عُدي رعد لـ«البناء»: النظام الوهابيّ يسعى إلى تهميش التاريخ وتهشيم الجغرافيا

حاورته عبير حمدان

يتمسّك الممثل عدي رعد بمبادئه حتى المشهد الأخير، ولا يخجل حين يبوح بما يزعجه، ويرى أن تراجع مستوى الإنتاجات الدرامية سببه غياب الإدراك لدى جزء لا يُستهان به من الشعب على امتداد العالم العربي، إذ إنّ الدراما لا تنفصل عن الواقع بمختلف تفاصيله الاجتماعية والسياسية والثقافية وحتى المعيشية.

يمكن منح رعد صفة الفنان الملتزم قضايا محقة أبرزها الإرث الحضاري والثقافي لإبناء لغة الضاد، ولو كان بعضهم لا يفقه قواعدها. ويبرع برؤيته النقدية للأمور على المستويين الفني والسياسي في آن، ويعتبر أن الأبراج الشاهقة المشيدة على رمال الصحراء محكومة بالزوال لإنها تمثل حضارة مزيّفة، ويرى أن الشرّ المطلق عنوانه النظام الوهابي الذي يسعى إلى تهميش التاريخ وتهشيم الجغرافيا. وكون رأس المال الخليجي يسيطر على مفاصل معظم وسائل الإعلام والإعلان، سنبقى على شفير الهاوية، ما يحتم علينا فعل المقاومة بالفن والفكر، لا بالبندقية فحسب.

رعد يقاوم بأسلوبه الخاص، رافضاً منطق التقوقع ضمن دائرة ضيقة. لذلك لا يحبّذ سياسة إلغاء الفردِ الكلَّ ولو فنياً، بحجة تفوّقه عليهم مادياً وعسكرياً غامزاً من قناة كتابة التاريخ الدرامي المقاوم على قياس فئويّ. ويدعو إلى تكثيف الإنتاج الدرامي ـ السينمائي الذي يروي واقع الصراع مع العدو الصهيوني، من دون إغفال أيّ حركة أو فريق قاوم المحتل. بدءاً بعملية الويمبي، مروراً بخلدة، وصولاً إلى بوابة التحرير وما تلاها من مواجهة وانتصارات.

أنهى رعد تصوير مشاهده في مسلسل «عين الجوزة» المتوقع عرضه خلال رمضان المقبل. وفي مكان آخر أرخى لحيته مجسّداً شخصية «أمير داعش» في الفيلم السينمائي الإيراني «أغاني أرض بلادي» للمخرج عباس رافعي، الحائز أخيراً على جائزة أفضل فيلم من مهرجان «ديتكتيو فست» السينمائي الروسي. ويستمر في كتابة لوحاته الإذاعية وتقديمها بالاشتراك مع حسن حمدان، من خلال «ما في نوى» عبر أثير إذاعة «البشائر».

نبدأ من «عين الجوزة»، ويحدّثنا رعد عن العمل وشخصية «الشيخ وهدان» التي يؤدّيها: «أنهيت أخيراً تصوير مسلسل عين الجوزة للمخرج هاني طعمة، وهو من كتابة الدكتور إبراهيم فضل الله، ويتناول مرحلة الاستعمار الفرنسي ـ البريطاني حين لم تكن حدود بين الدول العربية. وأجسد شخصية شيخ قبيلة من البدو الغوارنة ـ الشيخ وهدان، تقابلها قبيلة يهودية مدعومة من البريطانيين. وفي المشهدية إطلالة على بداية الصراع قبل التقسيم الفعلي والاحتلال. يقصدني عباس، الذي يؤدي دوره الممثل طوني عيسى، وهو في طريقه إلى حيفا للبحث عن والده، ويساعدنا كي نستعيد أرضنا التي غزتها القبيلة اليهودية بمساعدة البريطانيين. باعتقادي، إن هذا العمل سيأخذ مكانه على الخريطة الدرامية كونه يضمّ كوكبة من الأسماء مثل عمار شلق وباسم مغنية ووسام صباغ وعبد المجيد مجذوب وعلي سعد ووفاء شرارة وسعد حمدان ويوسف حداد، ومن سورية أسعد فضة وكندة حنا».

وعن إمكانية وضع هذا العمل في إطار المنافسة مع باقي الأعمال التي تضيء على واقع المقاومة يؤكد رعد: «العمل عبارة عن إنتاج مشترك سوري ـ لبناني، والمنتج اللبناني ليس بمنأى عن البيئة المقاومة. لذلك تناول العمل مرحلة زمنية معينة لا تخلو من النبض المقاوم. وأظن أن الناس يحبون هذا النوع من الأعمال. أضف إلى ذلك أن القصة مأخوذة عن رواية حققت رواجاً واسعاً».

لكن إلى أي مدى يمكن للرواية أن تُترجم درامياً يجيب رعد: «من الصعب أن يتم ترجمة الرواية في إطار عمل درامي إلا إذا كانت واقعية بالكامل، بحيث من السهل أن تنقلب إلى سيناريو تمثيليّ، إنما في المقابل، لا يمكنني أن أجزم نجاح العمل أو فشله، فالحكم في نهاية الأمر للمتلقي، ولو أننا كفريق جهدنا لننجزه كما يجب».

لا يرى رعد في غزارة الإنتاج الدرامي المشترك أمراً بريئاً بالمطلق وعن ذلك يقول: «من المفيد أن يكون هناك أعمال درامية مشتركة، ما يفتح آفاقاً أمام الممثل اللبناني إلى باقي المحيط العربي والعكس صحيح، اللهم إلا إذا كانت خلفية هذا الإنتاج المشترك بريئة والهدف منه تقديم الصورة الجيدة للمتلقي. هذه السياسة بدأت منذ استحضار الدراما التركية بوساطة شركة «أو ثري» التابعة لـmbc، وكان صاحب الشركة المذكورة يشتري المسلسلات التركية بسعر مرتفع جداً، ما يدفعك إلى التساؤل عن السبب. في حينه كانت الدراما السورية في القمة، كنت أقول لأصدقائي السوريين أنهم يسيئون إلى أنفسهم في ما يفعلونه، فهم يقدمون خدمة جاهزة للتركي، إذ تستغَلّ نجوميتهم ولهجتهم، وحين تغرق السوق بالاعمال التركية المدبلجة بأصواتهم، يغيب الطلب عن أعمالهم لمصلحة كمّ هائل من المسلسلات التركية الخالية من المضمون. هنا ضُربت الدراما السورية وبدأ المنتجون يبحثون عن مادة شبيهة بما تقدمه قرينتها التركية، ونمت ظاهرة الأعمال التي تروي القصة نفسها عن البطلة خارقة الجمال والبطل العاشق والبيوت الفخمة والخيانة، مع الإشارة إلى أن هذه الصورة النمطية ليست انعكاساً للواقع التركي أساساً، وفي المقابل لا تشبه مجتمعاتنا بشيء. هل من يخبرنا على سبيل المثال لا الحصر ما هي القيمة الدرامية لمسلسل حريم السلطان وماذا أضاف إلى الأرشيف الفني الدرامي سوى أنه يحث على منطق الخيانة وتدبير المكائد».

ويتابع رعد في الإطار نفسه: «بعد هذه المقاربة السريعة لواقع الأمر، نصل إلى السياسة المستترة في ما يتصل بالدراما. ففي مقابل حريم السلطان، شهدنا سرايا عابدين. ضخامة في الإنتاج وفكرة مكررة، ويستمر رأس المال الخليجي في التسويق، إذ قدّم لنا مسلسل لو، واستُحضِر النجم عابد فهد، وهذا أمر مقصود لأنه ممثل قدير ومحبوب، ومنحوه دور الزوج المخدوع. إذا الفكرة المقصود ترويجها تقوم على قاعدة أن هذه الزوجة التي تملك كل شيء ولديها زوج مميز بكافة المقاييس، إلا أنها وبكل بساطة تخونه. ويدور الحوار على الشكل التالي بينها وبين عشيقها حين يعرض عليها الزواج تجيبه أنها لا تريد الطلاق من زوجها ولا مانع عندها أن تستمر علاقتهما كما هي، بحيث تصبح الخيانة أمراً لطيفاً. وأراهنك أن الفكرة نالت استحسان الكثيرين، هذا هو العقل الصهيوني الذي يأتي إلى رأسك كالنعاس ويتسلل بهدوء ويدمّر مجتمعك وثقافتك بتمويل خليجي واضح وصريح».

