الزعيم القومي الروسي فلاديمير بوتين وخطاب النصر على النازية منظومة الحكم الروسية تتصاعد ونظيرتها الأميركية تتآكل سياسيّاً

محمد احمد الروسان

أوكرانيا وروسيّا توأمان سياميان ولدا من بطن واحد، والبطن بستان كما تردّد جداتنا رحمهنّ الله جميعاً، حيث روسيّا تدرك أنّ هناك محاولات أميركية وغربية و«إسرائيلية» وبعض عربية واهمة، كلّها تسعى إلى تفخيخ روسيّا من الداخل، وموسكو تعي أيضاً أنّ أوباما يتآكل سياسيّاً ويبدأ بالضعف من بداية الخريف المقبل، حيث لا يبقى له ولحزبه سوى عام واحد فقط في الحكم، مع عدم إنكارها وإغفالها للقوّة الميثولوجية للأمبراطورية الأميركية، وهذا مؤشر قوي على حكمة وواقعية القيادة الروسية ونخبة نواتها الصلبة التي تعمل كفريق واحد، انْ لجهة السياسي والديبلوماسي، وانْ لجهة الاقتصادي والمالي، وانْ لجهة العسكري والاستخباري، وانْ لجهة الثقافي والفكري في تعزيز الشعور القومي الروسي.

العاصمة الأميركية واشنطن دي سي قلقة على إمدادات قواتها في أفغانستان حيث 40 في المئة من هذه الإمدادات الضرورية تمرّ عبر الأراضي الروسية، وبالتالي هي بحاجة الى موسكو، لذلك البنتاغون الأميركي غير مرتاح لمسارات السياسة والديبلوماسية الأميركية ومسارات التشريع في الكونغرس إزاء روسيّا بسبب الملفّ الأوكراني وعقابيلة وتداعياته المعقدة، والهوّة شاسعة بين الدولتين وهي أعمق من حرب باردة وشراسات عملانية بين البنى الاستخبارية في كلا المجتمعين، وهي ذات تداعيات عرضية ورأسية، وعمليات تعبئة ايديولوجية تاريخية باحتقانات استراتيجية وسياسية على طول خطوط واشنطن ـ موسكو، لا حلّ لها في اعتقادي إلاّ بانفجارات مبرمجة بشكل ثنائي، لإعادة إنتاج صيغ أخرى لقواعد اللعبة الأممية وإسقاطاتها، لوضع لبنات جديدة بجانب الموجود منها نحو عالم متعدّد الأقطاب.

للولايات المتحدة الأميركية متاهاتها الاستراتيجية العميقة، حيث كانت المتاهة الأولى لها في أفغانستان وما زالت، ثم العراق وما زالت، وعبر الأنبار تعود من جديد، فسورية الأصعب والأشدّ وما زالت، والآن المتاهه الأوكرانية وعقابيلها التي تتدحرج ككرة الثلج، الى المتاهة العرضية في شبه القارة الهنديّة حيث تتفاعل من جديد، ثم جاءت المتاهة اليمنية الحالية، فأم المتهاهات العمودية والعرضية الاستراتيجية الدولاتية الأميركية، هي المتاهه السورية الأصعب والأعمق والأشدّ، والنتيجة فيها تحدّد مصير المتاهات الأخرى وشكل العالم الجديد.

انّ جنين الحكومة الأممية البلدربيرغ الأميركي هو صاحب هذه المتاهات وصانعها، فيستغلّ حالة الاستعصاء الدولي والاحتقانات الشاملة كنتاج للحدث والمسألة السورية، وما خلّفته من سحب دخانيّة سوداء عميقة قد تستمرّ لسنين عديدة، من شأنها أن حجبت وتحجب عيون العالم عن ساحات أخرى من المعمورة، لا تقلّ أهميتها الاستراتيجية عن أهمية سورية أو أهمية الحدث الأوكراني الحالي مثلاً، وكذلك الحدث اليمني الآني تحاول واشنطن وضع استراتيجية خروج للسعودي منه قد تكون عبر تلك الهدنة الأنسانية ، من أجل تحقيق عمق مصالحه ومكتسباته كحكم أممي حكم البلدربيرغ الأميركي ، وربط اقتصاديات العالم من جديد بالاقتصاد الأميركي، للخروج من الأزمة الاقتصادية الأميركية الحالية، والتي من شأن استمرارها وتفاقمها، أن يقود الى إفلاس الولايات المتحدة الأميركية.

لذلك سارع الكونغرس مؤخراً إلى السماح لإدارة أوباما بالاقتراض المالي دون سقف محدّد، وهذا لن يمنع الإفلاس المالي في أميركا وإنما سيؤجّله، وتحتاج واشنطن الى مصادرات لاحقة ستجري لأموال الدول الخليجية المخزّنة في خزائن المال الأميركية، بسبب دعمها للإرهاب وما شابه، عبر مشاريع قوانين مرتقبة من نواة هذا البلدربيرغ الى بيت التشريع الأميركي.

لذا سارعت الرياض وعبر التشريع لقوانين مكافحة الإرهاب في الداخل السعودي والخارج السعودي، مع سحب لبعض الملفات ووضعها في عهدة آخرين، وإجراء لديناميات مراجعات سعودية شكلية إزاء الحدث السوري، لا أوهام في الموقف الجديد للرياض، فليس هناك تحوّل سعودي نوعي في مقاربة الحرب على سورية، الخلاف الأميركي السعودي في الملف السوري خلاف على الأولويات، وعلى الإدارة كمفهوم لهذه الأولويات.

معركة روسيا جوهرها سورية

أوكرانيا هي عتبة البيت الروسي نعم، وهذا هو الواقع وعلم الرياضيات السياسية، وليس من الحكمة بمكان أن يقاتل العدو الغربي والأميركي على العتبة البيتيّة، لأنّه هنا صار داخل البيت فتتمّ مقاتلته داخل عقره وحدائقه الخلفية، عبر تعزيز وبناءات جديدة للقواعد العسكرية الروسية في كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا وفيتنام، فمحور واشنطن ـ تل أبيب ومن ارتبط به من غرب وبعض عرب متصهين واهم ومخادع، عرض المعادلة التالية بكل بساطة: سورية مقابل أوكرانيا فتمّت الإجابة بالرفض، وكانت اللا الروسيّة بحجم العالم! حيث الموقف الروسي قائم على رؤية بعيدة المدى واستراتيجية دقيقة متماسكة وحسابات علم الرياضيات السياسية، حيث أوكرانيا لا تشكل سوى جزء ومهم ولكنه محدّد، حيث المشتركات بين الحدث السوري والحدث الأوكراني في الجغرافيا والاستراتيجيا.

نعم الوجود العسكري الروسي على الشاطئ السوري يمثل حالة التوازن مع الوجود الأطلسي في تركيا، بل لكسر هذا الحاجز التركي الأطلسي الذي أريد له أن يشكل مانعاً من تدفقات الوجود الروسي في جنوب تركيا، وبالتالي واهمون وسذّج من يعتقدون أنّ الوجود الروسي في سورية وعلى الساحل في طرطوس، هو وجود ثانوي نسبة الى حضورها في شبه جزيرة القرم، فروسيّا الخارجة من سورية هي روسيّا الغارقة عندّ عتبتها الأوكرانية، وهي روسيّا المقفل في وجهها بحرها الأسود رئتها ، باختصار روسيّا الخارجة من سورية كما يريد المحور الصهيوني الأميركي الغربي البعض العربي الواهم والمخادع، يعني روسيّا الخاسرة لمصالحها الاستراتيجية والفوق الاستراتيجية، كون جوهر معركة موسكو ليس في أوكرانيا بل في سورية، والأخيرة هي جوهر الفكرة، وبالتالي هي المعركة الكبرى والأولى أي المعركة في أوكرانيا هي ثغرة صغيرة رغم أهميتها.

روسيّا نجحت في جعل عنوان النسق السياسي السوري العقدة والحلّ معاً، لا بل وواسطة العقد في الحلّ نفسه حفاظاً على الأمن والسلم الدوليين، ونكايةً بالطرف الخارجي في الحدث السوري من أميركيين وبريطانيين وفرنسيين وبعض العرب، والروس أرسوا توازناً دقيقاً حال وما زال يحول دون تدخل عسكري خارجي في سورية، كما يحول دون سقوط الرئيس الأسد وإخراجه كرهاً أو حبّاً، من أتونات المعادلة السورية الوطنية، إنْ لجهة المحلي وتعقيداته، وانْ لجهة الإقليمي وتداعياته ومخاطره، وانْ لجهة الدولي واحتقاناته وتعطيله وآثاره على الأزمة الاقتصادية العالمية، وبالتالي آثاره على نسب النمو الاقتصادي واستعادة المنظومة الاقتصادية الأممية لعافيتها، بعد أزمة الرهن العقاري وارتباطاتها في الولايات المتحدة الأميركية شرارة وجوهر الأزمة الاقتصادية الأممية .

