عجز «المستقبل» عن تسويق جعجع يدفعه إلى تقطيع الوقت في انتظار الموقف السعوديّ
حسن سلامه
مع استمرار المراوحة في انتخابات رئاسة الجمهورية، يبقى السؤال: هل ثمة إمكان لانتخاب رئيس جديد ضمن المهلة الدستورية، بل في أقرب وقت ممكن بعد 25 أيار؟ وما هي المعطيات الخارجية التي قد تساعد في إنضاج الطبخة الداخلية للاتفاق على رئيس توافقي؟
واضح، بحسب مصادر نيابية متابعة لحركة الاتصالات الداخلية، أن إمكان انتخاب رئيس في الأيام العشرة الأخيرة من ولاية الرئيس ميشال سليمان شبه مستحيل، طالما أن قوى «14 آذار» لا تزال تصرّ على السير بترشيح رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وهي تدفع بذلك عن سابق تصوّر وتصميم إلى إحلال الفراغ في موقع الرئاسة. وتقول المصادر إن ما تعلنه أطراف هذا الفريق حول الحرص على إجراء الانتخابات ضمن المحلة الدستورية وتفادي الفراغ هو كلام للاستهلاك السياسي، طالما أن «المستقبل» وحلفاءه يضربون بعرض الحائط ليس التوازنات الداخلية داخل المجلس النيابي وخارجه فحسب، بل السعي أيضاً إلى إيصال شخصية استفزازية إلى موقع الرئاسة، خلافاً لما يحصل من تفاهمات إقليمية دولية وإن تكن هذه التفاهمات لم تنضج كفاية وتحتاج إلى بعض الوقت حتى تبيان ما ستبلغه المفاوضات الأميركية ـ الغربية مع إيران حول ملفها النووي، وانتظار ما ستبلغه إليه العلاقات السعودية ـ الإيرانية بعدما فتحت كوة كبيرة في هذه العلاقات من خلال إعلان وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل عن توجيهه دعوة إلى نظيره الإيراني محمد جواد ظريف لزيارة الرياض، فردت طهران بكثير من الإيجابية على الدعوة، وإن أعلنت خارجيتها أنها لم تتلق حتى الآن دعوة خطية من الوزير سعود الفيصل.
لذا فإن السؤال الأساسي: هل ستنضج المعطيات الخارجية في الأشهر القليلة المقبلة على نحو يدفع الأطراف الداخلية إلى اختيار شخصية مقبولة من أكثرية القوى السياسية؟
تتحدث مصادر دبلوماسية عن حراك غير ظاهر لبعض السفراء الغربيين حول الاستحقاق الرئاسي، خاصة من جانب السفير الأميركي في بيروت ديفيد هل، وقالت إن الأخير يضغط لانعقاد جلسة نيابية من دون حصول توافق مسبق على الرئيس الجديد بغية انتخاب رئيس يتماهى مع السياسة الأميركية، وتشير المصادر إلى أن الأميركي غير متحمس لوصول العماد ميشال عون إلى سدة الرئاسة، وإن يكن هناك في الإدارة الأميركية مَنْ لا يمانع ذلك. كما أوضحت أن السعودية لم تبد حتى الآن موقفاً من شأنه أن يدفع حليفه «تيار المستقبل» إلى السير في دعم ترشيح العماد عون، رغم دعوة السفير السعودي في لبنان الأطراف الداخلية إلى الاتفاق على رئيس توفيقي.
لاحظت المصادر أن استمرار حركة الاتصالات الخارجية والداخلية على ما هي عليه اليوم، ستوصل حكماً إلى الفراغ في رئاسة الجمهورية، لكنها ترى أن الفراغ لن يستمر أكثر من أربعة أو خمسة أشهر، موضحة أن نضوج انتخاب الرئيس ينتظر حصول تفاهمات إقليمية ـ دولية حول أكثر من ملف، واعتباراً من نهاية حزيران المقبل يبدأ العد الفعلي لانتخاب الرئيس الجديد، إذ من المرجح أن يتم التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني بين إيران والدول الخمس الكبرى، وتكون تبلورت المعطيات في كل من سورية والعراق ومصر بعد الانتخابات المنتظرة في هذه الدول.
لذلك، رجحت المصادر أن تفضي الأجواء الخارجية والداخلية بعد هذه الفترة إلى التوافق على رئيس توافقي، واسم هذا الرئيس سيكون على الأرجح من بين ثلاثة أسماء مطروحة لا تشكل تحدياً وتتبنى الثوابت الوطنية.
على هذا الأساس، تعتقد المصادر أن القوى الداخلية ستبقى في الأشهر القليلة المقبلة ثلاثة أو أربعة أشهر ضمن مهلة الوقت الضائع، إن من خلال الدعوات الشكلية إلى انتخاب رئيس صناعة لبنانية أو من خلال انعقاد جلسات لمجلس النواب غير مكتملة النصاب. وتلاحظ المصادر أن ما حال ويحول دون انتخاب الرئيس قبل 25 أيار أو حتى بعد هذه الفترة بوقت قليل أمران رئيسيان:
ـ الأول، إصرار فريق «14 آذار» على محاولة تمرير انتخاب رئيس من تحت الطاولة بعيداً عن الصيغ التوافقية المعتمدة في كل مؤسسات الدولة، وآخرها تشكيل حكومة تمام سلام، فحتى موضوع سلسلة الرتب والرواتب لا يبدو أنه قد يقرّ في مجلس النواب ما لم يحصل حوله توافق بين الكتل النيابية، وبالتالي، لو كانت هناك رغبة صادقة وجدية لدى فريق «14 آذار» في انتخاب رئيس صنع في لبنان لمضت في التوافق على رئيس مقبول، بعيداً عن ترشيح جعجع وما يشكل من تحد لأكثرية اللبنانيين.
ـ الأمر الثاني أن حلفاء هذا الفريق في الخارج، تحديداً تيار المستقبل، يحاولون المقايضة بين انتخاب رئيس توافقي والحصول على أثمان بديلة في سورية والعراق، وهذا ما لن تسير به الأطراف الإقليمية الحليفة لقوى 8 آذار.
لذلك، ترى المصادر أن طبخة الرئاسة لم تنضج حتى الآن، ارتباطاً بالوضع في سورية والعلاقات السعودية ـ الإيرانية والملف النووي الإيراني، وما على اللبنانيين سوى الانتظار حتى تنضج المعطيات الإقليمية.