يعتبر رعد أن المشكلة تكمن في التخلف الذي تعيشه المجتمعات العربية فيقول: «علينا أن نبني مجتمعاً لنغيّر الواقع. تصوري أن دولة كالسعودية لديها هذا الكمّ من الملايين وتنفقه على أعمال فارغة وسطحية. نسبة الأمية فيها تتخطى 44 في المئة بحسب تقرير الأمم المتحدة، وإذا ما نظرت إلى باقي المجتمعات المحيطة، وأجريت إحصاءً، تكتشفين أن أعلى نسبة مشاهدة تكون للمنجّمين والعرّافين لا لبرنامج علمي أو ثقافي أو عمل درامي حقيقي. حين تسعين إلى إقناع جزء لا يُستهان به من المجتمع، أنّ الصهاينة هم العدو، وتناقَشين حول حتمية الأمر، فماذا تنتظرين من هذه الشريحة سوى المزيد من الانحدار؟».

لكنّ هناك أعمالاً في المقابل تتحدث عن المقاومة، وهناك الانتاج الدرامي والسينمائي الإيراني، يردّ رعد: «صحيح هناك أعمال جيدة تنقل صورة الواقع المقاوم، ولكنها كجدول في مواجهة محيط من الأعمال التجارية الهابطة درامياً والمنتشرة بقوة».

ويتابع في الصدد نفسه: «أنا لست متشائماً، ولكن إذا ما نظرت حولك جيداً ستدركين أن المشكلة في غياب العلم والمنطق والوعي. والدليل ما نشهده في سورية وما شهدناه في ليبيا، وما نعيشه في لبنان. لو كنّا في لبنان شعباً واعياً لما رضينا بهذا النظام المهين الذي لا يقدم شيئاً للمواطن ويتغذّى على الطائفية، هناك أولويات يجب أن نعيد النظر فيها لنصل إلى برّ الأمان. برأيي، لن نرتاح في هذا الشرق إلا بزوال النظام الوهابي، إذا ما عدت إلى نشأته وكيف زُرع في هذا الشرق، ستدركين أنه الممول الأول للكيان الغاصب، وستعرفين أنّ دوره يكمن في تدمير الثقافة والحضارة فنياً وثقافياً واجتماعياً، وهدفه حماية بني صهيون».

أما عن تجسيده دور أمير «داعشيّ» في زمن الصراع مع هذه التنظيمات المتطرفة يقول: «شاركت في الفيلم الإيراني أغاني أرض بلادي للمخرج عباس رافعي، وصُوّر جزء صغير من هذا العمل في لبنان، والجزء الأكبر في إيران. وشارك فيه من لبنان جمال حمدان ومهدي فخر الدين وليزا الدبس وآمال عفيش وعلي حطان، وممثلون سوريون وعراقيون. والخطر الأمني كان واقعاً حقيقياً كوننا صوّرناه في تشرين الماضي، إذ كان هذا التنظيم الإرهابي ناشطاً في نشر عملياته الإجرامية المصوّرة من قتل وذبح. لكنني حين قرأت النصّ أعجبني الدور، ولا أنكر أنني ناقشت المخرج حول مسألة أمني الشخصي، لكنني أديت الدور في نهاية الأمر. وحين شاهدت العمل، أول ما تبادر إلى ذهني، حجم الحقارة المتمثلة بإنسان قادر على ممارسة الإجرام بكل بساطة ومن دون أن يرف له جفن. أجزم أن هذا العمل سيثير ضجة كبيرة حين يعرض في الصالات، وقد حصد أخيراً جائزة أفضل فيلم في مهرجان ديتكتيو فست السينمائي الروسي، وهو العمل الأول الذي يتحدّث عن داعش. وهذه الجرأة ليست غريبة عن الإيرانيين لناحية الطرح الفني السينمائي القادر على المنافسة عالمياً وبشكل قويّ».

إذاً المشكلة تكمن في غياب الإمكانيات المادية والبشرية في العالم العربي، ما يحول بيننا وبين التقدّم والمنافسة فنياً. نسأل رعد، فيجيب: «هذه المقاربة تخلو من الدقة، السعودية تملك المال ولكنها توظفه في المكان الذي يتلاءم وسياساتها. وحين نسأل رأس المال السعودي عن الإنتاج السينمائي القادر على المنافسة يجيبك أن السينما من المحرّمات، لكنه في المقابل يموّل شركات كروتانا وغيرها ويطلق فنانين بأغانٍ لا تحمل أيّ قيمة ويغزو العقول ببرامج تافهة، في ذلك خبث».

