السيد نصرالله يفتح معركة الرئاسة ولبنان يدخل زمن التحوّل الكبير

روزانا رمّال

يعرف أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله حساسية و خصوصية الملفات اللبنانية التي يختلف عليها الفرقاء وأهمها موضوع البتّ بالتعيينات الأمنية وبرئاسة الجمهورية.

ويدرك السيد نصرالله أيضاً، أهمية اختيار توقيت طرح المواضيع التي يريد تناولها أثناء خطاباته التي تعتبر رسائل إلى من يهمه الأمر، فيختار مواضيع يشرحها بتسلسل ودقة.

في خطاب مخصّص لمعركة القلمون، أوضح السيد نصرالله رأيه وموقفه من عدة ملفات في المنطقة، بينها الملف الرئاسي في لبنان وما يتبعه من ملفات عالقة، وخصوصاً في اليمن والبحرين.

تزامن خطاب السيد مع عمليات نوعية و انتصارات استراتيجية باهرة للمقاومة والجيش السوري، وقد كشف نصرالله عن أمرين أساسيين على الصعيد الداخلي اللبناني.

أولاً: كشف السيد نصرالله عما يمكن أن يكون قد دار بينه وبين العماد ميشال عون في لقائهما الأخير وما أسساه للمرحلة المقبلة، في ما يتعلق بالتعيينات والخطوات التي ستتخذ من قبل الحليفين شكلاً وتوقيتاً ومضموناً.

ثانياً: أكد نصرالله في خطابه أنه وعون لا يبحثان التوافق على البتّ باسم لرئاسة الجمهورية اللبنانية بل بحلول بديلة عن «الانتظار»، فلا الحوار بين حزب الله و«المستقبل» أثمر، ولا بين التيار الوطني الحر و«القوات» من جهة والمستقبل من جهة أخرى، ولا الاجتماع المسيحي في بكركي.

وعليه، دعا السيد نصرالله الأفرقاء جميعاً إلى درس مبادرة عون للحلّ في البلاد والتي دعا إليها الأسبوع الماضي، وهي تتعلق بانتخاب المجلس النيابي قبل انتخاب رئيس الجمهورية من دون العودة إلى حلّ «الدوحة» الذي أوصل الرئيس السابق ميشال سليمان إلى الرئاسة، والذي أقرّ قانون انتخابات وفقاً لصيغة العام 1960 على أساس القضاء من دون أن يوضح، أي من مندرجات الدوحة لا يريد.

إنّ مجرد طرح نصرالله مبادرة عون، إعلان انسجام بين موقف حزب الله و التيار الوطني الحر في أي خطوة يطرحها الأخير، وفي ذلك أجوبة على كلّ من توجه برهانات منها: إمكانية عدم وقوف حزب الله إلى جانب التيار في أي قرار في مجلس الوزراء، نظراً إلى انشغاله بالعمليات العسكرية في القلمون وأنّ حزب الله سيدخل أخيراً في تسوية إقليمية لا بدّ منها ستأتي بمرشح توافقي فيتخلى عن العماد عون كمرشح رئاسي.

وصلت الرسالة والحليفان متفقان وطرح عون مبادرة تتضمن انتخابات شعبية، على مرحلتين: مسيحية ووطنية للرئيس، أو اللجوء إلى استفتاء شعبي يتبناه المجلس تصويتاً، أو حصر الانتخابات الرئاسية بالمرشحين المسيحيين القادة، أي المرشحين من بين الأربعة الكبار، أو ما وصفه بأنه الحلّ وهو الذهاب إلى الانتخابات النيابية أولاً.

وبالنظر إلى سائر المقترحات وتعقيداتها الدستورية والسياسية والعملية، يبدو أنّ نصرالله يؤيد أو سيؤيد الانتخابات النيابية أولاً، كما يرى مصدر في الثامن من آذار، لأنّ كلّ الباقي يحتاج نقاشاً وحواراً وتوافقاً، لا يبدو متيسراً، وخصوصاً أنّ مقترحات عون تحتاج إلى تعديل للدستور، ما عدا الانتخابات النيابية التي يبدو أنّ نصرالله لديه ما يضيفه، في هذا المجال، سواء لجهة الموقف من قانون الانتخابات أو آلية حسم القانون في المجلس، انطلاقاً من أنّ تعقيد التسوية حول الرئاسة سينتقل تعقيداً في تسوية حول القانون.

المعادلة الآن هي أنّ نصرالله وعون مع الذهاب إلى انتخابات نيابية ثم رئاسية، وهذا وحده ممكن أن يشكل حلاً لمجمل الملفات العالقة واتفاقاً بين كلّ الأطراف، ضمناً، على أنّ المجلس الجديد ينتخب رئيساً ويؤمن النصاب واللعبة تخاض في شكل مفتوح من دون أي حجة.

ترك السيد مقترحه مغفلاً، بقصد فتح الباب للنقاش، فنحن أمام مأزق ومن لديه مقترح لحلّ فليقدمه، والتوافق الرئاسي صار من الماضي ففكروا بطريق سواه.

لكنّ كلّ ذلك، على أهميته، لا يفيد بالنسبة إلى كلّ من تابع السيد نصرالله وخطابه من اللبنانيين المهتمين بالشأن الرئاسي فهم الذين يعرفون تماماً أنّ أي تحرك نحو رئاسة الجمهورية والانتخابات وأي تشجيع على تبني مبادرات لا يأتي سوى نتيجة تغيرات إقليمية واضحة، فكيف إذا كان هذا الداعي السيد نصرالله الذي يخوض حزبه معركة منتصرة يبدو أنّ نتيجتها قد تكشفت أمام عينيه، فأعلن عن مساندته المطلقة لعون في خطابه بطريقة غير مباشرة؟

يؤكد حزب الله المنتصر حتى الساعة في معركة القلمون، أنّ معركة الرئاسة هي معركته أيضاً وأنّ عينه عليها وأنه جاهز لأي جلسات مثمرة تنتج حلولاً ضمن الصيغة اللبنانية التي لم تعد صيغة تابعة من الآن وصاعداً بل صانعة للأحداث .

فتح نصرالله معركة الرئاسة ودخل لبنان بذلك، مرحلة التحول الكبير فلبنان الذي اعتاد الانتظار من أجل حلّ أزماته أصبح صانعاً للأحداث في هذه المنطقة من دون ترقب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى