فرنسا وهولاند وفابيوس… إعادة تعريف اليمين
عامر نعيم الياس
نشرت وكالة الصحافة الفرنسية تقريرين منفصلين تناولا الوضع الاقتصادي في فرنسا وشعبية رئيس البلاد فيها. التقرير الأول حمل عنوان «فرنسا تسجّل نمواً صفرياً في الربع الأول من العام الجاري»، جاء فيه أنّ «زيادة الناتج المحلي الإجمالي خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2014 بلغت 0.1 في المئة، وهي نسبة لا تذكر وتقترب من الصفر، مساهمة التجارة الخارجية فيها كانت سلبية، فقد سجلت 0.2 في المئة». أما التقرير الآخر، فحمل عنوان «شعبية هولاند في مستوى متدنٍ أكثر من أيّ وقت مضى»، وذلك وفقاً لمقياس معهد «إيبسوس»، فالرئيس هولاند يؤيّده فقط 19 في المئة من الفرنسيين بينما «78 في المئة منهم لا يدعمون سياساته… انخفاض بمقدار نقطتين عن الرقم الأخير الذي سجّل في شباط الماضي، والذي بلغ في حينه 76 في المئة». لكن المفاجئ بحسب توصيف وكالة الصحافة الفرنسية، كان ارتفاع أسهم وزير خارجية هولاند لوران فابيوس في صفوف مريدي الحزب الاشتراكي الحاكم، إذ بلغت نسبة التأييد للوزير اليهودي «48 في المئة، وذلك بزيادة قدرها 10 في المئة عن إحصاءات شهر شباط الماضي»، وبذلك أصبح فابيوس «الشخصية الثانية في صفوف الاشتراكيين الفرنسيين بعد بيرتران ديلانوي عمدة باريس السابق، والذي تبلغ نسبة التأييد له 70 في المئة».
تطرح لعبة استطلاعات الرأي باعتبارها أحد أهمّ أدوات اللوحة الديمقراطية في الغرب عموماً، واليوم في مناقشتنا الحالة الفرنسية سلسلة من الملاحظات وعلامات الاستفهام أهمها:
ـ ما جدوى الحديث عن التمثيل والتأييد والقاعدة الشعبية، والغمز من قناة اللاشعبية إذا لم تستطع الاستطلاعات أن تدفع نحو تغيير ما؟ هل يجب أن يكون التغيير ثورياً انقلابياً في فرنسا على رئيس لا يتمتع بالحدّ الأدنى من مقوّمات الشعبية، أم أنّ التغيير يجب أن يتمّ في أداء الحكومة المنتخبة مباشرة من الشعب؟
ـ استطلاعات الرأي دقيقة بحسب إجماع كافة النخب الأوروبية، ونسبة الخطأ فيها لا تتجاوز +- 2 في المئة في أسوأ الأحوال، واستناداً إلى ذلك، هل باستطاعتنا مطالبة الرئيس الفرنسي بالتنحي، أو تشكيل حكومة «وحدة وطنية» تمثل فيها الجبهة الوطنية بزعامة مارين لوبين كونها حازت في الانتخابات البلدية الأخيرة نسبة تأييد مفاجئة تؤهّلها وحزبها المشاركة في الحكم مباشرة، كما تمثّل فيها كافة الأحزاب والشخصيات التي حازت نسباً متدنية في الانتخابات!
ـ فزاعة اليمين «المتطرّف» ممثلاً بالجبهة الوطنية في فرنسا ساهمت في انتخاب جاك شيراك، قبل حوالى أكثر من عقد من الآن، بالغالبية خوفاً من وصول جان ماري لوبين إلى الرئاسة وارتدادات ذلك على الدولة الفرنسية. اليوم وفي ضوء صعود نجم وزير الخارجية اليهودي الفرنسي الاشتراكي اليساري لوران فابيوس في صفوف مريدي الحزب الاشتراكي، أليس من المفروض إعادة تعريف مفهوم اليمين في أوروبا ودراسة البعد القومي في الأحزاب اليمينية والبعد العقائدي فيها والاختلاف الواضح بين توجهات اليمين بعد الحرب العالمية الثانية وإعادة بعث ظاهرة النازيين الجدد في أوروبا حالياً. بمعنى أدقّ، هل يجوز لنا أن نضع الجبهة الوطنية في فرنسا على قدم المساواة مع النازيين الجدد في أوكرانيا، هل يمثلان اليمين ذاته؟ بالنسبة إلينا وإلى أمتنا وإلى شرقنا، هل يمثل لوران فابيوس اليسار المعتدل، وتمثل مارين لوبين اليمين المتطرّف؟
ـ لا يقف ارتفاع شعبية فابيوس على دراسة التوجه العام في الداخل الفرنسي الخاضع لفزاعة نخبه حول «اللاسامية»، بل تتعداه إلى استشفاف آفاق السياسات المقبلة لفرنسا نحو المنطقة عموماً وسورية خصوصاً، سياسات لليسار الحاكم القابع على يمين المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأميركية، ولعل في حسرة فابيوس وعتبه على الإدارة الأميركية، بحضور نظيره الأميركي جون كيري في واشنطن، لعدم إقدامها على ضرب سورية في أيلول من العام المنصرم ما يؤشر إلى العقلية التي تتحكم بالسياسة الفرنسية نحو سورية.
ـ النمو الإجمالي للناتج المحلي الفرنسي بلغ الصفر، رقم يدفع أكثر فأكثر الإدارة الفرنسية الحاكمة حالياً إلى الارتماء على أبواب البلاط الملكي في السعودية والأميري في قطر لاستجلاب المزيد من الرشى «المساعدات الأخوية» لدعم الاقتصاد الفرنسي الذي تساهم التجارة الخارجية سلباً في نموّه، في مقابل تقديم الغطاء الشرعي من جانب ورثة الثورة الفرنسية لسياسات ورثة حكم «الجواري والمخصيين»!
كاتب سوري