«المشروع الصهيوني» بين الأفول والتجديد…!
سومر صالح
بدايةً للتذكير فقط… المشروع الصهيوني منذ نشأته يقوم على فكرة وجود حاضن استعماري غربي تتقاطع معه المصالح الصهيونية والامبريالية في المنطقة بمختلف أشكالها وتسمياتها، تقاطع كتب معه 67 عاماً من تاريخ «الشرق الأوسط»، وتقاطع اختلفت معه النظريات والآراء حول الدور الصهيو «إسرائيلي» في تقدير علاقة ودور «إسرائيل» بما يحدث في المنطقة العربية تحت يافطة «الربيع العربي»، وباعتقادي هذا الاختلاف هو نوع من الترف الفكري والتنظير عديم الجدوى، والذي يمكن تلخيصه أنه «إسرائيلي» السبب والغاية بأدوات داخلية جرت تهيئتها بمناخات فشل النظام العربي برمّته في احتواء أزماته البنيوية ومشكلاته الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية، والذي جرى ترسيخها بِرضىً أميركي على مدى عقود خلت برعاية أنظمة فاشلة بالمعنيين السياسي والاقتصادي، جرى الانقلاب عليها تباعاً وتدريجاً حسب المقتضى والحاجة، وما دول الخليج حالياً إلّا على هذه الخطى، فإشارات اوباما إلى أنّ الخطر على دول الخليج مبعثه داخلي، لا تختلف في الجوهر عن تخلي الأميركيين عن حليفهم السابق حسني مبارك، ولو اختلفت في الشكل لاعتبارات تتعلق بالمصالح الأميركية في منطقة الخليج، حيث سادت في «إسرائيل» بدايةً حالة من الإرباك في تقدير مستقبل «الحراك السياسي والشعبي العربي»، لكنّ «إسرائيل» سرعان ما دخلت على خطوط ذلك الحراك بازدواجية واضحة بهدف احتوائه وتسخيره لمصالحها الأمنية والاستراتيجية، حيث أفضت هذه التحوّلات الإقليمية إلى تغيير في البيئة الاستراتيجية لـ«إسرائيل» بمستويين، مستوى سياسيّ بخروج نظام حسني مبارك من مصر وحدوث اضطرابات سياسية في الأردن، الأمر الذي هدّد اتفاقيات السلام الموقعة بين الكيان والدولتين العربيتين وهي ركيزة السلام مع «إسرائيل»، ومستوى استراتيجي، وهو حدوث الأزمة السورية بأبعادها الجيو استراتيجية وتعقد مسبّباتها وطرق حلها، وما تبع هذه الأزمة من تغيّر في جيوسياسية الصراع بين «إسرائيل» ومحور المقاومة بكامله.
فالمستوى الأول جرى احتواؤه أميركياً بدعم الانقلاب العسكري إنْ جازت التسمية في مصر على حكم «الإخوان المسلمين» بسبب إشارات الانفتاح في الحوار بين الإخوان وإيران، والذي أقلق «إسرائيل» رغم تقديم «الإخوان» لأوراق الاعتماد لـ«إسرائيل»، واحتواء الأزمة الأردنية بجملة من الحوافز الاقتصادية للمملكة والأدوار السياسية التي تفوق حجمها، أمّا على المستوى الاستراتيجي فحصل تبادل للأدوار «إسرائيلياً» وأميركياً لاستغلال الأحداث السورية إلى أقصى حدّ ممكن بما يخدم «إسرائيل» وفق منظورين: المنظور «الإسرائيلي» بالتعامل مع الأزمة السورية والذي يقوم على نظرية «لبننة سورية»، أي جعلها كلبنان إبان عقد الثمانينات من القرن الماضي، بمعنى دعم أطراف سورية لافتعال الحرب الأهلية وتحويل تلك الفصائل السورية إلى ميليشيات تحمي «إسرائيل» على شاكلة جيش لحد وسعد حداد في جنوب لبنان، بما يمكّنها من تحقيق جملة من المكاسب في ظلّ اشتداد تلك الأزمة، في مقدّمها إنهاك الجيش السوري بما يمنعه من القدرة على تحقيق أيّ عمل عسكري في الجولان، وكسر ظهر المقاومة اللبنانية سياسياً ولوجستياً انطلاقاً من محاولة تفتيت سورية، وإسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين انطلاقاً من محاولة كسر ظهر دمشق عربياً، وتقسيم العراق طائفياً بكسر العروبة والقومية اللتين تتمركزان في دمشق، وخنق إيران ومنعهاً من التمدّد، لذلك جرى العمل «إسرائيلياً» على عدة مسارات لتحقيق جملة الأهداف تلك، وهي الضربات الجوية لمراكز حساسة في سورية بما يضعف الجيش السوري، الاغتيالات «الإسرائيلية» لشخصيات عسكرية بأياد إرهابية رعتها ودرّبتها، الدعم اللوجستي والمباشر لجبهة «النصرة» على امتداد الجغرافيا من القصيْر إلى اللجاة في حوران، إضافة إلى الرصد والتنصّت وتزويد الإرهابيين بشكل مباشر بهده المعلومات.
وبالعودة قليلاً إلى المنظور الأميركي في التعامل مع المستوى الاستراتيجي للحدث السوري، فقد عملت واشنطن على تهيئة كامل المنطقة من تونس إلى سورية لتكون «إسرائيل» كياناً مقبولاً في المنطقة، فعملت على طرح مشاريع التقسيم انطلاقاً من ليبيا إلى العراق إلى سورية وصولاً إلى لبنان ومصر، وذلك على أجندات الحوار الدولي، إضافة إلى الفرض الأميركي على دول الخليج لإظهار تعاملها مع «إسرائيل» تحت مسمّى «لقاء المصالح» بمعنى «التطبيع» في مواجهة المخاطر والمقصود هنا «إيران النووية».
انطلاقاً من جملة ما تقدّم من حسابات صهيو أميركية جرت محاولة الانقضاض «إسرائيلياً» وأميركياً على «حماس» في العام 2014، في محاول كسر ظهر المقاومة الفلسطينية بعد أن ورّطها المال الخليجي القطري في أحداث سورية، وجرى تسخيرها لأجندات أميركية صهيونية في دمشق حاضنها وداعمها الأساسي في حربها ضدّ «إسرائيل»، ولكن السؤال المطروح الآن وبعد ما يقارب السنوات الخمس على اندلاع الأحداث العربية، وبالأخص السّورية، هل نجحت «إسرائيل» في الاستفادة من تلك الأحداث؟ قبل الإجابة على هذا التساؤل نعيد ونذكّر بالأهداف «الإسرائيلية» الاستراتيجية من وراء هذه الأحداث: وهي إنهاء الخطر السوريّ على مستقبل المشروع الصهيوني في فلسطين، كسر عظم المقاومات الوطنية في لبنان وفلسطين، إسقاط حق العودة وتحقيق مشروع «يهودية الدولة» في «إسرائيل»، وتحوّل «إسرائيل» إلى نقطة المحور في منطقة «الشرق الأوسط» بدلاً عن الدور الأميركي الذي فضل الاتجاه شرقاً، إضافة إلى تطويق روسيا في «الشرق الأوسط» من قبل «إسرائيل»، ولكن بمقاربة الأحداث مع مطلع العام 2015 نرى حقائق لا بدّ من الإشارة إليها:
أولاً، التواجد الروسي شرق المتوسط أصبح حقيقة قاطعة يضاف إليها ولأول مرة التواجد البحري العسكري الصينيّ.
ثانياً، المقاومة الفلسطينية نجحت في استيعاب الهجوم «الإسرائيلي» في غزة، بل نجحت في نقل المعركة إلى الداخل «الإسرائيلي»، والمقاومة اللبنانية تحوّلت من قوة ردع لبنانية إلى قوة ردع إقليمية، بل وأعطت نفسها دوراً هجومياً في تغيير قواعد الاشتباك العسكري في المنطقة انطلاقاً من عملية مزارع شبعا، بما يضع المقاومة اللبنانية في مواجهة المشروع الصهيوني برمّته…
ثالثاً، فشل نتينياهو في كسب التأييد الداخلي لمشروع «الدولة اليهودية» متزامنٌ مع فشله في إسقاط حق العودة، بتورّطه المباشر في الأزمة السورية وفشل أدواته الداخلية، وخصوصاً «النصرة»، في تهجير الفلسطينيين من مخيم اليرموك.
رابعاً، فرضت إيران نفسها قوة عسكرية وسياسية في المنطقة بما يمكّنها من لعب الدور المحوري مستقبلاً…
إذاً بمقارنة الأهداف «الإسرائيلية» الأميركية والحقائق الثابتة على الأرض نستنتج أنّ مستقبل المشروع الصهيوني الجديد في المنطقة يرتبط بمجريات الحدث السوري بشكلٍ مضطرد، فالنجاح الصهيو أميركي مرتبط بسقوط عقيدة الدولة السّورية، وصمود الدولة والانتقال إلى صنع الانتصارات يسقط المشروع الصهيوني، من هنا تأتي أهمية معركة القلمون باعتبارها معركة على مشروعين، مشروع صهيوني يحلم بمنطقة عازلة، ومشروع مقاومة يرى في نصر القلمون طريقاً إلى نصر الجولان بشكلٍ أو بآخر.
بالانتقال إلى مستوى آخر… ما هي تداعيات النصر السوري المشترك مع حزب الله على مستقبل «المشروع الصهيوني في فلسطين، هذا المشروع وعلى مدى 67 عاماً فشل في تحقيق أيّ اختراق على المستوى الثقافي والشعبي العربي رغم تآمر أنظمة عربية ورغبتها في التطبيع معه، وفشله في إيجاد هوية سياسية لنظامه السياسي، بل تعمّقت الخلافات الداخلية «الإسرائيلية» السياسية والدينية حول ماهية المشروع الصهيوني برمّته، ليجد نفسه محاصراً بمقاومة فلسطينية ومقاومة لبنانية وجيش سوريّ صامد في وجهه يأبى الاستسلام ويتهيّأ لإعلان النصر تلو النصر، وعلى المستوى الإقليمي بدأت قوى إقليمية كإيران تأخذ دورها على المستوى الدولي بما يحجّم أيّ دور لـ«إسرائيل» في المنطقة مستقبلاً، وعلى المستوى الدولي تمادت «إسرائيل» في عداوتها لروسيا انطلاقاً من جورجيا إلى أوكرانيا والشيشان، أمّا داخلياً فنظام سياسي عنصري استيطاني بدأت تعلو معه الأصوات الدولية المندّدة بانتهاكاته لحقوق الإنسان «حتى ضدّ اليهود أنفسهم».
إذاً… مستقبل المشروع الصهيوني هو التحجيم والانكفاء نتيجة أفول المشروع الأميركي وتغيّر أجنداته الدولية، بمعنى أفول الحاضن الاستعماري، والتشرذم الداخلي بفعل نظام الفصل العنصري المعمول به داخلياً والخلافات على مدى «يهودية إسرائيل»، والحصار الإقليمي بقوى ترفض التطبيع وترفض إسقاط حق العودة، من هنا نستطيع القول إن المشروع الصهيوني بلغ ذروته مع العام 2010 ليبدأ بالانكماش مع صمود الجيش والمقاومة انطلاقاً من «باب عمرو» والقصيْر، هذا المشروع الصهيوني ارتبط ظهوره مع ظهور المطامع الاستعمارية الغربية البريطانية ولاحقاً الأميركية، ليبدأ هذا المشروع بالعدّ التنازلي للانفصال عن المشروع الغربي بمعنى التجديد في الدور وعلى الأرجح في الايدولوجيا، فما هي سيناريوهات التجديد؟! وملامح المستقبل في المنطقة.