مَن يصمد أكثر هو القوي حتماً…

د. سلوى خليل الأمين

تمرّ ذكرى نكبة فلسطين والعالم العربي مشرذم ومفتت والكلّ على الزناد، فالصراع بين الأشقاء نقمة حلت على هذه الأرض العربية، التي ابتلت بحكام طأطأوا الهامات لـ«سيد الكون» في كامب ديفيد، والغاية المطلوبة حمايتهم من «الشرّ الإيراني» كما يدّعون!

لقد تناسى أولئك السلاطين أنّ خوفهم من صدام حسين جعلهم أعداء للشعب العراقي وشرذمته، وأنّ قلقهم من تنامي جبهة الصمود والتصدّي التي تقودها سورية، وتدعم من خلالها المقاومة في لبنان وفلسطين، جعلهم أيضاً أعداء للشعب السوري وقائده الرئيس بشار الأسد، الذي رفض الانحناء لمطالب أميركا التي حملها له وزير خارجيتها كولن باول مهدّداً بعد احتلال العراق. وأنّ ظهور المقاومة في لبنان وانتصارها في تحرير منطقة الشريط الحدودي من احتلال العدو «الإسرائيلي» في العام 2000، ومن ثم انتصارها العظيم في العام 2006 على العدو الصهيوني، عبر إذلال جيشه الذي لا يُقهر، جعل من سلاح حزب الله ومن حلفائه السياسيين بعبعاً للمراهنين على السياسة الأميركية البراغماتية، وأنّ هجومهم الدائم على من امتشق الحقّ درباً للنضال والجهاد في سبيل القضية الفلسطينية وكرامة العرب أجمعين سيوقعهم في شرّ أعمالهم ومراهناتهم الخاطئة، التي بدأت تلوح مساراتها من خلال التوافق الإيراني الأميركي على البرنامج النووي الإيراني، وأخيراً لا آخراً ربما، ما قامت به المملكة العربية السعودية من شنّ حرب إبادة على الشعب اليمني الشقيق بحجة الحفاظ على شرعية رئيس منبوذ من شعبه وبني قومه أجمعين.

إنّ «الشرق الأوسط» الذي يريده هؤلاء الأعاريب الذين تقاطروا إلى كامب ديفيد، والفرح يسبقهم لملاقاة الرئيس باراك أوباما، الذي استطاع في ذاك المنتجع المسوّر بالأشجار الخضراء التي تخلو منها صحرائهم الجدباء، أن يفرض شروطه عليهم لجهة عدم موافقته على تسليح المعارضة السورية، ومن ثم الطلب منهم عدم مهاجمة الاتفاق النووي الإيراني الأميركي المنوي توقيعه في أواخر حزيران 2015، أضف إليه، وهو الأهمّ، إجبارهم على عقد صفقات سلاح لم تحصل من قبل، من أجل تشغيل معامل السلاح التي تساهم في إنعاش الاقتصاد الأميركي، خصوصاً وهو يعلم تمام العلم أنّ بيعهم السلاح الأميركي المتطوّر، والموافقة على امتلاكهم الطائرات الفرنسية المتطوّرة مشروطة بكيفية استعمالها، مع العلم أنّ هذا السلاح كما سابقاته مصيره الكهوف التي تعجل في عملية تخريبه، بسبب عدم إتقانهم كيفية استعماله وصيانته إذا لم تمدّهم أميركا أو فرنسا بما يلزم من الخبراء، وهذا الأمر لا يمكن أن يحصل سوى بشروط أيضاً، تهدف إلى سلبهم ثروات النفط والغاز، التي هي ملك لشعوبهم، التي تعاني الأمرّين من الفقر والجوع والمرض والأمية، لهذا ظنوا أنهم قادرون على إملاء آرائهم على الرئيس الأميركي لجهة «شرق أوسط جديد» يتصدّى لإيران، ويكبّل خطواتها بأسلاك شائكة تحدّ من مساهماتها الفاعلة في سورية والعراق واليمن والمقاومة في لبنان وكلّ المستضعفين في هذه الرقعة الأرضية المبتلية بالحروب دون سائر أقطار المعمورة.

وفاتهم انّ جهلهم في إدارة شؤون بلدانهم التي انتقدها الرئيس أوباما بالاستياء، هو السبب في خوفهم وليس إيران، ولعلمه أيضاً أنهم يتسمّرون على العروش كأنهم «ظلّ الله على الأرض»، متناسين قراءة التاريخ وأخذ العبر، وأنّ هذه السياسات اللعينة المتبعة من قبلهم زائلة لا محالة، كما زالت عروش الأمبراطوريات التي حكمت العالم ردحاً طويلا من الزمن، لأنّ «الشرق الأوسط» الذي تريده إيران المناصرة للقضية الفسطينية، والذي يريده أحرار الوطن العربي، يختلف في مضامينه وأبعاده وتطلعاته عن شعارات التسلط والقهر واللاديمقراطية والاستبداد التي تمارَس على شعوب هذه المنطقة.

لقد جابههم الرئيس بارك أوباما بالعصا والجزرة في آن، فاليمن يجب أن تدخل في هدنة تصل إلى التوافق في ما بعد على الحلّ السياسي المرتقب، وسورية ترسم طريقها بنجاح من أجل القضاء على الإرهاب الذي هو مطلب أميركي أوروبي ملحّ، إضافة إلى أنّ تأمين طرق الإمداد للنفط والغاز ضرورة لا يُستهان بها وعليهم أخذها بعين الاعتبار، والحرص على بقائهم على العروش رهناً بما سيقدّمونه لاحقاً من إصلاحات ترضي شعوبهم والأجيال الجديدة، أما شبكة الحماية من إيران فستتكفّل بها القواعد العسكرية الأميركية المزروعة في الخليج وهي التي باستطاعتها حماية مصالحهم، مع إدراك الرئيس باراك أوباما أنّ قادة في الخليج هم من أوجد الإرهاب وموّله ودعمه وضخ له الرجال، أما إيران وحلفاؤها في لبنان وسورية والعراق واليمن وغيرها فهم ليسوا طلاب حكم بقدر ما هم طلاب ثورات ضدّ الظلم والقهر، لهذا لا بدّ من قراءة التاريخ جيدا.. لأنّ فائض القوة كما فائض القلق كلّ يؤدّي إلى خراب العالم.. أميركا حتماً تسعى إلى مصالحها لكن من منطلق حق الشعوب بالعدالة الاجتماعية والحرية… وهذه المطالب أصبحت رسالة واضحة تضخها أميركا في ظلّ عالم مفتوح على بعضه البعض بسبب التقدّم التكنولوجيا، الذي لا تقدر أي سلطة في العالم تجاهل مقوّماته وأبعاده المستقبلية.

إنّ الصورة التي أعقبت الاجتماع، ولم يتبعها مؤتمر صحافي يتحدّث فيه الرئيس باراك أوباما، كونت نقطة الفصل في تحليل كلّ النقاط التي تمّت معالجتها في منتجع كامب ديفيد، خصوصاً التي لم يتمّ تسريبها إلى وسائل الإعلام، حرصاً من الرئيس الأميركي على إظهار الودّ، وألا يدع العلاقة تسوء أكثر، خصوصاً مع السعودية، التي لم يحضر ملكها سلمان لظنه أنه يستطيع التعاطي مع السلطة الأميركية الممثلة برئيسها من منطلق الندية، وهذا ساقط حتماً من الأجندات الأميركية، وحكام الخليج يعلمون في قرارة أنفسهم هشاشة مواقعهم المرتبطة حكماً بدوائر القرار الأميركي، لأنهم لا يمثلون شعوبهم الغارقة في متاهات القهر والتسلط والاستبداد.

إن ما جرى في كامب ديفيد ليس إلا درساً قاسياً لمن خان أمته وشعبه وقضية فلسطين الكبرى، عبر رهانات خاطئة، لا تجدي نفعاً لا في الحاضر ولا في المستقبل، وما جرى من انقلاب سابق في قطر خير دليل، وما لحقه من انقلاب في السعودية خير إثبات، وما سيلحقه لاحقاً هو الأهمّ، لأنّ أميركا ليست دولة غبية بل قادرة ومقتدرة وتعرف جيداً أنّ مَن يصمد أكثر في وجهها هو القويّ حتماً وهو المنتصر لا محالة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى