مستقبل الأنبار
حميدي العبدالله
حقق تنظيم «داعش» مكاسب جديدة في محافظة الأنبار، وسيطر على غالبية مدينة الرمادي عاصمة المحافظة، بما في ذلك المجمع الحكومي الأكثر أهمية في المحافظة التي تعدّ جغرافياً أكبر محافظات العراق، وتمتدّ على مساحة 150 ألف كيلو متر مربع، وتقع على حدود سورية والأردن والمملكة العربية السعودية. تمدّد «داعش» الجديد، الذي قال بعض العراقيين إنه يهدّد مدينتي بغداد وكربلاء، يختلف هذه المرة عن تمدّدها في حزيران الماضي، أيّ قبل 11 شهراً من الآن. تمدّد حزيران كان ثمرة ثلاثة عوامل أساسية، العامل الأول، تواطؤ بعض أطراف الحكومة العراقية مع «داعش»، سواء كان هؤلاء مسؤولين مدنيين أو عسكريين. العامل الثاني، دعم أميركي لعملية التمدّد في سعي من واشنطن لتوظيفها من أجل الحصول على موافقة العراقيين على أمرين أساسيين، الأول الإطاحة بنوري المالكي ومنع عودته إلى رئاسة الحكومة بعد أن فاز بكتلة نيابية هي الأكبر بين كتل البرلمان العراقي، والأمر الثاني، الحصول على موافقة العراق على إعادة النفوذ الأميركي عبر عودة مئات الخبراء العسكريين. العامل الثالث، دعم حكومات المنطقة، وتحديداً دولتي السعودية وقطر عربياً والدولة التركية لعملية التمدّد. يمكن القول إنّ تمدّد «داعش» الجديد في محافظة الأنبار هو ثمرة لهجومه وحده. صحيح أنّ الدعم لم يتوقف لـ«داعش» من قبل حكومات المنطقة، وصحيح أيضاً أنّ الضربات الجوية لقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، كانت أقلّ بكثير مما هو متوقع، لكن الأكيد أنّ المكاسب التي تحققت هذه المرة كانت نتيجة لقناعة قادة «داعش» بضرورة تعزيز مواقعهم في الأنبار لإحباط أيّ هجوم محتمل قد يهدف إلى تحرير المحافظة في وقت قريب، لا سيما أنه بعد تحرير تكريت أعلن قادة الحشد الشعبي أنّ الخطوة التالية ستكون محافظة الأنبار.
بهذا المعنى، وكما قال جنرال أميركي معلقاً على تقدّم «داعش»، إنّ هذه المكاسب لا تعني أنّ «داعش» انتقل من جديد من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم، وبهذا المعنى فإنّ المكاسب الجديدة لـ«داعش» تهدّد سياسة الحكومة العراقية والأطراف الرافضة للاستعانة بدعم الحشد الشعبي، ولكنها إطلاقاً لا تشكل تهديداً يغيّر المشهد الاستراتيجي في العراق. بعبارة أخرى إنّ تمدّد «داعش» الجديد هذه المرة هو على حساب الأطراف العراقية التي تواطأت معها في حزيران الماضي وعلى حساب الولايات المتحدة والدول الشريكة لها في المنطقة، أكثر مما هو على حساب فصائل وقوى الحشد الشعبي. فالذين يقتلون ويشرّدون في محافظة الأنبار، سواء كانوا مواطنين أو قوات عسكرية من الجيش والشرطة هم من أنصار الأطراف العراقية المتعاونة مع الولايات المتحدة ودول المنطقة. وهذا الواقع يضع هذه الأطراف أمام خيارات صعبة، إما إنزال قوات أجنبية لمواجهة «داعش»، وهذا متعذر لأسباب كثيرة، وإما خسارة الأنبار بكاملها، وإما الاستعانة بالحشد الشعبي، وبالتالي تعزيز منطقه وسياساته، وتقليص نفوذ الولايات المتحدة وحكومات المنطقة.