الدفاع عن دمشق هو دفاع عن موسكو

كما نجحت موسكو وبقوّة في أن جعلت الرئيس الأسد ونسقه السياسي طرفاً رئيسياً في التسوية، وانّ بقاء الأسد ونسقه ليس فقط ثمناً من أثمان مسألة التسوية الكيميائية السورية، كما يظنّ السذّج من الساسة والذين تمطى رقابهم كالعوام، بل أنّ الرئيس الأسد بالنسبة إلى الديبلوماسية الروسية الفاعلة والجادّة، خارج دائرة التفاوض والمساومة ومسألة خارج النقاش بالنسبة إلى روسيا وإيران ودول «بريكس».

وبالتالي لم يعد الحوار مع النسق السياسي السوري مشروطاً برحيل الأسد أو تنحّيه، لقد غرس الروس هذه الأفكار غرساً في عقل جنين الحكومة الأممية ملتقى اليهود الصهاينة، والمسيحيين الصهاينة، والمسلمين الصهاينة، والعرب الصهاينة، بأنّ ما يجري في دمشق يجري في موسكو ودفاعهم عن دمشق هو دفاع عن موسكو.

نعم! لا عيب ولا تثريب على موسكو بعد اليوم، حيث كانت المسألة السورية وحدثها بالنسبة لها، مدخلاً واسعاً إلى رسم معادلات وخطوط بالألوان والعودة إلى المسرح الأممي، من موقع القوّة والشراكة والتعاون والتفاعل بعمق، وتحمّل المسؤوليات ضمن الأسرة الدولية الواحدة في عالم متعدّد الأقطاب، لإحداث التوازن الأممي الدقيق في شتى الأدوار والقضايا بما فيها الصراع العربي «الإسرائيلي» كصراع استراتيجي وجودي في المنطقة والعالم، بالنسبة إلى العرب الحقيقيين، والمسلمين الحقيقيين، لا عرب صهاينة ولا مسلمين صهاينة، ولا عرب البترول والغاز.

نعم من حق روسيّا ونواتها وعنوان الأخيرة الرئيس بوتين أن يقول: ثبات وتماسك الجيش العربي السوري العقائدي ضمن وحدة وثبات النسق السياسي السوري، وعنوان هذا النسق الرئيس الأسد قد جلبوا العالم أجمع إلى الاتحاد الروسي.

… لم تكن روسيا بحاجة إلى سنوات لتعيد ترتيب بيتها الداخلي وآفاقه الخارجية، كي تعود بقوّة إلى واجهة المسرح الدولي، أذكر كمتابع ما بعد احتلال بغداد ذهبت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة رايس التي كانت مستشارة للأمن القومي آنذاك إلى القول بحق جبهة الممانعة الأوروبية للتدخل الأميركي السافر في العراق المتكوّنة من فرنسا وروسيا وألمانيا آنذاك، ملخصةً سياسة بلادها بحق هذه الدول حيث نطقت: علينا أن نعاقب فرنسا ونسامح ألمانيا ونهمل روسيا، فقد استطاعت موسكو أن تخرج من المخاض العسير غير المكتمل، الذي دخلته مع انهيار حلف وارسو وتداعي الاتحاد السوفياتي السابق خلال ثلاث سنوات فقط على مقولة الدكتورة رايس الآنفة مثبتة خطأ مقولتها، فهي لم تفهم أيّ رايس حقيقة الفدرالية الروسية جيداً، بالرغم من أنها توصف بأنها خبيرة في الشؤون الروسية، فالشعور القومي الوطني الروسي والمستند إلى ارث الاتحاد السوفياتي، وقوته العسكرية والنووية الاستراتيجية وإمكاناته الاقتصادية والطبيعية، مع وجود زعيم قومي روسي هو فلاديمير بوتين ذي الرؤية الواضحة والذي يفكّر ويعمل في الاتجاه الصحيح، أفشل ما كانت ترجوه وتتمناه العاصمة الأميركية واشنطن دي سي من انهيار كامل للدولة الفيدرالية الروسية.

… الوضع الروسي في الشرق الأوسط له آفاقه الخاصة، فموسكو حاضرة وبقوّة على كلّ الجبهات: من إيران إلى فلسطين المحتلة، ومن مياه الخليج المسلوبة السيادة أميركياً، إلى سورية التي تتعرّض لحرب كونية سافرة، إلى لبنان الساخن، مروراً بالعراق المحتلّ والذي يتعرّض إلى حالات مخاض عسير، عبر بعض أطراف من العربان المرتهنين للخارج.

قوة الديبلوماسية واستعادة مواقع النفوذ

موسكو تعود بقوّة وديبلوماسيتها أخذت تظهر دينامية متنامية إزاء الأزمات التي تهزّ المنطقة، وصارت موسكو وبشكل متجدّد وجهة رئيسية للتعاطي مع هذه الأزمات، وعادة مرةً أخرى إلى المياه الدافئة في الخليج والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط.

ولم تكن وزارة الخارجية الروسية يوماً ما، قسماً ملحقاً بوزارة الخارجية الأميركية، بل على العكس تحوّلت موسكو في عهد بوتين لثلاث فترات رئاسية إلى طرف نشط يقدّم مقترحات ويدافع عنها، فالديبلوماسية الروسية تسعى جاهدةً وبثبات لاستعادة مواقع النفوذ التقليدية لديبلوماسية الاتحاد السوفياتي السابق، من خلال التخلي عن العامل الايديولوجي والتركيز على عامل المصالح الاستراتيجية بالدرجة الأولى، معطوفاً على ما يمكن أن توفره موسكو بفضل موقعها كقوّة عظمى لها دور رئيسي في مجلس الأمن الدولي وفي الرباعية الدولية للسلام في الشرق الأوسط، بالرغم من أنّ ملف السلام صار ملفاً «إسرائيلياً» داخلياص، تنهيه الأخيرة مع الجانب الفلسطيني لوحدهما، ولم يعد ملفاً أميركياً رئيسياً كما تروّج بعض وزارات الخارجية العربية والتي تمارس ديبلوماسيات الصعاليك كنهج متصعلك.

وتأتي عودة موسكو على الجبهة الدولية والجبهات الإقليمية الأخرى، على أساس الاستفادة من الصعوبات التي تعاني منها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، وهذا يمنحها صك تواصل وانفتاح على تلك الأطراف التي لا تتعامل معها واشنطن، حيث تستفيد وتوظف موسكو بؤر النزاعات والملفات الساخنة لإسماع صوت مختلف عن الصوت الأميركي والغربي بشكل عام، وهذا ما يجعلها مسموعة ومقبولة لدى الجانب العربي لوقوفها إلى جانب حقوقه المشروعة، وأقلها إقامة دولته على الأراضي المحتلة لعام 1967 وعودة القدس الشرقية لتكون عاصمة لتلك الدولة وعودة اللاجئين والنازحين إليها، فروسيا اليوم لاعب نزيه وحقيقي وعادل في كواليس الصراع العربي ـ «الإسرائيلي» وجوهره القضية الفلسطينية ، كما هي لاعب نزيه وعادل وحقيقي في تداعيات ما يُسمّى بالربيع العربي، ودورها الحقيقي والفاعل والمتصاعد في الحدث السوري، للحفاظ على الدولة السورية وعلى الأمن والسلم الدوليين.

تقول المعطيات النظرية لعلم العلاقات الدولية، بأنّ التوازن الإقليمي يرتبط دائماً بالتوازن الدولي، وبتنزيل هذه الحقيقية إلى الواقع الميداني، فقد كان التوازن الإقليمي الخاص بمنطقة الشرق الأوسط يرتبط بالتوازن الدولي الخاص بنظام القطبية الثنائية خلال فترة وجود القوتين العظميين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق ولكن بعد انهيار القطبية الثنائية وانفراد واشنطن بالزعامة محاولةً الهيمنة على النظام الدولي، بدا واضحاً أنّ منطقة الشرق الأوسط قد شهدت على أساس اعتبارات التوازن الدولي، حدوث فراغ في الميزان الأممي بسبب غياب القوّة السوفياتية التي انهارت وعدم تقدّم روسيا أو الصين لملء الفراغ في الميزان الدولي، صعود قوّة «إسرائيل» في ميزان القوى الإقليمي، هبوط قوّة الأطراف العربية في ميزان القوى الإقليمي، مع الأخذ بعين الاعتبار حالة انقسام سادت في المنطقة العربية، بحيث أكد ما يُسمّى بمحور الاعتدال في المنطقة والذي يُعاد إحياؤه من جديد على ضرورة المضيّ قدُماً في القبول بالنفوذ الأميركي وتقديم التنازلات للمشروع «الإسرائيلي» الأميركي الغربي. وعلى الطرف الآخر، أكد ما يُسمّى بمحور الممانعة بالمنطقة على ضرورة المضيّ قدُماً في الاعتماد على الإرادة العربية والقدرة الذاتية ومبادئ العدالة والحقوق المشروعة، كوسيلة لمواجهة المشروع «الإسرائيلي» الأميركي الغربي في المنطقة الشرق الأوسطية.

روسيا: جهود استراتيجية وتكتيكية

الآن تمثل جهود روسيا الفدرالية، بمواقفها المختلفة إزاء ما يجري على عتبة بيتها في أوكرانيا، وإزاء الحدث السوري وإزاء إيران وبرنامجها النووي السلمي، وإزاء الدور التركي المتلوّن وكافة الملفات الأخرى في المنطقة وعلى رأسها الملف اليمني، وبما فيها ملف التسوية السياسية، هذه الجهود الاستراتيجية والتكتيكية تشكل رسائل جديدة تحمل الإشارات التالية:

بدء عودة روسيا لمنطقة شرق المتوسط، من أجل ملء الفراغ الذي خلّفه انهيار الاتحاد السوفياتي، ردع النفوذ الأميركي في المنطقة، عن طريق التأكيد بأنّ أميركا لن يكون في وسعها الانفراد الكامل بممارسة النفوذ على المنطقة، ردع «الإسرائيليين» من مغبة اعتماد استخدام القوّة الغاشمة المرفوضة، وديبلوماسية العمل من طرف واحد عن طريق وضع «الإسرائيليين» أمام روادع على النحو التالي:

إنّ موسكو تمثل لاعباً دولياً مؤثراً في الساحة الأممية، لأنّ لها دوراً كبيراً في إدارة الصراع الدولي الديبلوماسي في مجلس الأمن الدولي واللجنة الرباعية، إنّ موسكو قادرة على تعزيز قوّة الأطراف الأخرى، وإعادة نظام سباق التسلح الذي سبق أن شهدته المنطقة على النحو الذي يضعف التفوّق العسكري النوعي «الإسرائيلي» الحالي، ولموسكو خريطة طريق جديدة في الشرق الأوسط، حيث تتحدّث المواقف الروسية عن نفسها، بأنّ موسكو تسعى حالياً إلى معاقبة الولايات المتحدة الأميركية عن طريق القيام بلعب دور معاكس لواشنطن في منطقة الشرق الأوسط، رداً على دور واشنطن المعاكس في أوكرانيا وشبه جزيرة القرم تحديداً، وفي منطقة البلقان وشرق أوروبا ودفاعاً عن مصالحها الاستراتيجية عبر الحدث السوري، لقد فعلت موسكو وعبر ديبلوماسيتها الجادّة فعلها، ومارست شتّى الضغوط، على «إسرائيل» وواشنطن في الشرق الأوسط، إلى عقد تفاهمات بين موسكو وواشنطن تتراجع بموجبها واشنطن عن استهداف النسق السياسي السوري، وتقديم تنازلات لموسكو في ملفات نشر برنامج الدفاع الصاروخي والقواعد العسكرية الأميركية وغيرها، وفي المقابل تتراجع موسكو عن ملفات الشرق الأوسط غير الاستراتيجية، وعدم استهداف المصالح الأميركية، وخاصة في جورجيا على أن يكون ذلك بالتفاهم معها.

ولكن على العكس تماماً، تبدو التحركات الروسية وهي تشي إلى أنّ ثمة «خريطة طريق روسية دولية» تقوم موسكو بتقفّي معالمها الرئيسية، كون التحركات الروسية المعاكسة لأميركا شملت:

منطقة الخليج العربي: سبق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين زيارتها. منطقة الشرق الأدنى: يوجد صعود روسي معاكس لأميركا في أوكرانيا لما لا والأخيرة هي عتبة البيت الروسي، أرمينيا، منطقة القوقاز والقفقاس، إضافة إلى الموقف الروسي المتجدّد والثابت والداعم للنسقين السوري والإيراني.

منطقة آسيا الوسطى: استطاعت موسكو أن تضعف الوجود الأميركي في آسيا الوسطى عن طريق الاتفاقيات الثنائية مع دولها الخمس: تركمانستان، أوزباكستان، كازاخستان، طاجيكستان، وكيرغيزستان. منطقة الشرق الأقصى: تحركات روسيا في ملف الأزمة النووية الكورية الشمالية بحيث أدّت إلى إضعاف الموقف الأميركي المتشدّد في المنطقة، ويُضاف إلى ذلك انخراط موسكو بكين ضمن منظمة تعاون شنغهاي كمنظمة إقليمية، استطاعت أن تفرض نفوذها الجيويوليتيكي على الإقليم الأوراسي الذي يضمّ روسيا، الصين، منغوليا، دول آسيا الوسطى، والذي سبق أن أجمعت كلّ النظريات الاستراتيجية على انّه يمثل مفتاح السيطرة على العالم، باعتباره يمثل منطقة القلب الاستراتيجي لخريطة العالم.

من ناحية أخرى، إنّ انخراط روسيا في أجندة الصراع العربي «الإسرائيلي» ضمن جهد شامل ونوعي، بالإضافة لما ذكر سابقاً في متن هذه القراءة السياسية، يهدف من جهة أخرى مكافحة ومواجهة انخراط واشنطن المتزايد في إقليم أوراسيا آسيا الوسطى، القوقاز، القفقاس كذلك البدء بالتحركات المتعلقة بالملف النفطي، مع كل من مصر والجزائر وغيرها من البلدان الشرق الأوسطية النفطية، لبناء قوّة ناعمة نفطية روسية لجهة بناء تحالف نفطي روسي – شرق أوسطي.

حتّى الآن، تنظر التحليلات الأميركية إلى أنّ التحركات الروسية في الشرق الأوسط تهدف إلى معاقبة أميركا، ولكن كما هو واضح فإنّ التحرك الروسي يمكن أن يكون جزئيّاً بسبب هذه المعاقبة، وما لم تنتبه إليه التحليلات الأميركية الصادرة حتّى الآن، هو أنّ روسيا قد باشرت التصدّي للسلوك الأميركي في ملف كوسوفو ومنذ البدء وقبل ست سنوات من الآن، عن طريق استخدام الملف الجورجي وتداعيات هذا الاستخدام الروسي المشروع من وجهة نظر موسكو، على اعتبار أنّ ذلك يمسّ أمنها القومي ومجالها الحيوي، والآن الملف الأوكراني وما يمثله ذلك من مخاطر حقيقية على الأمن القومي الروسي.

وكما هو معلوم للجميع في المجتمع الدولي، إنّ جورجيا تمثل الحليف الرئيسي للولايات المتحدة الأميركية في منطقة القفقاس، تتعرّض لتكريس أزمة انفصال أبخاريا الشركسية، وانفصال أوسيتيا الجنوبية، وفي ردّ الفعل الروسي على انفصال كوسوفو، أعلنت روسيا وما زالت عن استعدادها لتأييد ودعم وتجذير انفصال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية عن جورجيا إذا تجرأت جورجيا على الانضمام إلى حلف الناتو. والأجراء الروسي ضدّ جورجيا، كما هو واضح لو حدث فانّه سيشكل خسارة كبيرة لواشنطن وحلف الناتو، كونه يقضي نهائياً على دولة جورجيا ككيان سياسي بما يترتب عليه سقوط النظام الجورجي الموالي لأميركا وصعود المعارضة الموالية لروسيا حقّقت المعارضة الجورجية انتصارات في الانتخابات التشريعية الأخيرة ، إضافة إلى انّه يعيق بشكل نهائي تمدّد حلف الناتو والنفوذ العسكري الأميركي إلى واحدة من أهمّ المناطق الاستراتيجية التي تمثل الحلقة الرئيسية في مخطط إغلاق البوّابة القفقاسية في وجه الفدرالية الروسية.

محام، عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية

Mohd ahamd2003 yahoo.com

www.roussanlegal.0pi.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى