عبد الكريم: معظم المواقع الأثرية تحت السيطرة ونطالب المجتمع الدولي بتفعيل القرار 2199
حاورهما: مرفان شيخموس
لم تكتف المجموعات الإرهابية التي استجلبت إلى سورية من كلّ أصقاع العالم، في إطار الحرب الكونية عليها، بقتل المواطنين الأبرياء وتدمير منازلهم ومؤسسات الدولة وبناها التحتية ومرافقها الحيوية، بل طال حقدها الحجر أيضاً من خلال تدمير الآثار السورية التي تختصر تاريخ هذا البلد العريق، ضمن أوسع خطة ممنهجة لتدمير حضارة المشرق.
وعلى مدى أعوام الأزمة السورية، تناقلت وكالات الإعلام والمؤسسات المعنية بحماية التراث والآثار عشرات التقارير عن عمليات سرقة التراث السوري والمقتنيات الأثرية التي تعود إلى آلاف السنين، وقد حذرت إيرينا بوكوفا المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «يونيسكو» الأسبوع الماضي، من أنّ تدمير من أسمتهم «الجهاديين» للمواقع الأثرية «بلغ مدى غير مسبوق»، ودعت إلى جهود دولية لحماية الآثار في المنطقة. وجدير بالذكر أنّ هناك ستة مواقع في سورية على قائمة التراث العالمي، وهي: مدينة دمشق القديمة 1979 ، مدينة بصرى القديمة 1980 ، موقع تدمر 1980 ،مدينة حلب القديمة 1986 ، قلعة الفرسان الحصن وقلعة صلاح الدين 2006 ، محمية اللجاة إلى السجل العالمي للمحميات الطبيعية 2009 .
للوقوف على واقع الآثار التاريخية في سورية، وكيفية مواجهة تدمير الكنوز الحضارية، كان لـ«البناء» وشبكة «توب نيوز» لقاء مع كلّ من المدير العام للآثار والمتاحف في سورية مأمون عبد الكريم، ومدير الشؤون القانونية في المديرية أيمن سليمان.
بداية، أكد عبد الكريم «أنّ قضية تهريب الآثار قضية عالمية تتعرض لها كلّ البلدان، حتى تلك التي لا تعيش حالات نزاع أو حروب، ومن الطبيعي أن تواجه سورية هذا الواقع، وخصوصاً في المناطق التي تعاني حالة انفلات أمني كالمناطق الحدودية مثلاً، ما أعطى فرصة لشبكات المافيا العالمية أن تعيث فساداً في البلاد، بالتواطؤ مع شبكات إقليمية في الأردن وتركيا و«إسرائيل»، عبر أتباعها المتواجدين في العديد من المناطق الأثرية، وخصوصاً تلك البعيدة عن السيطرة الأمنية كوادي الفرات في محافظة الرقة ودير الزور الواقعة تحت سيطرة «داعش»، وقد عمد إلى استخدام مأجورين لنهب المواقع الأثرية، باستخدام الآليات الثقيلة في لسرقة التماثيل كما حدث في ماري وأفاميا وسط سورية وتل عجاجة في الحسكة».
وإذ لفت إلى «أنّ الحراس الأمنيين العزّل في المديرية، لا يستطيعون فعل أي شيء أمام جبروت وإجرام التنظيمات الإرهابية»، قال: «حراسنا أقوياء بتواجد الجيش العربي السوري والجهات الأمنية المختصة والمؤسسات الحكومية، ويقتصر عملهم على تقديم التقارير عن الأوضاع الامنية في المناطق الأثرية حيث تواجدهم والمديرية تخاطب، بدورها، المحاكم والسلطات التنفيذية لقمع المخالفات. أما في المناطق الواقعة خارج سيطرة الحكومة فيكون المجتمع المحلي هو البديل بحيث يقدم لنا الدعم بالحفاظ على تلك المواقع لإنقاذها من أيدي المهربين والمخربين. وقد لعبت النخب السياسية والثقافية والدينية دوراً مهماً في الحفاظ على المواقع الأثرية، بالتعاون مع المديرية، لكن في المقابل، لا يمكننا أن نخفي حجم الضرر في المواقع الأثرية التي تعرضت لعمليات التنقيب والنهب السري وتضرّرت بفعل الاشتباكات حيث بلغ العدد الإجمالي حوالي 750 موقعاً ومبنى منفرداً، ضمن سلسلة مواقع في حلب وحدها، تلك المدينة التي دارت ضمنها الاشتباكات الأعنف ما خلف أضراراً كبيرة في المواقع الأثرية، قابلة للإصلاح بدرجات متفاوتة، وإن كانت هناك خسارة أبدية من ناحية الأصالة».
وإذ أسف لأنّ بعض المواقع التي تعرضت لعمليات تخريب بالمعدات الثقلية باتت صفحات احترقت للأبد، أشار إلى أنه «ولحسن الحظ هناك أكثر من 10 آلاف موقع أثري، ما يشكل 90 في المئة من المواقع، تحت السيطرة، وهذه المواقع وضعها البنيوي والإنشائي بخير، وذلك بفضل جهود المؤسسات الحكومية والمجتمع المحلي في تلك المناطق.
المجتمع الدولي لم يتحرك
وانتقد عبد الكريم ردّ فعل المجتمع الدولي حيال مطالبة الدولة السورية بإغلاق الحدود وعدم السماح بعمليات تهريب القطع الأثرية، وقال: «في تموز 2013 أطلقنا نداء دولياً حذرنا فيه من دخول مافيات عالمية تعيث فساداً بمواقعنا الأثرية، ورغم الوعود، لكن لم يتحرك المجتمع الدولي ولا الجمارك الدولية ولا «إنتربول». ثم نشرنا تقريراً مفصلاً في تموز عام 2014 شرحنا خلاله ما تعرض له أكثر من سبعين موقع أثري من عمليات نهب وتخريب، باستخدام معدات ثقيلة مثل البلدوزرات. إنّ ما فعلته المديرية لم تفعله أية مديرية في العالم حيث أنقذنا 99 في المئة من القطع الأثرية الموجودة في المتاحف، باستثناء الرقة ودير عطية. إنّ قوة المديرية تتمثل في إجراءاتها بنقل القطع الأثرية وحفظها وتوثيقها إلكترونياً».
وسأل عبدالكريم: «ماذا سنفعل إذا كانت المواقع الأثرية منتشرة في كلّ شبر من أراضي الوطن؟ يجب أن تكون هناك إرادة دولية متمثلة بـ«يونيسكو» وغيرها من المنظمات الدولية للضغط على دول الجوار في سبيل ضبط الحدود وإغلاقها لوضع حدّ لتلك العمليات، وفي هذا الخصوص، صدر قرار عن مجلس الأمن حمل الرقم 2199 في 12 شباط 2015 بمنع المتاجرة بالقطع الأثرية السورية، أي أنه إذا توجدت أي قطع أثرية سورية في أية دولة، حتى وإن لم تربطنا بها أية اتفاقات، نسطيع استعادتها باعتبار أنّ هناك نصّاً قانونياً دولياً يساعدنا على ذلك.
تركيا لم تتعاون
وتابع: «القضية أبعد من قضية دولة واحدة، هذه منظومة عالمية مترابطة تتطلب متابعة نشاطها في الأسواق، هناك نزيف يلحق بتراثنا العالمي في المناطق الغير خاضعة لسيطرة الدولة. وبحسب بيانات الجهات المختصّة الحكومية، تمكنا من استعادة 6300 قطعة أثرية قبل أربعة أعوام، وفي لبنان تمّ ضبط 100 قطعة أثرية تمت استعادتها، وفي هذا الإطار، نشكر مديرية الآثار والمتاحف اللبنانية التي أعادت القطع الأثرية إلى الدولة السورية، وللأسف لم يتعاون معنا من الدول العربية، في هذا المجال سوى الدولة اللبنانية».
وأشار إلى أنّ المديرية «تملك إثباتات من منظمات دولية بأنّ تركيا أوقفت حتى أيار 2014 حوالي 2000 قطعة أثرية، وعليها من الناحية الأخلاقية تزويدنا بالبيانات والصور لتلك القطع، ولكن للأسف لم يتم تزويدنا بأي شيء في خصوص تلك القطع، وهذا الموضوع يخضع لعملية تسيس غير أخلاقية».
ورغم كلّ ما يتعرض له الإرث الحضاري السوري، اعتبر عبد الكريم «أنّ التجربة السورية في عملية الحفاظ على المواقع الأثرية في ظلّ الأزمات هي أفضل طريقة حتى الآن وعبر التاريخ، ولكن هناك نزيف وكان من المحتمل حدوث كارثة في حقّ التراث الإنساني السوري العالمي، ولكن بفضل جهود العاملين في المديرية وبالتعاون مع الجهات المختصة تمكنا من تقليل تلك الحوادث».
وأضاف: «كانت مديرية الآثار والمتاحف أول من أطلق النداء الدولي وطالبنا الصحافة الدولية بحشد الجهود والطاقات في المعاهد والجامعات المختصة، وهناك تعاطف كبير لم يكن متوقعاً إطلاقاً في ظلّ هذه الأزمة من قبل مؤسسات وشخصيات وعلماء بعيداً من كلّ الاختلافات، فالجميع انضم إلى معركة الدفاع عن مدينة تدمر وهذه ناحية إيجابية جداً لنا ولتراثنا والنداء الذي أطلقته المديرة العامة لـ«يونيسكو» إيرينا بوكوفا لإنقاذ الآثار في المنطقة مهم جداً، وفي السياق نفسه، نحن نجدّد مطالبة المجتمع الدولي بتفعيل القرار 2199 تحت الفصل السابع بالحفاظ على الآثار السورية والعراقية، فمدينة تدمر مثلاً، تعتبر من أهم المواقع الأثرية العالمية ونحن نعلم أنّ دخول التنظيمات الإرهابية إلى المدينة سيحمل الدمار والخراب، ونخشى تكرار ما حدث في نينوى العراقية لأنّ من الصعب نقل القطع الأثرية المتواجدة في المدينة».
الاتفاقيات الدولية حظرت الاتجار بالممتلكات الثقافية
وفي السياق نفسه، ومن الناحية القانونية، أكد مدير الشؤون القانونية في المديرية العامة للآثار أيمن سليمان «أنّ الاتفاقيات الدولية تحت مظلة «يونيسكو»، كاتفاقية باريس عام 1970 لحظر نقل والمتاجرة بالممتلكات الثقافية في شكل غير مشروع، واتفاقية «يودنروا» عام 1995، تنصّ على حماية الممتلكات الثقافية على الصعيد الدولي، ولكن جميعنا يعلم أنّ تلك الاتفاقيات لا تحترم خلال الحروب، وسبق أن خاطبنا منظمة «يونيسكو» عشرات المرات على أمل تفعيل وتطبيق تلك الاتفاقيات لمحاربة عمليات البيع والاتجار بالقطع الأثرية».
وأضاف: «لكي نكون واضحين وعلى بينة، فإنّ المعركة القانونية الدولية التي تخاض على هذا الصعيد ليست سهلة، فالدول تتسلح الدول بقوانينها الخاصة وتتسلح بالمقتنى بحسن النية وما إذا كانت القطعة مسجلة أم لا في الأرشيف العالمي، وتدخل القضية في متاهات وغالباً لا تنتهي المعارك القانونية على الصعيد الدولي بنجاح، وهنا أذكر أنّ مصر هي من الدول العربية الرائدة في استرجاع قطعها الأثرية من الخارج وإن يكن بطرق غير قانونية، وأنا لا أصادر هنا الجانب القانوني ونحن نعمل بجميع السبل عبر كلّ القنوات التي تتيح لنا استرجاع الآثار المنهوبة، وغالباً ما تتم عمليات السرقة بدوافع دولية، ومثال على ذلك، أثناء دخول القوات الأميركية إلى بغداد أرادوا حماية وزارة النفط، في حين تركوا المتحف الوطني العراقي للموساد «الإسرائيلي» لتدمير تمثال نبوخذنصر والمرتبط بسبي اليهود».
إنقاذ تمثال الملك آداد نيراري
وتابع سليمان: «سبق أن حققنا نجاحاً كبيراً بإفشال بيع تمثال الملك الآشوري آداد نيراري الثاني في مزاد بونهامز في لندن، بالتعاون مع «مؤسسة سعاده الثقافية اللبنانية» مؤخراً، فهناك اهتمام كبير باستعادة الآثار السورية وقد شكل وزير الثقافة، لهذه الغاية، لجنة عليا وطنية، قوامها الوزير وعدد من الخبراء والمستشارين الوطنيين القانونيين، بالتعاون مع المندوبة السورية في «يونيسكو»، وتحضر هذه اللجنة الوثائق للقضاء الدولي. ومن المعروف أنّ الدولة السورية مشغولة بعشرات الملفات، ونحن نعمل حالياً على حصر وتنسيق وتوثيق الآثار السورية التي خرجت وتوثيق ظهورها في دول أخرى، وتحضير الوثائق القانونية التي تدعمنا دولياً. فمن الخطأ، على الصعيد القانوني، أن ندخل في معركة قانونية كبرى كهذه ونحن لا نمتلك الأدلة الكافية لاسترجاع آثار وطننا.