ثيودور هرتزل باع الأرمن للعثمانيين فكانت مذبحة الإبادة… ومراسلو الصحف الأميركية منافقون كرمى لعيون «إسرائيل»
إعداد وترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق
خلال الأسبوع الأخير من نيسان الماضي، احتفلت أرمينيا بالذكرى المئة للمذبحة التي ارتكبها العثمانيون بحق الشعب الأرميني، وسط صمتٍ خيّم على معظم العالم لأكثر من قرن بقليل. أما هذه السنة، فشهدت هذه القضيّة تطوّراً لافتاً، إذ تضامن عدد كبير من الدول مع أرمينيا، لا سيما الفاتيكان، إذ اعتبر البابا أنّ هذه المذبحة هي جريمة إبادة شعب كامل الأولى، مقدّماً إياها على ما يسمّى «الهولوكوست»، ما أثار ثائرة الصهاينة.
رجب طيب أردوغان اغتاظ من كلام البابا، لا بل هاجمه بغضب قائلاً: «إن لَعِب رجال الدين دور مؤرّخين، فتكون نتيجته التحريف وعدم الواقعية». واستخدم أردوغان لهجة مشدّدة في الردّ على كلمة البابا، داعياً إيّاه إلى «عدم تكرار الخطأ» بحسب تعبيره. كما استدعت تركيا ممثل الفاتيكان فيها إلى وزارة الخارجية لإبلاغه احتجاجها، كما استدعت سفيرها من الفاتيكان.
لكن ما خفي كان أعظم، فبين أيدينا اليوم، تقرير كتبته راشيل درور لـ«موون أوف آلاباما»، وتتحدّث فيه عن صفقة بيع الأرمن، التي كان طرفاها، ثيودور هرتزل ـ مؤسس الحركة الصهيونية ـ والسلطان عبد الحميد الثاني. وقضت هذه الصفقة على أن يبيع هرتزل الأرمن لعبد الحميد، فيما يبيع عبد الحميد فلسطين لليهود.
وندعّم هذا التقرير بمقالين آخرين مرتبطين به، الأول كتبه إيلي كوهين لصحيفة «إسرائيل اليوم» قبل شهر واحد من إحياء أرمينيا ذكرى الإبادة، والثاني كتبه وديع عواودة لصحيفة «القدس العربي» في الثالث والعشرين من نيسان الماضي.
كما ننشر اليوم تقريراً ثانياً، يتضمّن نقداً لمراسلي بعض الصحف الأميركية في لبنان إبان عدوان تموز 2006، وكيف كان هؤلاء يفبركون الأخبار والتقارير كرمى لعيون «إسرائيل»، لا بل كانوا مطواعين في نشر التقارير الملفّقة من قبل «إسرائيل».
نبدأ بالتقرير الأول، الذي يكشف دعم مؤسّس الحركة الصهيونية ثيودور هرتزل وحشية السلطان العثماني ضدّ الأرمينيين، مؤمناً أنّ ذلك من شأنه أن يدفع بالسلطان إلى بيع الفلسطينيين لليهود.
كتبت راشيل درور:
طغت المسألة الأرمينية على الحركة الصهيونية منذ عملية القتل الجماعي بحق الأرمينيين من قبل الأتراك منتصف 1890، وذلك قبل انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول. ارتكزت استراتيجية هرتزل على فكرة إقامة تبادل على الشكل التالي: يسدّد اليهود ديون الدولة العثمانية الهائلة، في مقابل الحصول على فلسطين وتأسيس دولة يهودية هناك، مع موافقة القوى الكبرى. عمل هرتزل جاهداً على إقناع السلطان عبد الحميد الثاني للقبول بهذا الاقتراح، لكن من دون جدوى.
وكان وكيل هرتزل الدبلوماسي فيليب ميشال نيفلينسكي قد نصحه قائلاً: «قدّم له الدعم السياسي في المسألة الأرمينية بدلاً من مدّه بالمال، وسيكون ممتناً لك ويقبل عرضك ـ جزئياً على الأقلّ». فالدول الأوروبية المسيحية كانت مستاءة للغاية من قتل المسلمين للأرمن، وتأسست جمعيات عدّة لدعم قضية هؤلاء في عددٍ من البلدان، وقدّمت أوروبا أراضيها لتكون مسرحاً لقياديّي الثورة الأرمينية، فأصبح من المستحيل أن تقدِم تركيا على طلب قروض مالية من المصارف الأوروبية.
تلقّف هرتزل هذه النصيحة بشغف. شعر أنه سيكون من الملائم جداً ـ وبكافة الوسائل ـ الإسراع في إنشاء دولة يهودية. وهكذا، وافق على أن يكون أداةً في يد السلطان، من خلال محاولة إقناع الثوار الأرمينيين بأنهم لو سلّموا أنفسهم للسلطان، فسيسعى إلى تحقيق بعض مطالبهم. وحاول هرتزل أيضاً أن يُظهر للغرب أن تركيا أكثر إنسانية مما يظنون، وأنه لم يكن لديها خيار في التعامل مع الثورة الأرمينية سوى بتلك الطريقة، وأنها تتطلّع إلى وقف لإطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية. وبعد جهدٍ جهيد، نجح هرتزل في لقاء السلطان وذلك في 17 أيار عام 1901.
أمِل السلطان خيراً في هرتزل، وهو الصحافي الشهير الذي قد يكون له تأثير إيجابيّ في مجال تحسين صورة الإمبراطورية العثمانية السلبية في الغرب. وهكذا، أطلق هرتزل حملةً مكثفة لتحقيق أمنيات السلطان، مكرّساً نفسه على أنه وسيط للسلام. أقام علاقات وثيقة، وعقد اجتمعات سرّية مع الثوار الأرمن، في محاولة منه لثنيهم عن التشبّث بالأعمال العنفية، غير أنهم لم يقتنعوا بإخلاصه، كما لم يصدّقوا وعود السلطان لهم. كذلك، بذل هرتزل محاولات ناشطة مع القنوات الدبلوماسية الأوروبية، الذي كان على دراية بكيفية تفكيرها.
وكما في كلّ شؤون حياته، فإن هرتزل لم يسعَ مطلقاً إلى استشارة أيّ من قياديي الحركة الصهيونية، وأبقى نشاطاته سرّية. لكن، وبهدف طلب المساعدة، كتب إلى ماكس نوردو في محاولة لتجنيده ودعمه في هذه المهمة، وقد أجاب هذا الأخير بكلمة واحدة مقتضبة: «لا». وحرصاً منه على انتزاع الميثاق التركي في الحصول على فلسطين، أعلن هرتزل ـ بعد البدء بعقد المؤتمرات الصهيونية السنوية ـ أن الحركة الصهيونية تعبّر عن إعجابها وامتنانها للسلطان، على رغم معارضة كبيرة من قبل عدد من الممثلين المشاركين هناك.
أما الخصم اللدود لهرتزل في كلّ هذا، فهو برنار لازار، المثقف اليهودي الفرنسي، اليساري، الصحافي المعروف والناقد الأدبي، المؤيد للقضية الأرمينية والمدافع الشرس عن قضية درايفوس . غضب للغاية من نشاط هرتزل، وكان أن استقال من الجمعية الصهيونية وتخلّى تماماً عن نشاطاته فيها عام 1899. نشر لازار رسالة مفتوحة إلى ثيودور هرتزل، يسأله فيها: كيف يمكن لأولئك الذين يزعمون كذباً أنهم يمثلون الشعب القديم الذين كتبوا تاريخهم بالدم، أن يمدّوا يد العون والمساعدة للمجرمين والقتلة، من دون أن نسمع صوت مندوب واحد في المؤتمر الصهيوني يصرخ محتجاً على هذه المهزلة؟
إنها دراما هرتزل، الزعيم الذي أخضع الاعتبارات الإنسانية وخدم السلطات التركية، بهدف تحقيق هدفه الأسمى ـ إقامة الدولة اليهودية ـ إن هذه الدراما لمجرد توضيح صريح عن أحد أوجه الصراعات المتكررة بين الأهداف السياسية والمبادئ الأخلاقية. لطالما واجهت «إسرائيل» مثل هذه المعضلات، مثلما يتضح في موقفها المزمن من عدم اعترافها بحدوث المجازر بحق الشعب الأرميني، وكذلك في بعض القضايا الحديثة التي تعكس التوتر في مواقفها والتناقض بين قيمها الإنسانية والاعتبارات السياسية والواقعية.
