جنيف 3 يعقد إذا…

حميدي العبدالله

أُعلن الأسبوع الفائت أنّ الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، والأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي، اتفقا على بذل مزيد من الجهود لإنعاش مفاوضات جنيف بين الحكومة السورية والمعارضة.

واضح أنه رغم هذه الدعوات التي كانت سبقتها أيضاً دعوة أصدرها وزير الخارجية الروسي للإسراع في عقد جنيف 3، فإنّ جنيف هذا لن يعقد في وقت قريب، أو على الأقلّ قبل إنجاز الانتخابات الرئاسية في مطلع حزيران المقبل. ومن الآن وحتى إنجاز الاستحقاق ُيتوقع أن تحصل تطورات تقود إلى تجاوز جنيف 3، إلا في حالة واحدة قد تقود إلى عقده بعد الانتخابات الرئاسية في سورية.

قبل عرض طبيعة هذه الحالة، تكمن العوامل التي قد تسدل الستار على جنيف في الآتي:

العامل الأول، استلزام متطلبات إجراء الانتخابات الرئاسية توفير الأمن والاستقرار في المناطق التي تضمّ كثافة سكانية لتسهيل مشاركة غالبية ساحقة من أبناء الشعب السوري في الانتخابات. وهذا يعني أنّ الجيش العربي السوري سيقوم بحسم عسكري واسع النطاق في المناطق المحيطة بالتجمّعات في هذه المحافظات، ويتوقع في هذا السياق أن تصبح محافظة حمص، أكبر المحافظات السورية لناحية المساحة الجغرافية، وثالث أكبر المحافظات لناحية عدد السكان، خالية تماماً من السلاح والمسلحن ويعود الأمن والاستقرار إليها، كما ستكون محافظة ريف دمشق، إضافةً إلى محافظة دمشق، خالية أيضاً من السلاح والمسلحين، ويتوقع أن يحدث تحوّل كبير في غضون شهر من الآن في محافظة حلب، وذلك كلّه سيكون ذا تأثير كبير في الحلّ السياسي وفي طبيعة تفاهمات جنيف، إذ يصبح مستحيلاً أن يكون ما ورد في جنيف 2 صالحاً لأن يكون أساساً سياسياً لعقد جنيف 3 فالأوضاع الميدانية والظروف السياسية شهدت تحوّلاً جذرياً مقارنة مع ما كانت عليه الحال لدى عقد جنيف 1 وجنيف 2.

العامل الثاني، إنجاز الانتخابات الرئاسية وانتخاب الرئيس بشار الأسد لولاية ثالثة، وهذا متوقع في ضوء حجم التأييد الذي يحظى به، وفي ضوء مستوى تأييد منافسيه في الانتخابات المقبلة. وبديهي أنه في ضوء نتائج مثل هذه الانتخابات سيكون مستحيلاً أن يكون في عداد جدول أعمال جنيف 3 بند متعلق بالمرحلة الانتقالية بالمفهوم الذي يتبناه الغرب والائتلاف المعارض.

العامل الثالث، تصاعد حدة التوتر بين روسيا والولايات المتحدة، وتدهور العلاقات بين البلدين إلى درجة غير مسبوقة، على الأقلّ منذ سقوط الاتحاد السوفياتي. فجنيف في الأساس ثمرة تعاون روسي ـ أميركي، وهذا التعاون غير قائم اليوم، وليس هناك تقاطع مصالح موقت يدفع الطرفين إلى التفاهم حول كيفية حلّ الأزمة في سورية وتحييدها عن الخلافات بين البلدين، لذا، حتى لو عقد جنيف 3 فإنه سيكون ميدان صراع بينهما، وستكون المواقف متباعدة، ويصعب جَسْرُ الهوّة التي تفصل الموقف بين موسكو وواشنطن.

في حالة واحدة يمكن أن يعقد جنيف 3، أيّ بعد إجراء الانتخابات الرئاسية في سورية مطلع حزيران المقبل.

هذه الحالة تتجسّد في قبول الغرب الأمر الواقع الجديد، والبحث عن أسلوب للتكيّف مع هذا الواقع يحفظ له ماء وجهه، ويسهّل عليه الادعاء بأنه لم يهزم بل حقق بعض أهدافه، أي عقد جنيف 3 على قاعدة الاعتراف بشرعية الانتخابات الرئاسية وتولّي الرئيس بشار الأسد رئاسة الجمهورية لولاية ثالثة، وتشكيل حكومة موسعة تشارك فيها المعارضة وفقاً للمراحل الثلاث التي شرحها الرئيس بشار الأسد في خطابه في دار الأوبرا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى