حضور يخطِّئ الموت….
د. منير سعيد مهنا
بالأمس كان للحياة أن تستهجن غيابك يا حضرة العميد، كان الهواء يستفزّ قلبك ليعود نابضاً بين ضلوع عامرة بالإيمان. قلة من يفهمون أنّ للأحرار القدرة على أن يختاروا ما بعد موتهم: تراب أم مجد. وأنت اخترت أن تكون من تلك القلة التي يمتنع التراب عن أن يكون نهاية لهم.
فإذا بك على نعشك… تعلن أن لا موت إلا للظلال الزائفة، وأنّ الحياة في ساح الجهاد هي معنى الحياة.
مذ توهّجت بنور النهضة، وأنت في مقتبل العمر، سارعت للانتماء إلى مطالع الشمس، فكان مسارك إشعاع يقظة أينما اتجهت، وصارت جهات الأرض تعرف أنك في اليقين تتبع بوصلة الخلاص، فكراً وأخلاقاً وعملاً لا يكلّ عن تنكّب المسؤوليات بالتزام المتبتّلين ولا يتراجع عن قناعة العارفين أن لا خلاص لأمتنا إلا بالفداء. أعطيت من عمرك كلّ العمر نذوراً لسورية، عشقت أرضها، وهام بك الحنين إلى مجدها الآتي، وتدرّجت في الصفوف حتى ارتقيت أعظم المهام.
أنت الأخ والصديق والرفيق والأمين والعميد والنافح في النفوس ثقةً لا يعرفها إلا من كانت الأصالة معدنه، والخير مشعله، والحق معقله والجمال موئله، ووقفة العز نبراسه ومنطلقه.
اقتديت بزعيمنا سعاده، فأخذت من شدو البطولة المؤمنة بصحة العقيدة نشيداً لحياتك، سهرتَ على قضية تساوي وجودنا وما بخلت بالعطاء حتى التفاني. وغدا كلّ نبض في شرايينك يوشم الزمن بوشم التضحيات. ويلثم بالحب مطارح الأمل: إنّا من أمة لا تقبل أن يكون قبر التاريخ مكاناً لها تحت الشمس، وناضلت حتى تعرّيت من أناك في ذواب النحن.
قاتلت من أجل عزة بلادنا، وجاهدت في صراع لا يلين ضدّ كلّ تنين يجثم فوق صدر هذه الأرض، عرفتك السفوح والجبهات مقاوماً، وعلى المنابر شهرْتَ النداء: يا أبناء الحياة لمن الحياة؟ ولمن نحيا؟ ومن هو زعيمنا؟ وأبداً كان الجواب: لسورية دمنا وعلى درب سعاده نكون.
يا فارس الميادين، كنت في التفاصيل زارع البذار الأول، ترسم الخطوة الأولى على درب نهضتنا لزهرات وأشبال، ما من مخيم لم يعرفك عميداً للتربية والشباب وأنت تلقي من على منبره صوت باعث النهضة سعاده فيجلجل الصوت مدوياً في كلّ اتجاه: لتحيا سورية
سنبقى زمناً ولن نصدّق أنّ لمثلك أن يترجلّ، وسيظلّ حضورك يخطِّئ الموت في جسد الحياة.
لك أن تبقى في ضمائر رفقائك شاهدً على صدق الانتماء، وللحقيقة أن تقول: هذا رجل عرف الحق وانتصر على الفناء.