خطيئة التمديد… جريمة 17 أيار
ناصر قنديل
– يوماً بعد يوم تكتشف قوى الثامن من آذار أنها تجرّعت خدعة متقنة ومدروسة بقبولها التمديد للمجلس النيابي، ووضع قواعد إدارة الأزمة بوهم التوافق، فقد كان أكيداً أنّ التمديد بذريعة الظرف السياسي والأمني صيف عام 2013 نوع من الترف الذي لا مبرّر له، ونوع من الاستسلام لنظرية «بالناقص مشكل» وهي النظرية التي يثبت كلّ يوم أنها في السياسة غير العلاقات بين الأصدقاء أو بين زوجين، بالناقص مشكل في السياسة تعني خدعة، من لا يتذكر هذه الحقيقة يرتكب الخطيئة.
– ثمة قوى تفكر وتدرس وتمسك بخيوط اللعبة في الخارج وتعرف ماذا تريد، ولذلك عندما تتوافر لها المعطيات التي تقول إنّ الانتخابات النيابية في موعدها ستخلق فرصاً تعقد لعبتها وتنتج مجهولاً ليس بالضرورة تحت السيطرة، تدسّ بيد جماعتها الداخلية ورقة صغيرة كتب عليها «التمديد»، وهذا المجلس لا يسير إلا بالتوافق لتوازناته الدقيقة، وهذه مصلحة للجميع في ظرف إقليمي دقيق، والرئاسة قادمة وتحتاج إلى توافق، فخير مجلس يناط به انتخاب رئيس هو هذا، احملوا هذا الخطاب وسوّقوه ودافعوا عن التمديد وقاتلوا لأجله، وعلقوا كلّ ما يعترض طريقه بالإجراءات الحكومية، من تحديد مهل انتخابية، إلى تعطيل إقرار تشكيل الهيئات التي تتصل بالعملية الانتخابية.
– انطلت اللعبة على قوى الثامن من آذار، والسؤال الجواب هو بالتحديد ماذا لو بقي البلد بلا مجلس، للذين قد يقولون، إنهم ساروا بالتمديد لأنّ الفريق الآخر قادر على تعطيل الانتخابات، ماذا كانت الخسارة لو لم يكن هناك مجلس نيابي، والحكومة الموجودة هي حكومة تصريف الأعمال والمستقيلة بدلاً من هذه الحكومة، وجاءت في العام التالي نهاية ولاية رئيس الجمهورية فلا فرص لتمديد ولايته بلا مجلس نيابي، والحلّ الوحيد لمن يخشى انفراط عقد المؤسسات الدستورية هو الإسراع في تنظيم انتخابات نيابية، وإنْ لم يتمّ ذلك صار البلد بلا رئاسة ولا برلمان وبحكومة تصريف أعمال، ما يعني أنّ الخطوة الأولى في إعادة تشكيل المؤسسات هي اتفاق دستوري جديد، على قاعدة سقوط دستور الطائف، ويصير الخيار الوحيد المتاح ولو بعد سنين أو بعد حين، هو ميثاق وطني جديد، وفي أسوأ الأحوال تصير الخطوة الأولى انتخابات نيابية جديدة بقانون جديد، يليهما انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ولمن يقول إنّ الحرب الأهلية تنفجر في هذه الحال ويريد إيهامنا أنّ وجود هذا البرلمان هو الذي يمنع الحرب الأهلية نقول «بلا مزح… ضحكتونا».
– الحقيقة التي لم ينتبه لها فريق الثامن من آذار هي أنّ طرح التمديد للمجلس النيابي، جاء من الخارج ولم يكن حتى جماعة الرابع عشر من آذار ربما يعرفون الآتي من التطورات التي جاءت تباعاً، ويُراد معها تمرير الزمن ليأتي الرئيس الجديد من البرلمان القديم الممدّد لنفسه، والبديهة تقول إنّ البرلمان نفسه سيأتي برئيس من النوع نفسه، والتغيير الرئاسي يستدعي تغييراً نيابياً يبدأ بالقانون وينتهي بالانتخابات، وإلا فكان على قوى الثامن من آذار طالما ارتضت التمديد للمجلس النيابي، أن تذهب إلى الرئيس التوافقي أو التمديد للرئيس السابق.
– المجلس الذي أنتج اتفاق السابع عشر من أيار في مثل هذا اليوم وباع سيادة البلد لـ»إسرائيل» بترتيبات أمنية واقتصادية ومائية، هو المجلس الممدّد له، على رغم توافر فرصة إجراء انتخابات عام 1977، في ظلّ ظروف أمنية أفضل بكثير من ظروف انتخابات 1992، ومن قرّر التمديد كان يعلم أنه يريد انتخاب رؤساء من هذا المجلس وتوثيق اتفاقات ومواكبة اجتياحات، ويعلم أنه صالح للمهمة فلماذا الدخول في المجهول؟ والقوى الوطنية التي ارتضت خيار التمديد حينها نصبت حبل مشنقتها بيدها، كما حدث قبل سنتين تماماً، ولمن لا يريد العبث بعقول اللبنانيين الاعتراف بأنّ إجراء الانتخابات النيابية ارتضاء ضمني للمفاجآت أو تعبير عن توافقات كبرى لا خشية عليها من الانتخابات، ولما يكون القرار وطنياً ومستنداً إلى الديمقراطية، تكون انتخابات في موعدها أو فليكن الفراغ.
– ها نحن مرة أخرى أمام ساعة الحقيقة، فلنعد إلى المربع الدستوري الصحيح، مجلس مدّد لنفسه لا يملك شرعية كافية لانتخاب رئيس للجمهورية، الانتخابات النيابية أولاً وإلا لا انتخابات رئاسية، وعندما يحين موعد نهاية الولاية الممدّدة للمجلس النيابي لنملك شجاعة الموقف، ونقول، لأننا لا نريد المخاطرة بأيّ صنف من أصناف جريمة السابع عشر من أيار لا نريد خطيئة التمديد ولا المجلس الممدّد.