شبه جزيرة القلمون: الحرب تنتهي وتستمر المعارك

ناصر قنديل

– في قانون الحرب أنها تتشكل من مجموعة معارك وأنّ نهاية الحرب ترتبط بنهاية المعارك التي تتكوّن منها، هكذا يُفترض أنّ حرب أوكرانيا تتشكل من معارك منها ما هو متصل بشبه جزيرة القرم بداية، وما تبقى متصل بما استمرّ من معارك حول ولايات شرق أوكرانيا وصولاً إلى مستقبل الحكم في كييف وصيغه الدستورية، وفرص التسويات ووقف إطلاق النار، لكن من تابع حرب أوكرانيا من الاستراتيجيين كان يرى أنّ الحرب انتهت مع حسم روسيا المبكّر لمصير شبه جزيرة القرم، بما تخطى الاستيلاء العسكري عليها، إلى إعادة فتح ملفها التاريخي والتقدّم بخطوة تعيد النظر بجغرافيا ما بعد الحرب العالمية الثانية وحدود الدول والكيانات، وما يعنيه ذلك من مخاطرة بتجاوز للخرائط المتفق على احترامها دولياً، فتعلن ضمّها إلى روسيا وتجري استفتاء وتنجز كلّ المتممات الدستورية لجعلها أرضاً روسية لا تقبل التفاوض ولا إعادة النظر بأقلّ من حرب عالمية. ولأن شبه جزيرة القرم هي القسم الاستراتيجي من حرب أوكرانيا، فحسمها يعني أنّ الحرب انتهت، وأنّ ما سيستمرّ من المعارك له وظيفة أخرى في التفاوض تطاول توازنات التقسيم والوحدة في أوكرانيا، وربما تطاول مستقبل الدرع الصاروخية، لكنها بالتأكيد لن تطاول ما كانت الحرب لأجله بإمساك روسيا من يدها التي تؤلمها في شبه جزيرة القرم كمرفأ للأسطول الروسي ومدخل على البحر الأسود وبوابة لجورجيا، فقد صار الأمر خارج التفاوض والقدرة على التغيير.

– الحديث عن حرب أوكرانيا التي لم تنته جاء من المحكومين بالآمال والرغبات الغربية بتغيير ما قد يطرأ من حرب أسعار النفط للضغط على روسيا، أو من العقوبات والحصار الاقتصادي، أو من تسليح جيش كييف لمواجهة تستدرج روسيا عبر الشرق الأوكراني، واعتبار أنّ هذه العناصر تشكل مع مصير شبه جزيرة القرم، وحدة متكاملة على المستوى الاستراتيجي، بالتالي لا بدّ من انتظار اكتمالها وتبلور نهاياتها حتى يصير الحكم ممكناً على نتيجة الحرب من خلال جملة المعارك التي تتكوّن منها، لكن تطور المعارك اللاحقة في أوكرانيا والانتهاء بتسوية ترضي روسيا ولا تطاول أي إعادة بحث بمصير القرم، حتى من جانب حكومة كييف، أكد أنّ الحرب انتهت قبل أن تنتهي كلّ معاركها.

– في القلمون تدور رحى حرب يبدو واضحاً أنّ معاركها ستستمرّ حتى الرقة، فمَن تابع مفاوضات الليلة الأخيرة ما قبل اندلاع الحرب يعرف أنّ المطروح كان انسحاب مسلحي «جبهة النصرة» التي تشكل القوة الضاربة في القلمون والمكوّنة من أكثر من خمسة آلاف مقاتل بكامل عتادهم الحربي المتوسط والثقيل بما فيه الدبابات والمدفعية البعيدة المدى، ويعرف أنّ المعارك التي ستدور حول جرود عرسال وفي قلب عرسال ستكون الأشدّ شراسة وضراوة، ويعرف أنّ داخل الأراضي السورية لامتدادات القلمون ما سيطاول صحراء حمص وصولاً إلى تدمر وعبرها إلى الرقة، ومن جهة ثانية وصولاً إلى دوما وعبرها إلى القابون ومقابلها عين ترما، لكن هذه المعارك لن تقرّر مستقبل الحرب، فالحرب قد حُسمت مع تلة موسى.

– في سورية معارك واسعة لكن حرب القلمون كقيمة استراتيجية، لا كعدد معارك ونوعية وأهمية مناطق، لا تتحدّد بالجغرافيا التي يصل إليها القلمون، ويتضمّنها، كي تحسم الحرب بحسمها، أو تنتظر نتائج معاركها، القيمة الاستراتيجية لحرب القلمون هي في الفرصة التي تتيحها الجغرافيا لـ«جبهة النصرة» بالقفزة التي توصلها للتواصل مع جيش الاحتلال «الإسرائيلي» في سوار جبل الشيخ، وتقطع عبرها حكماً التواصل بين الجيش السوري والمقاومة، بالتالي بين لبنان وسورية، والقفزة هنا هي من جرود عرسال حيث الكتلة الأهمّ لـ«جبهة النصرة»، إلى سفوح جبل الشيخ مروراً بالزبداني ومنطقة المصنع، وصولاً إلى البقاع الغربي وأطراف الجولان.

– الفصل والوصل هو في مجموعة تلال وجبال وجرود مساحتها ثلاثمئة كليومتر مربع، تتشكل منها شبه جزيرة عملياً، تتصل بالأراضي اللبنانية وتضمّ جرود نحلة ويونين وبريتال وتنتهي بتلة موسى، فإنْ تمكّنت «النصرة» من الإمساك بها وربطت قواتها في جرود عرسال عبرها بقواتها في الزبداني، بقيت القفزة ممكنة والحرب مفتوحة، وإنْ تمكنت من القفزة نحو المصنع من هناك وتمدّدت صوب البقاع الغربي والجولان، بدأت تربح الحرب ولو نجح الجيش السوري وحزب الله بالسيطرة على شمال القلمون في جرود عرسال وفليطا وصولاً إلى تدمر ودوما. أما حدوث العكس، أيّ بقاء كتلة «النصرة» المقاتلة ممسكة بجرود عرسال وفليطا وصولاً إلى تدمر ودوما، وفشلها بالإمساك بعقدة الربط بالزبداني وما وراء الزبداني جنوباً حتى سفوح جبل الشيخ، ونجاح حزب الله والجيش السوري بإحكام السيطرة على هذا الرابط الاستراتيجي بما فيه تلة موسى، فيعني أنّ الحرب انتهت بقيمتها الاستراتيجية، والباقي معارك لا بدّ منها ولا مناصّ من خوضها، لكنها كما أسماها السيد حسن نصرالله حرب تحرير لبنان وسورية من التكفيريين، المفتوحة حتى نهايتها.

– كما شبه جزيرة القرم شبه جزيرة القلمون.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى