أوباما والسلاح الكيماوي السوري
توفيق المحمود
في بداية عام 2013 أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما والغرب عن استخدام الحكومة السورية السلاح الكيماوي ضد ما يسمونهم بـ «المعارضة السورية المعتدلة» وصعدت الأمور في آب عام 2013 عند الإعلان عن استخدام السلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية ولوح حينها الرئيس الأميركي بإمكانية توجيه ضربة عسكرية إلى سورية.
لطالما كانت الولايات المتحدة تبحث عن ذريعة للتدخل العسكري في سورية من خلال الكلام المتزايد عن وجود أسلحة كيماوية على رغم أنها تعرف بقرارة نفسها أنها لا تستطيع أن تغامر بمثل هذا التدخل في الأساس فقد هدد الرئيس باراك أوباما بعمل عسكري أميركي ضد سورية عند أي محاولة لنشر أسلحة كيماوية أو بيولوجية أو استخدامها سيكون ذلك في نظر الولايات المتحدة عبوراً لما سماه «الخط الأحمر». وعززت حينها القوات البحرية الأميركية وجودها في البحر المتوسط تحسباً لأي قرار يتخذه الرئيس أوباما في شأن سورية، وأكد البيت الأبيض أن الادارة الاميركية بدأت النظر في سيناريوات الرد العسكري على الهجوم الكيماوي المفترض وفي الـ25 من آب عام 2013 أكد وزير الدفاع الاميركي تشاك هيغل استعداد البنتاغون للتدخل العسكري في سورية في حال صدور قرار من الرئيس أوباما بهذا الشأن، وأشار الى أن الادارة الاميركية لا تزال تدرس مسألة استخدام القوة العسكرية في سورية وفي الـ31 من آب تم التصعيد في شكل أكبر من قبل أوباما وبخاصة في ظل تحقيق الجيش السوري الكثير من الانتصارات وتحرير عدد من المناطق التي كانت تسيطر عليها المجموعات المسلحة، فقد أعلن حينها أنه قرر توجيه ضربات الى أهداف محددة في سورية وأنه سيطلب من الكونغرس تفويضه للقيام بهذه الضربات.
كل هذا الكلام والتهديد والوعيد بالتدخل العسكري والحملة الغربية قابلها هجوم روسي مستمر، فموسكو لم تقبل بذريعة السلاح الكيماوي لغزو دمشق فقد أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عدم اللعب بهذا الموضع كونه خطراً جداً. واعتبر أن الطلب من الأمين العام والمستند الى حدث دخل عالم النسيان منذ ذلك الوقت، يذكر بالمحاولات التي ترمي الى ان تتكرر في سورية ممارسة مماثلة لتلك التي حصلت في العراق عندما بدأت عمليات البحث عن أسلحة دمار شامل ففي 8 من أيلول عام 2013 تم الإعلان عن المبادرة الروسية التي تضمنت الكشف عن مقرات تخزين وإنتاج هذه الأسلحة وانضمام سورية لمعاهدة حظر الأسلحة الكيماوية وتدمير هذه الأسلحة، فجاءت هذه المبادرة لتنزع فتيل الحرب في المنطقة وتحول دون وقوعها مبادرة أوقفت اندفاع واشنطن في مغامرة غير محسوبة النتائج على المستويات كافة، وجنحت بالإدارة الأميركية للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الجانب الروسي. فقد أعلن أوباما أن الاقتراح الذي قدمته روسيا للعمل مع دمشق لوضع اسلحتها الكيماوية تحت السيطرة الدولية ينطوي على احتمالات ايجابية وبعد ذلك توصل وزيرا الخارجية الروسي والأميركي إلى اتفاق لوضع السلاح الكيماوي السوري تحت الرقابة الدولية في 14 من أيلول عام 2013. كما خفت حدة كلام أوباما بالتدخل العسكري، ودعا في خطابه أمام الدورة الـ 68 للجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 من أيلول 2013 الى تبني «قرار قوي» في مجلس الأمن الدولي يضمن التزام السلطات السورية بتعهداتها بوضع سلاحها الكيماوي تحت الرقابة الدولية وإتلافه لاحقاً. وبعده في 27 من أيلول وصف أوباما الاتفاق الذي تم التوصل إليه في شأن تدمير السلاح الكيماوي في سورية بأنه نصر للدبلوماسية الأميركية وتم الاتفاق في مجلس الأمن في 28 من أيلول، فقد أصدر قراراً يلزم سورية على التخلي عن أسلحتها الكيماوية لكنه لا يهدد باستخدام القوة المسلحة ضد دمشق، وذلك بعد أن أقرت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية خريطة طريق لتفكيك الترسانة الكيماوية السورية.
والآن مع التقدم الذي يحققه الجيش السوري والمقاومة في القلمون وتكبيد الإرهابيين خسائر كبيرة وبعد اليأس الذي أصاب واشنطن في حربها على سورية والانتصارات التي يحققها محور المقاومة بأكمله، عادت العقلانية الاميركية فقد أعلن أوباما انه تم تدمير مخزون الأسلحة الكيماوية السورية بالكامل في البحر وتم تأكيد ذلك من قبل الأمم المتحدة وروسيا التي أعلنت في شباط الماضي على لسان نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف انتهاء أعمال تفكيك السلاح الكيماوي في سورية وأنه تم تدمير السلاح وتنفيذ البرامج.
وعاد الحديث مجدداً عن استخدام غاز الكلور في سورية، فأكد أوباما اطلاعه على تقارير حول استخدام غاز الكلور السام في سورية، وشدد على أنه سيعمل مع المجتمع الدولي لوضع نهايةً لها وأن سورية قامت بتدمير ترسانتها الكيماوية كاملة، وأن هناك تقارير أكدت أن هناك بعض ما سماهم بالمعارضين المتطرفين هم من قاموا باستخدام هذا السلاح، وبخاصة بعد أن أخبرت الحكومة السورية منظمة حظر السلاح الكيماوي في منتصف كانون الأول الماضي حول سيطرة إرهابيين من تنظيم «داعش» على مواقع صناعية لحفظ مواد الكلور وإمكانية استخدام هذا السلاح واتهام الحكومة السورية بذلك.