«داعش»: بين المصادر الاقتصادية والحقائق الاستخباراتية

مرفان شيخموس

ما هي المصادر الاقتصادية لتنظيم «داعش»، وما هي الأسس والمقومات التي بنى عليها التنظيم قدراته المالية؟

أسئلة كثيرة يطرحها خبراء اقتصاديون لتحليل المرجعية المالية لذلك التنظيم.

فإذا كان المقاتل ضمن «داعش» يتقاضى راتباً شهرياً كبيراً جداً، فإنّ موارد التنظيم تتجاوز مسألة التبرعات المادية من قبل المتعاطفين معه.

فما هي مصادر التمويل وكيف تصل إلى التنظيم الإرهابي؟

في هذا السياق، أفاد معهد واشنطن في إحدى دراساته بأنّ الكويت تعتبر من أكثر البيئات تسهيلاً لتمويل الجماعات الإرهابية وهذا ما أثار جدلاً واسعاً في مجلس النواب الكويتي والذي أكد عدد من أعضائه وجود خلايا نائمة تدعم «داعش» مادياً على الأراضي الكويتية.

وفي ما يتعلق بالسعودية، تقول الباحثة، في المعهد نفسه، لوري بلوتكين بوغارت إنّ السعوديين المتعاطفين مع الجماعات السنية المسلحة أرسلوا إليها مئات الملايين من الدولارات في السنوات الأخيرة.

وتلفت بوغارت إلى «أنّ كثيراً من الحكومات في المنطقة وخارجها تموّل في بعض الأحيان الأحزاب المعادية، من أجل الإسهام في بلوغ أهداف معينة في سياساتها، ولا ريب في أنّ الرياض استلذّت بالزحف السنّي الأخير الذي قادته الدولة الإسلامية في العراق والشام».

وكان رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي وجّه أصابع الاتهام مرات عدة إلى الرياض بالوقوف وراء نزيف الدم في العراق وتقديم الدعم لـ«داعش».

وفي السياق نفسه، اتهم وزير المساعدة الإنمائية الألماني غيرد مولر قطر، صراحة، بتمويل التنظيم.

ويشير المحلل في شؤون الأمن القومي في شبكة cbs الأميركية جوان سارات إلى «أنّ سياسة تنظيم داعش واضحة منذ نشأته، بتركيز معاركه حول مصادر التمويل، وقد استطاع بلورة نظام هجين من التمويل المعتمد على مصادر دولية ومحلية»، لافتاً إلى أنّ التنظيم «قاتل الجماعات المعارضة في سورية، وخصوصاً التي كانت تسيطر على موارد مهمّة شمال سورية من أجل استغلال تلك المصادر، ودليل على ذلك أنّ أولى المعارك التي خاضها تنظيم داعش في مدينة دير الزور السورية كانت للسيطرة على محطة توزيع الغاز التابعة لحقل كونيكو النفطي ومطحنة الحبوب والإسكان والمعامل التي كانت خاضعة لسيطرة جبهة النصرة، قبل أن يقوم ببيعها لتجار أتراك. كما باع التنظيم محلجة الأقطان التي استولى عليها لتجار في تركيا، بما فيها من مخزونات تقدر إلى جانب المحلجة بأكثر من مليون دولار، وهو السيناريو نفسه الذي انتهجه في مستودعات السكر التي سيطر عليها.

يحصل «داعش» على عائدات نفطية تقدر بثلاثة ملايين دولار يومياً من النفط الذي يستخرجه بطريقة بدائية، بعد أن اتسعت رقعة سيطرته على مناطق غنية بالنفط، وقد بات يسيطر اليوم على مجموعة كبيرة من حقول النفط السورية التي تتركز في الأساس في المناطق الشمالية، مثل حقول جبسا وكونيكو والعمر والشدادي، وفق ما يؤكده سكان تلك المناطق.

يشار إلى أنّ ما يتم إنتاجه يومياً في المناطق الشرقية الشمالية في سورية يقدر بـ50 ألف برميل، وأنّ متوسط سعر البيع يصل إلى 30 دولاراً للبرميل الواحد، ناهيك عن عائدات الغاز الذي يباع لتجار محليين، أو تتم تعبئته في أسطوانات وبيعه للاستخدام المنزلي، ويلفت سكان المنطقة إلى «أنّ هذه الموارد كانت موزعة على كتائب المعارضة المسلحة وجبهة النصرة قبل أن تصبح جميعها في أيدي داعش».

أما في العراق، فيعمل التنظيم على بيع نحو 100 ناقلة يومياً لتجار أكراد بمبلغ 9000 دولار للناقلة الواحدة مع حساب 26 دولاراً للبرميل الواحد، لتصدر بعد ذلك إلى تركيا. وتبلغ عائدات بيع النفط من موارد العراق نحو مليون دولار يومياً.

والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف يبيع التنظيم تلك الموارد النفطية؟

يسيطر مقاتلو التنظيم على مساحات واسعة في الريف الشرقي لمحافظة دير الزور، والممتد على مسافة 130 كيلومتراً حتى الحدود العراقية والتي تعتبر صلة الوصل بين الإمارتين، بحسب وصف التنظيم. وقد بحثت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي في مسألة هذه التجارة التي تمّ تسليط الضوء عليها في صحيفتي «نيويورك تايمز»، و«بلومبرج بيزنيس ويك».

بحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، تقدر عائدات النفط المسلوب بمليون إلى مليوني دولار يومياً، ويتم نقل 400 ألف برميل يومياً في شكل غير شرعي من العراق أو سورية إلى تركيا.

وبالنسبة إلى المنطقة الجغرافية التي يستفيد منها التنظيم، فإنّ نظرة سريعة على خارطة الطاقة العالمية المستقبلية توضح أسباب إصرار «داعش» على السيطرة على مناطق إنتاج النفط والغاز على جانبي الحدود السورية العراقية والتي تقع ضمن إطار الصراع الأوروبي ـ الأميركي لمواجهة النفوذين الروسي الصيني والذي تبلور في أهم مشروعين للغاز في العالم وهما المشروع الأميركي «نابكو» والمشروع الروسي «السيل الشمالي والجنوبي».

يقع مركز المشروع الأميركي في آسيا الوسطى والبحر الأسود ويتم التخزين في تركيا ليأخذ مساره إلى أوروبا عبر بلغاريا ورومانيا وهنغاريا والتشيك وكرواتيا وسلوفينيا وصولاً إلى إيطاليا.

أما المشروع الروسي فيتخذ مسارين هما: المسيل الشمالي إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق، والمسيل الجنوبي الذي يمرّ بالبحر الأحمر ثم إلى بلغاريا وينقسم إلى جزأين أحدهما إلى إيطاليا والآخر إلى اليونان.

ولكن ما أهمية دول مثل العراق وسورية بالنسبة إلى هذين المشروعين؟ إذا ما حدّدنا أماكن إنتاج وتوزيع خطوط الغاز الرديفة التي تدعم أحد المشروعين وتمثل نقطة تفوق أحدهما على الآخر، يمكن لنا بسهولة معرفة اللعبة الدولية التي يجري جزء من فصولها المهمّة في سورية والعراق ويمكن تلخيصها بأربعة خطوط بالنسبة إلى المشروع الأميركي وهي: – خط غاز الربع الخالي 426 مليار متر مكعب وحقل غوار الكبير شمال شرق السعودية باحتياطي227 مليار متر مكعب ، وهو نقطة التجمع في أرض روم التركية عبر سورية. – خط الغاز القطري أكثر من 100 مليار متر مكعب بنفس المسار عبر سورية

خط البحر الأبيض المتوسط 345 مليار متر مكعب، و6 مليار برميل غاز سائل مع احتياطي نفطي يقدر بـ1.7مليار برميل قابلة للزيادة ، وأغلب هذه الاحتياطيات في سورية يضاف إليها ما هو موجود أصلاً من احتياطيات في الأراضي السورية وحقل قارة الغازي الضخم الذي تمّ الإعلان عنه في 6/8/2011 والمقدر أن يكون إنتاجه 400 ألف متر مكعب يومياً.

حزام حقول الغاز على امتداد الخليج بين العراق وإيران حزام زاغروس، 212 مليار متر مكعب والمقرّر له المسار نفسه عبر سورية.

كشفت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية أنّ التنظيم عمل على تجنيد مؤيديه لاختراق حسابات بنكية، وفي السياق نفسه، أفادت الصحيفة بأنّ البريطاني من أصل باكستاني جنيد حسين، الذي انضم إلى تنظيم «داعش» مؤخراً، من المحتمل أن يكون وراء مؤامرة لتفريغ حسابات مصرفية بريطانية تعود إلى أثرياء ومشاهير لتمويل الإرهاب في الشرق الأوسط.

بالإضافة إلى ذلك، يعمل التنظيم على جمع ما تواجد من نقود في مؤسسات حكومية وبنوك. وكان أكبر مبلغ استولى عليه التنظيم في الموصل بعد أن اقتحم مصرفاً.

ويقول أحد النشطاء المحليين في مدينة الرقة السورية إنّ التنظيم يعمل على فرض ضريبة سنوية على رؤوس الأموال تدفع كزكاة لبيت مال «داعش».

وفي الرقة وريف الحسكة ودير الزور ومناطق تواجد التنظيم في العراق، تجمع المكاتب التابعة له مبلغ نحو 2000 ليرة ما يعادل 13.5 دولاراً أميركياً شهرياً من كلّ عائلة، وذلك لقاء توفير المياه والكهرباء عبر المحطات التي أضحى يسيطر عليها كما، يدفع الأهالي مبلغ 500 ليرة سورية لقاء ما يطلق عليه «بدل حماية»، مع الأخذ بعين الاعتبار اختلاف العملة بين سورية والعراق.

ولكن من المستغرب أن تراقب الأقمار الصناعية الأميركية سيطرة تنظيم «داعش»على أسلحة ذات صناعة أميركية وإقامتها استعراضات عسكرية في الرقة مثلاً، من دون أن يتعرض ذلك الاستعراض العسكري لقصف أميركي.

والأكثر غرابة هو الصمت «الإسرائيلي» على هذا التغيير النوعي لتسليح «داعش» وهي التي ترصد وتدمر أي شحنة سلاح تتجه إلى حزب الله مهما كانت صغيرة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى