الحرب على الإرهاب معركة مفتوحة في الزمان والمكان والمراحل…

جمال العفلق

إنّ الإنجازات المحققة حتى الآن في معركة محور المقاومة هي إنجازات نوعية على الصعيدين العسكري والسياسي وليست كما يريد البعض وصفها أو التقليل من أهميتها وخصوصاً أن هذا البعض كان قبل انطلاق عمليات التحرير في القلمون يهدد ويتوعد ويسجل يومياً ما يسميه انتصارات وهناك من أراد تسويق وجود الجماعات المسلحة على الحدود السورية ـ اللبنانية بأنه أمر واقع ولا بدّ من التعامل معه على هذا الأساس، وكأن المنطقة تحتاج إلى قبول كيان آخر يستمد وجوده من القتل والتدمير والسرقة وقطع الطريق، ويكون كيان من الشتات يدعي الجهاد ويتحكم بالقرى والبلدات الفقيرة ويبقيها تحت رحمته خاضعة لرغبات دولية تفرض نفسها وقت ما تشاء .

فمعارك القلمون تتحدث عن نفسها ولا تحتاج اليوم إلى من يسوّق لها، بل تحتاج إلى إرادة سياسية من بعض الأطراف لكي يخرج من تحت عباءة ممولي الإرهاب والاعتراف بأن وجود مثل هذه الجماعات يؤسس لتورا بورا جديدة في المنطقة، تتخذ من الجبال مقراً لها وتكون مركزاً إجرامياً يتحكم بسيادة دولتين هما سورية ولبنان. وعلى رغم كل الأصوات والضجيج الذي لم يتوقف حتى اللحظة، إلا أن تلك الأصوات والإعلام المرافق لها لم تمنع المقاومة والجيش السوري من البدء بالعملية وإعلانها معركة مفتوحة في الزمان والمكان والمراحل كما وصفها سماحة السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير، ليقطع على القوى السياسية محاولاتها البائسة في استدراج العطف الدولي للمحافظة على هذه البؤر الإرهابية وحمايتها بحجة أنهم ثوار وأصحاب قضية على رغم تنوع جنسياتهم واختلاط أنسابهم .

ولم يكن الإعلام المعادي خارج المعركة، فادعى أن «داعش» يحارب تلك القوى وكأنه يريد وضع «داعش» في صف الجيش السوري والمقاومة، كما هي محاولاته دائماً. ولكن ما حدث في تدمر كشف عمق التنسيق بين تلك الجماعات على اختلاف الأسماء والبيانات ومن يتبناها، فكانت محاولة احتلال مدينة تدمر من أجل تخفيف ضغط المعارك عن المرتزقة في القلمون، وفي الوقت نفسه لقناعة محركي هذه الجماعات بأن انتصار الجيش والمقاومة في القلمون أمر محسوم، فكان لا بدّ من الدفع بقطعان المرتزقة في محاولة لتحقيق نصر ما في أي بقعة سورية، فوقع الخيار على قلعة تدمر التاريخية.

ما حدث في القلمون سيكون له انعكاس سياسي مهم، وخصوصاً على قمة كامب ديفيد التي خرجت بأقل من سقف التوقعات، ولم تكن كما سوّق لها ما يسمى ائتلاف الدوحة الذي عقد آمالاً كبيرة بخروج تلك القمة بقرار إعلان الحرب المباشرة على سورية وإقرار مناطق عازلة، فحتى اليوم لم يستطع الخبراء التأكد من أن مشروع إنهاك الجيش السوري والمقاومة تم بالفعل، وهو ما يقلق «إسرائيل» الآن وحلفاء أميركا في الحرب على سورية، فدخول بلد ما زال جيشه قادراً على القتال هو مغامرة عسكرية لا طائل منها، عدا عن تغير المزاج الشعبي العام فيه تجاه من أطلقوا على أنفسهم لقب أصدقاء الشعب السوري.

فالعدوان على اليمن والوحشية التي تمت فيها عمليات القصف هناك، كشفت لأي مدرسة ينتمي أصدقاء الشعب السوري واليمني واللبناني والعراقي الخ… وإن كانت نتائج معارك تحرير القلمون وتطهيرها العسكرية واضحة، فإن النتائج السياسية ما زالت غير واضحة خصوصاً لدى الطرف الآخر الذي يرفض الإقرار بالهزيمة ويعتقد أن جمع شتات المرتزقة ممكن، لا سيما أن هناك معابر يجرى من خلالها نقل المصابين إلى مستشفيات ميدانية لا تقل خطراً عن تلك المستشفيات التي نصبها الكيان الصهيوني في أراضي الجولان المحتل لإنقاذ عناصر «جبهة النصرة» وعلاجهم. ولا يقل خطراً كذلك عن دور تركيا في معارك الشمال ولا عن دور الأردن الرسمي في معارك الجنوب وما يتم تقديمه من تسهيلات لوجيستية للعصابات الإرهابية.

لهذا كله، معركة القلمون هي معركة مفتوحة في الزمان والمكان والمراحل، بدايتها القلمون ونهايتها منطقة خالية من الإرهاب شاء من شاء وأبى من أبى. فكل الاستعراضات السياسية والإعلامية لن تغيّر من مشروعية المقاومة وحق المنطقة في إنهاء الوجود الإرهابي فيها. وادعاء السياسيين والممولين للإرهاب أنهم يحاربون الإرهاب ويريدون الخير للأمة هو مجرد ادعاء كاذب ينكشف عند أول صدمة، فحكومة أردوغان التي تدعي دائماً أنها تحارب الإرهاب، لم تتحمل الحكم القضائي في مصر على جماعة الإخوان المسلمين، وسارعت فوراً لكشف دعمها لتلك الجماعات والتدخل اللفظي السافر في منطوق حكم قضائي لبلد مستقل مثل مصر. أما تحالف العدوان على اليمن فما زال يمد القاعدة باليمن بالسلاح ويحميها من ضربات الثوار بحجة الشرعية والديمقراطية. أما في لبنان فقد خرج بعض السياسيين على المألوف في تباكيهم على من قتل وخطف عناصر من الجيش اللبناني بحجة الخوف على الجيش اللبناني وعدم توريطه في المعارك، والسؤال الذي يطرح نفسه هل يكون الجيش متورطاً إذا كان يقوم بواجبه الوطني في حماية حدوده وأرضه؟

فالذين يدعون أن لا حل عسكرياً في المنطقة ليس هدفهم حفظ الدماء، إنما يريدون فرض واقع جديد على المنطقة يحكمها بالشراكة مع الإرهاب والقبول فيه كما فعلوا في أفغانستان، فأصبحت طالبان أمراً واقعاً يتم تحريكه كلما دعت الحاجة. وهنا نقصد بالإرهاب المرتزقة الذين أتوا من كل أصقاع الأرض ليحتلوا بلادنا، أما أبناء الوطن الواحد فالجميع متفق على مد اليد لهم إلا من باع وطنه ورضي بديلاً منه المال.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى