قسم منها بفعل تحريض العميل زياد الحمصي المشمول بالرعاية الاستنسابية ذاتها، وهو الذي شارك العدو «الاسرائيلي» بالمعلومات لقتل المدنيين والأبرياء في منطقة البقاع الأوسط. هذه القحبنة الواضحة نريدها أن لا تكون في أساس محاضرة العفاف. فزياد الحمصي يفتخر بلقب العمالة، ويعرّف عن نفسه بهذه الصفة، وهو كان بالأمس القريب مسؤولاً في تيار المستقبل، ويزور الأردن لتدريب الكوادر العسكرية في هذا التيار.
نعم، تحرك الشارع، ولكن ماذا عن علي الحجيري المتهم باغتيال الرائد بيار مشعلاني والذي اجتمع مع سعد الحريري في قصر الوسط عند مروره في لبنان، أليس سعد الحريري زعيماً لتيار المستقبل الذي ينتمي إليه «الوزير العادل»؟
نعم، إذا قضت المحكمة بحبس ميشال سماحة لأنه نقل متفجرات من سورية إلى لبنان وحوكم على نية التفجير. ألا يستدعي الأمر محاكمة من نقل المتفجرات والذخيرة والسلاح والأموال والرجال من مرافئ طرابلس الشرعية وغير الشرعية وبغطاء أمني وسياسي الى سورية حيث تمّ القتل وتمّت الجريمة، ألا يستدعي المحاكمة؟
باختصار، إنّ التغطية على انتصارات القلمون لا تستوجب كلّ هذا التحريض، وحفنة من الأصوات لمسك الشارع تكون بتقديم الخدمات الإنسانية وليس بالتحريض المذهبي والطائفي والسياسي.