ولأن الغناء يدخل ضمن إطار الفن نسأل رعد عن موضة تجديد الأغاني القديمة التي تحمل رمزية معينة كما حصل أخيراً مع نشيد «موطني» فيردّ ساخراً: «لا ضير من تجديد القديم والحفاظ عليه، إنما حين تأتي فنانة ما معروفة بتوجهها السياسي وتجاهر به وتدافع عمّن ارتكب مجزرة صبرا وشاتيلا ثم تعمد إلى تجديد نشيد ارتبط بالوجدان المقاوم وبفلسطين ففي ذلك شُبهة. تصوري مثلاً، أنا بفكري المقاوم والممانع أن أؤدي نشيداً صهيونياً؟ فعلاً شرّ البلية ما يُضحك».

نسأل رعد عن إمكانية عدم وقوعنا في فخ التكرار لناحية تقديم الأعمال الدرامية التي تروي سيرة المقاومة فيجيب: «برأيي يجب أن تبقى سيرة المقاومة على خريطة الاعمال الدرامية على الدوام، ولكن المطلوب تجنّب التكرار في المشهدية والسيناريو، وهنا تكمن الصعوبة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، العمليات العسكرية التي شاهدناها في الغالبون بجزئه الأول، تكررت في الجزء الثاني وهذه هفوة كان من المفترض تجنّبها، لكن لا بأس أن نقدّم سيرة مشرّفة نفخر بها جميعنا. أرشيفنا غنيّ في هذا المجال وعلينا الاستفادة من القصص الكثيرة التي يختزنها الناس العاديون في ذاكرتهم، كما يصحّ أن ننقل المشهد كاملاً للمتلقي من خلال تسليط الضوء على حركات المقاومة الوطنية بدءاً بعملية الويمبي مروراً بخلدة ولا ضير أن نسمي الأبطال بأسمائهم مثل المناضلة سهى بشارة والشهيدة سناء محيدلي والقائمة تطول. حينئذٍ يجذب العمل المنتج بواقعيته جميع الأطياف التي قاومت وظلّت تقدّس فعل المقاومة. أنا مثلاً اقترحت على الجهات المنتجة أن تقدم عملاً يتناول نظرة العدو خلف الشريط الحدودي إلى المقاومة ولو كان نصّاً متخلياً عن مدى رعب هؤلاء الناس من قوة المقاومة وبيئتها وهذه فكرة مبتكرة أعتقد أنها ستعجب المتلقي».

يرى رعد أن في الدراما بعض الخيال ولو كانت مستندة إلى قصص واقعية، لكنها تسمح بمساحة افتراضية. لذلك ندعوه إلى أن يتخيل معنا بعد عشر سنوات مشهداً درامياً عن كيفية مقاومة الخطر القادم من سلسلة جبال لبنان الشرقية والمتمثل بالحركات المتطرفة وكيفية تحرير أطراف الجرود البقاعية والقلمون فيجيب: «بعد عشر سنوات ستسبقنا الاحداث بشكل كبير، والجيل المقبل سيرى أن ما نعيشه الآن مرحلة قصيرة. فكما نقرأ في كتاب التاريخ أن الحرب العالمية استمرت أربع سنوات، سيقرأ أبناؤنا أن هذه الحرب المستعرة مع الجماعات الإرهابية ومموّليها استمرت لسنوات قليلة. نحن نشعر أنها طويلة لأننا في قلب الدوامة التي ستغيّر التاريخ الحالي وتقلب وجه المنطقة بشكل جذريّ. وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح، ومملكة الرمال ستنهار قريباً جدّاً مهما كان سعي الوهابيين حثيثاً لتدمير حضارتنا عبر تدمير الآثار في العراق وسورية».

يعلن رعد تأييده المطلق رؤية المخرج السوري نجدت أنزور فيقول: «أؤيد طرح المخرج السوري نجدت أنزور بشكل كبير، وأشدّ على يده وأدعمه، فهي فعلاً مملكة من الرمال، تخيّلي كل هذه الحضارة المزيفة من الأبراج الشاهقة المشيّدة على الرمال كيف لها أن تعيش، في نهاية المطاف ستبتلعها الرمال».

ويؤكد رعد أنه لم يندم على اختياره هذا المجال على رغم كل الإحباطات الفنية والدرامية التي نشهدها. مشيراً أن السطحية ولو أحبها المشاهد لفترة، إلا أنها لن تبقى متحكمة بالواقع الدرامي، ولا بدّ من صحوة قريبة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى