نادر: قفزت فوق التقاليد البالية والقيود واعتلت صهوة العمل السياسي والاجتماعي فارس: مناضلة عابرة للطوائف في حياتها وأعلت مدماكاً مضيئاً لتاريخ نسائنا القوميات

أقام الحزب السوري القومي الاجتماعي وتجمّع النهضة النسائية، احتفالاً تكريمياً للأمينة المناضلة الراحلة سهام جمال، الرئيسة السابقة لتجمّع النهضة النسائية، وذلك في قصر الأونيسكو ـ بيروت.

حضر الاحتفال إلى جانب عائلة الراحلة، رئيس المجلس الأعلى في الحزب الوزير السابق محمود عبد الخالق، نائب رئيس الحزب توفيق مهنا، الرئيس السابق للحزب مسعد حجل، كريمة الزعيم أليسار سعاده، وعدد من العمد وأعضاء المجلس الأعلى والمكتب السياسي والمسؤولين وأعضاء المجلس القومي.

كما حضر الاحتفال الأمين العام للمجلس الأعلى اللبناني ـ السوري نصري خوري، رئيسة تجمّع النهضة النسائية منى فارس وأعضاء هيئة التجمّع، والرئيستان السابقتان للتجمّع الدكتورة دعد ربيز ونجوى الداعوق، وفد من جميعة نور، رئيسة المجلس النسائي اللبناني ممثلة بناديا الأسعد، غزوة الخنسا عن هيئة دعم المقاومة، وفد من الهيئات النسائية في حزب الله، سعاد سلوم عن بيت المرأة الجنوبي، ليندا مطر من لجنة حقوق المرأة، سوزان مصطفى عن الحزب العربي الديمقراطي، سناء الصلح عن لجنة الأمهات، وفد من مؤسسة رعاية أسر الشهداء، وفد من جمعية «ممكن»، وفاعليات نسائية وعدد كبير من رفقاء وأصدقاء الراحلة.

افتتح الاحتفال بالنشيد الوطني اللبناني، ثم ألقت ناموس عمدة الثقافة والفنون الجميلة مينار الناطور كلمة التقديم والتعريف، وبعد الوقوف دقيقة صمت تحية للراحلة وللأمين المناضل صبحي ياغي، الذي رحل صبيحة يوم التكريم.

كلمة الأصدقاء

وألقى عضو المجلس القومي إيلي عون كلمة باسم أصدقاء الراحلة، فأشاد بنضالها وجرأتها وقدرتها على تحمّل المصاعب، فهي لبّت نداء الواجب في مقتبل العمر، ويمّمت وجهها شطر ساحة الجهاد من أجل بناء لبنان جديد ومن أجل أمة قومية اجتماعية راقية.

وأشار عون إلى أنّ الراحلة كانت صاحبة القلم الملتزم والمواقف الجريئة في مسيرة عطاء لا ينضب، وتضحية لا حدود لها، واستمرّ نضالها وتضاعف برفقة شريك حياتها الأمين المناضل أنيس جمال، من بيت عز إلى بيت عز. لم يفارقها همّ النهضة وانتشارها أبداً، لم يكن عندها همّ آخر يوازيه، ولا وقت إلا وقت النهضة والصراع من أجل انتصار مبادئ النهضة القومية الظافرة.

أضاف: في البيت أسّست عائلة قومية اجتماعية، بشرى، رائد وعماد، وفي الأمة لم يذهب نضالها ونضال كافة القوميين الاجتماعيين والشرفاء سدى، وخاصة في «تجمّع النهضة النسائية» وخلافاً لما يظنّه الكثيرون فقد أتى النضال أكُلَه، وها نحن اليوم نشاهد الأمة جمعاء تردّد خلف سعاده قوله «إنّ الحياة كلها وقفة عز فقط».

وبالرغم من التجزئة والأمراض فنحن أمة غلابة قوية الشكيمة، فها هي المقاومة إحدى نتائج الزرع القومي التي ساهمت الأمينة الراحلة فيه، في أرضنا المعطاء، لا خوف علينا طالما أننا نقاتل ونسترخص الدماء في سبيل الحياة.

كلمة التجمّع

وألقت رئيسة التجمّع منى فارس كلمة استهلتها بالقول إنّ في الراحلة عدة نساء، هي في العقيدة، المناضلة العابرة للطوائف في حياتها الشخصية، غير الآبهة بظلام السجن، المتحصّنة بقناعة جعلتها أصلب من قضبانه، فأضافت مدماكاً مضيئاً إلى تاريخ نسائنا القوميات الاجتماعيات، وكانت قدوة لمن يقرن القول بالفعل.

وقالت: الأمينة سهام ذات شخصية ملامحها واضحة، تترك أثرها في من تلتقيه، صريحة، مباشرة، واثقة من رأيها، تمتلك روح فنانة أنثوية تجمع بين الأناقة والحزم، امرأة قوية كالرجال، جميلة كالنساء.

ثم تحدّثت فارس عن إنجازات الراحلة، وعن التراث الاجتماعي الذي أسّست له، وهو ما زلنا ننهل منه حتى الآن في «تجمّع النهضة النسائية». إذ أنها من مُؤسِّساته، وترأست هيئته الإدارية لمدة كانت كافية كي تضع له منطلقات واضحة وأداء وأهدافاً غير محصورة بالنضال النسائي، إنما ربطته بالنضال الوطني انطلاقاً من فكرنا القومي الاجتماعي المؤمن بوحدة المجتمع، والمؤمن بتكامل المرأة والرجل في مواجهة القهر في أوطان هي المقهورة بحدّ ذاتها. فكانت التوعية الاجتماعية والوطنية بكافة أشكالها إحدى أهمّ نشاطات التجمّع وما زالت، كون الطائفية وهي إحدى وجوه العنصرية، من أهمّ أسباب الفساد والقهر في أمتنا، وقد تجسّدت في زمننا الحالي بالمذهبية وها نحن نحصد ويلاتها الآن.

أسّست حضانة الفرح وما زلنا حتى الآن نحافظ عليها بالرغم من كلّ الظروف المحيطة، وقد تمّ نقلها إلى منطقة الأوزاعي حيث تحتضن أولاد الفقراء ويحتضنها الفقراء بدورهم.

أقامت الدورات التدريبية التأهيلية للمرأة، مؤمنة بأنّ حيازة المرأة على خبرات ومهن تخوّلها الدخول في مجال الإنتاج والمساهمة جنباً إلى جنب مع الرجل في الاقتصاد الوطني. حاربت الجهل بالتمكين والمعرفة لأنّ الجهل كالتعصّب عائق أمام الارتقاء الاجتماعي. قضيتها الأساس هي قضية كلّ قومي اجتماعي «المقاومة»، مقاومة «إسرائيل» أينما وجدت على الأرض أم في النفوس، فلم تخطئ البوصلة وبكلّ جرأة توجهت إلى مقر الأمم المتحدة عام 1982 غداة الاجتياح «الإسرائيلي» للبنان، لتصرخ في وجه الظلم والعدوان الغاشم.

وختمت فارس كلمتها قائلة: لا يمكن الإحاطة بكلّ وجوه هذه المرأة، هي مقاتلة شرسة، فنانة مرهفة، شاعرة تقدّر الفن، رسامة تحمل البندقية، هي الأمينة سهام جمال.

كلمة «القومي»

وألقى مدير الدائرة الإذاعية في الحزب القومي كمال نادر كلمة مركز الحزب، فرأى أنّ الأمينة سهام جمال قدّمت خلال عمرها أعمالاً كثيرة في مجالات النضال الحزبي والعمل الاجتماعي، وفي الإعلام والثقافة، وكانت من أول وأجمل الوجوه التي أطلت على الناس عبر تلفزيون لبنان وقت تأسيسه، فهي امرأة مميّزة لم تعبر هذا الوجود بشكل روتيني ورتيب وبارد، بل قفزت فوق التقاليد البالية والاعتبارات الطائفية والقيود الاجتماعية، واعتلت صهوة العمل السياسي والاجتماعي بشكل بارز، وستبقى ذكراها ماثلة في الأذهان عند كلّ معارفها وفي تاريخ حزبها، وفي الذاكرة الاجتماعية للبنان والشرق.

وبعد أن عدّد نادر أسماء نساء كان لهنّ دور في بناء الحزب القومي وفي حركته منذ تأسيسه، وفي سنوات نضاله المرير وصراعه مع السلطات الانتدابية والمحلية، قال إنّ للمرأة في تاريخ حزبنا دوراً قيادياً وقيمة إنسانية عالية دون تمييز بينها وبين الرجل، وكان الحزب سباقاً في هذا المجال، وأعاد بذلك مجد المرأة في التاريخ السوري الذي سطعت عبره ملكات وأميرات نذكر منهنّ أليسار وزنوبيا وجوليا دومنا وآنا دومنا، وكان ذلك قبل أن تأتي على بلادنا مفاهيم ظلامية متخلفة وغزوات مغولية وعثمانية دمّرت الحضارات وسبت النساء وباعتهنّ في سوق الرقيق والعبودية.

وذكر نادر بالشهيدات إبان احتلال لبنان من قبل العدو الصهيوني حيث أشرقت عروس الجنوب الاستشهادية سناء محيدلي وتبعتها المقاومات الاستشهاديات ابتسام حرب ونورما ابي حسان ومريم خير الدين وزهر أبو عساف وفدوى غانم وغيرهن من اللواتي شكلن منارات في هذه الأمة.

وتوجه بالتحية إلى المقاومة في لبنان وفلسطين وفي سورية والعراق، ثم قال إننا نعاني من حرب شرسة تحطم حياتنا الوطنية وتدبّ الفوضى والموت في وطننا وعالمنا العربي، وانّ ضياع فلسطين سنة 1948 والذي نسمّيه «النكبة» صار نكبة صغيرة أمام النكبات التي نتجت عنه وتفرّعت في الوجود اليهودي والاستعماري ومخططاتهما الشيطانية الرهيبة والمموّلة من دول عربية بكلّ أسف.

وختم كلمته داعياً إلى الاستمرار في الصراع وتسجيل الانتصارات لتتراكم وتشكل النصر الحاسم والأخير، كما حصل في أيار 2000، عندما اكتمل التحرير نتيجة تراكم الانتصارات منذ إطلاق رصاصات المقاومة الأولى وعمليات الفداء البطولية.

كلمة العائلة

وكانت الكلمة الختامية لابنة الراحلة بشرى جمال التي رأت في والدتها الحياة والسعادة أينما حلَّت، تضفي الروح والفرح على كلّ مجلس نزلت به.

وقالت مخاطبة والدتها: أحببت الحق والخير والجمال وعشت هذه الفضائل طوال حياتك ومارستها، وكنت من الأوائل في هذا المضمار، فأعمالك وكتاباتك خير شاهد على ذلك، كرهت الوصولية و«الاستزلام» وعشقت عزة الحياة. وها هم رفيقاتك ورفقاؤك من هذه العائلة الكبيرة مجتمعين هنا لتكريمك، ونحن بدورنا، العائلة الصغيرة، وبِاسمك، نشكرهم جميعاً.

أضافت: والدتي الأمينة سهام كانت بارعة في كلّ ما تفعل، بارعة في الكتابة وفي الطبخ أيضاً، حلوة، ذكية، متواضعة، صريحة، قوية، عميقة، معطاءة، عقلها واسع وقلبها كبير… أمّ لنا ولكثيرين غيرنا… زوجة، أخت، صديقة، مساعدة اجتماعية ناشطة، محللة سياسية بارعة، مناضلة من أجل الحرية، الحق، الواجب، النظام، الصدق، الخير والمسؤولية، على الصعيد الشخصي وعلى الصعيد العام.

شقيقي رائد ذكرني على ما تربّينا عليه. ربتنا هي وأبي على الحرية، على السعي وراء الحرية والحق، على مساعدة الآخر، على الصدق في التعامل، على احترام القيم والمبادئ التي كنا، رائد وعماد وأنا، شهوداً عليها من خلال تصرفاتها وتصرفات أبي.

شقيقي عماد، يقول إنّ حياتها كانت سلسلة حروب، كلّ حياتها تحارب ولكنها الآن في سلام.

وتوجهت بِاسمها ونيابة عن العائلة، بالشكر إلى رئيس الحزب النائب أسعد حردان وإلى القيادة الحزبية على هذا التكريم.

وخلال الاحتفال قدّم للعائلة وسام الواجب الذي منحه رئيس الحزب للراحلة تقديراً لنضالها. كما قدم لها تجمّع النهضة النسائية درعا تقديرية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى