شلال من العنفوان والإباء
د. علي غريب
عندما نظرت إلى وجهك صباح ذلك اليوم الذي بدأت فيه مسيرة خلودك، وجدتك مستبشراً مطمئناً! فقد أعطيت للشهادة، حلاوة، لطالما تمنيناها في أيامنا الماضية وسنستمرّ بالسعي إليها طالما كتبت لنا الحياة بعدك.
لقد تركت موروثاً يحتذى من آلاف الرفاق والمحبّين ممّن غرست فيهم واجب النضال والمواجهة، ورسمت لهم طريق الانتصار.
يا من آمن صادقاً بأن لا وجود لعروبة لا تكون سورية أساساً لها ومنطلقاً، رحلت مطمئناً بعدما تيقّنت في كسَب وأخواتها من الجغرافية السورية، وفي القلمون وجردوها، أنّ المشروع التكفيري يتهاوى وأنّ رعاته باتوا في تيه وانكسار.
سكبت نفسك شلالاً من العنفوان والمواجهة في آتون نهج المقاومة والممانعة، فشكلت قيمة مضافة لمشروعية نضالنا التحرّري ومقاومتنا للاحتلال والاستعمار بكافة وجوهه، القديمة منها والحديثة، وكان لنا شرف النضال سوياً في مرحلة صعبة من مراحل مواجهة المشروع الصهيوني وأدواته، المحلية والإقليمية، ممّن باع نفسه بقليل من الخسّة، فشرع يمزّق أوصال القضية الوطنية والقومية باعتباره أباً لها وأماً، وواجهنا بكلّ بسالة وشموخ، وبعدما فشلوا استدعوا سيّدهم الصهيوني، فكان عدوان 2006، تصدّينا وصمدنا وانتصرت المقاومة وهُزموا، وبقيت الأمة صلبة عصية على مشاريع إسقاطها في مستنقعات الردّة والعنصرية والطائفية.
سنوصي أجيالنا القادمة بأن يحدثوا أحفادهم كيف أسقطت ورفاقك في الحملة الشبابية اللبنانية لرفض الوصاية الأميركية في العام 2005 هيمنة أميركا على لبنان، وسنورثهم بعضاً من أعداد مجلة «لا» التي أوليتها عنايتك الخاصة رفضاً للفتنة وللتقسيم وللوصاية الأميركية.
ستردّد الأجيال من بعدك بأنها لا ولن تريد أن تعرف معنىً لعباراتهم الوقحة «حياد لبنان… صلح… استسلام… شرعية دولية… هدنة…» لأنك أسقطها من قاموسك منذ لحظة الصراع الأولى والرصاصات الأولى، وأجيالنا تحفظ كلّ مفردات قاموسك التي حفرتها في العقل والقلب والوجدان، وإنْ تعثر الآخرون في نطقها، فهي المؤتمنة على التعبير عنها بالدم، وبدايتها: مقاومة… استشهاد… وقفات عز… تحرير… سيادة حقيقية…
عهدك لنا قناعتك بأنّ الأجساد قد تسقط على الأرض لكن النفوس فرضت نفسها على هذا الوجود، وعهدنا لك إكمال المسيرة وأن نكون حيث يجب أن نكون.
تكبر الكلمات عندما تدرك أنها تتحدث عنك، رحمك الله.
حزب البعث العربي الاشتراكي