على «إسرائيل» أن تعترف بالمذبحة الأرمينية !
كتب إيدي كوهين في صحيفة «إسرائيل اليوم»:
قدّم مؤخراً 44 عضواً في الكونغرس الأميركي مشروع قرار يدعو إدارة الرئيس أوباما إلى الاعتراف بالمذبحة الأرمينية بأنها «إبادة شعب». ليس واضحاً متى سيتم طرح هذا المشروع للتصويت عليه، لكن من الواضح أنه عما قريب قد تنضم الولايات المتحدة إلى 21 دولة تعترف بشكل رسمي بإبادة الشعب الأولى التي حصلت في القرن العشرين.
مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، شنت الإمبراطورية العثمانية حرباً على روسيا. الأرمن الذين أرادوا تحقيق طموحهم القومية وإقامة منطقة حكم ذاتي أرمينية داخل الإمبراطورية، اعتُبروا كخونة ومتعاونين مع الروس ـ لدى حزب «الأتراك الشباب» ـ الحزب التركي القومي الذي أطاح السلطان عبد الحميد الثاني. كانت هنالك خطط مغايرة بالنسبة إلى لأرمن الموجودين على أراضيهم. عمل الحزب على «تركنة» الأراضي الموجودة تحت سيطرتها، ومعنى ذلك القيام بتطهير عرقي للأقلية المسيحية.
المسؤولون عن الإبادة الجماعية هم قيادة الحزب، وزير الداخلية محمد طلعت باشا ووزير الحرب اسماعيلي أنور باشا. قادة الحزب أمروا بإقامة منظمة شبه عسكرية، «المنظمة الخاصة»، من أجل حل «المشكلة الأرمينية». المهمة التي ألقيت على عاتق هذه المنظمة كانت تدمير الأرمن وطردهم. تم تجنيد سجناء ومجرمين ممن أفرِج عنهم بشكل خاص إلى هذه المنظمة من أجل تنفيذ الخطة.
في الليلة ما بين 23 و24 نيسان من عام 1915، جاء الجيش التركي إلى منازل كبار المسؤولين الأرمن وقتل المئات منهم. ولذلك، تاريخ 24 نيسان يمثل بداية الإبادة الجماعية للشعب الأرميني وأصبح يوم ذكرى رسمياً. الباحثون يعتقدون انه ما بين عامي 1914 و1918 قُتل بشكل وحشي ما بين مليون ومليون ونصف كهول، أطفال ونساء أرمن. تركيا اليوم ترفض الاعتراف بأيّ شكل بدورها التاريخي في إبادة الشعب الأرميني وتستثمر أموال طائلة في الدعاية التركية من أجل نفي مذبحة الأرمن.
إحدى الوثائق من أرشيف محاكمات نيورنبرغ تظهر عدم مبالاة المجتمع الدولي، عملية محو المذبحة التركية التي ارتُكبت بحقّ الأرمن من الذاكرة خلال الحرب العالمية الأولى وعدم الرد الملائم من القوى الكبرى حينها، كانت من بين العوامل التي ساعدت أدولف هيتلر في احتلال مناطق واسعة وإبادة اليهود في أوروبا: «من يتذكر هؤلاء الأرمن»، قال هيتلر عندما عقد جلسة لرؤساء مركزه وأعلن لهم عن قراره غزو بولندا، وأضاف هيتلر أنه يجب عدم الخوف من ردّ فعل دولي وأن الإثبات على ذلك أنه من الذي يتذكر المذبحة التي ارتكبت بحق الأرمن.
«إسرائيل» لم تعترف رسمياً بالمذبحة الأرمينية. سياسة وزارة الخارجية «الإسرائيلية» كانت منذ الأزل «عدم إغضاب» الأتراك. تم إرسال تلميحات لوسائل الإعلام لكي لا ينشروا مقالات حول هذا الموضوع، محرّرون لم يرغبوا بمواجهة وزارة الخارجية ومنعوا بشكل مقصود خلال سنوات كثيرين من الجمهور «الإسرائيلي» الحق بمعرفة والتعرف على مأساة الأرمن. شرائح كثيرة من الشعب «الإسرائيلي» لا تعي هذا الموضوع على رغم أهميته وتأثيره على التاريخ اليهودي.
على «إسرائيل» بشكل عام وعلى اليهود بشكل خاص، واجب أخلاقيّ من الدرجة الأولى للاعتراف بالمذبحة الأرمينية. شعب فقد ثلث أبنائه في «الهولوكوست» لا يمكنه تجاهل أوّل نفي إبادة شعب آخر فقدَ ثلثين من أبنائه. كل محاولة تمت خلال السنوات الأخيرة للاعتراف بإبادة الشعب الأرميني فشلت لأسباب سياسية واعتبارات أجنبية، بالأساس بسبب إصرار وزارة الخارجية «الإسرائيلية» وخوفها من ردّ الفعل التركية.
اليوم، عندما يتبنّى رئيس تركيا الذي شغل منصب رئيس الوزراء على مر عقد من الزمن، رجب طيب أردوغان، فكراً معادياً لـ«إسرائيل» ومعادياً للسامية بشكل واضح، تواصل وزارة الخارجية «الإسرائيلية» تجاهل المذبحة الأرمينية وتستمر في اتخاذ خطوات سياسية طفولية نابعة من اعتبارات ودوافع مرفوضة.
هنالك تبريرات أخلاقية وتاريخية للاعتراف بالمذبحة الأرمينية. يجب إدخال المذبحة الأرمينية إلى مناهج التعليم في «إسرائيل».
بعد نحو شهر من اليوم، في 24 نيسان 2015، سنُحْيي الذكرى المئوية الأولى لإبادة مليون ونصف المليون من أبناء الشعب الأرميني. بهذه المناسبة، وإضافة إلى صفحة النضال التي فتحتها على موقع «فايسبوك» تحت عنوان «الاعتراف بمذبحة الشعب الأرميني»، أطالب رئيس دولة «إسرائيل» رؤوفين ريفلين، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية الجديد، العمل بشكل فوري للاعتراف بشكل رسمي بالمذبحة الأرمينية التي حدثت قبل 100 سنة، والتي لم يعترفوا بها أسلافهم في هذه المناصب.
دوافع «إسرائيل»
وكتب وديع عواودة لـ«القدس العربي»: يطالب مثقفون يهود حكومة «إسرائيل» بالاقتداء بالحبر الأعظم بابا الفاتيكان وبثلاث وعشرين دولة أخرى بالاعتراف بمذبحة الشعب الأرميني التي تحلّ ذكراها السنوية المئة اليوم. ووقّع عشرات المحاضرين والفنانين والجنرالات السابقين على عريضة تدعو «إسرائيل» للتوقف عن عدم الاعتراف بمذبحة الأرمن خلال الحرب العالمية الأولى. وقال المثقفون اليهود في عريضتهم إنهم كيهود تعرض أبناء شعبهم للمحرقة ويكافحون محاولات التنكر لها ملزمون بإبداء حساسية خاصة لكارثة الآخر. وبهذه المناسبة قرعت كنائس القدس 28 كنيسة أجراسها 100 مرة أمس بالتزامن من أجل إحياء ذكرى مذبحة الأرمن على يد الأتراك التي راح ضحيتها نحو مليون ونصف المليون إنسان.
ويحْيي الأرمن ذكرى المذبحة في كل 24 من شهر نيسان من كل سنة، وهو اليوم الذي كما يقولون، ارتكب الأتراك فيه الاعتداء الكبير على الأرمن في 1915 من أجل تطهير عرقي في الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى. وبهذه المناسبة كان الحبر الأعظم قد استخدم مصطلح «إبادة» الشعب الأرميني للمرة الأولى بتاريخ الفاتيكان، وقال إنها كانت عملية إبادة شعب الأولى في القرن العشرين تلتها محرقة اليهود ومذابح ستالين في الاتحاد السوفياتي سابقاً.
لكن «إسرائيل» لم تعترف يوماً بمذبحة الأرمن لعدة دوافع منها تحاشي المساس بعلاقاتها التاريخية مع تركيا قبل تدهورها بعد حادثة أسطول الحرية لرفع الحصار عن قطاع غزة في أيار 2010.
لكن «إسرائيل» تحاشت ذلك أيضاً في نطاق سياستها باحتكار صورة الضحية في العالم وخدمة لمزاعمها بأن التاريخ لم يشهد مأساة إنسانية بحجم المحرقة التي ارتكبها النازيون خلال الحرب العالمية الثانية. وحتى الآن تلتزم «إسرائيل» الصمت رسمياً حيال هذه المسألة بيد أن الناطق بلسان وزارة خارجيتها عامنوئيل نحشون يحاول تخفيف موقف «إسرائيل» غير الإنساني وتلطيفه بالقول إن «موقف إسرائيل حيال مأساة الأرمن لم يتغير. نحن نبدي تضامناً مع الشعب الأرميني وحكومته ومن الأجدر أن ينشغل المجتمع الدولي بمنع مآس إنسانية بالمستقبل».
يشار إلى أن أعداداً من اللاجئين الأرمن بدأت تهاجر إلى فلسطين وتحديداً للقدس بعد 1915 وهناك حيّ خاص بهم في المدينة. وكانت النجمة الأرمينية كيم كرديشيان قد زارت القدس قبل أيام برفقة زوجها من أجل تعميد كريمتها في كنيسة «سان جيمس».
لكن جورج هينتيليان الناطق بلسان الأرمن في القدس متفائل بأن تغيّر «إسرائيل» موقفها ويرجّح أن تعترف في نهاية المطاف بالمذبحة الأرمينية. وهو يجد سلوى في تصريحات رئيس «إسرائيل» رؤوفين ريفلين الذي استهل فيها خطابه في الأمم المتحدة مطلع السنة بالدعوة إلى الاعتراف بمذبحة الأرمن بعد سنوات من «التلعثم والإنكار». ويشير هينتيليان برضا إلى أن هذه المرة الأولى التي يشارك فيها وفد برلماني «إسرائيلي» رسمي باحتفالات إحياء ذكرى مذبحة الأرمن في العاصمة الأرمينية.
ويبارك هينتيليان تصريحات البابا بوصفه «رمزاً أخلاقياً كبيراً» ويشير إلى وجود اعتراف عملي من قبل وزارات في «إسرائيل» كوزارة السياحة بمذبحة الأرمن على رغم عدم اعترافها رسمياً.
من جهته، يؤكد البروفسور «الإسرائيلي» يوآف لاف المحاضر في تاريخ الأرمن في الجامعة العبرية في القدس إلى واجب «إسرائيل» الأخلاقي بالاعتراف بمذبحة الأرمن، مؤكداً على فقدان عدالة عدم هذا الاعتراف. وتابع في مقاله: «إسرائيل قامت على أساس إبادة شعب منهجي هو الأكبر في التاريخ ولذا من واجبنا الاعتراف بمذبحة شعب آخر. لا أعتقد أن الاعتراف بمذبحة الأرمن يقلل من قوة المحرقة ووزنها».
يشار إلى أن تركيا تتنكر حتى اليوم لهذه المذبحة وتدّعي أن ليس هناك معلومات موثقة حول حصولها، وتعتبر أن ما جرى حوادث عدة شهدتها الحرب العالمية كما يحصل في الحروب عادة.
تلفيقات مراسلي «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست»
كم من الصعب على الجيش «الإسرائيلي» شنّ حربٍ غير مبرّرة على جاره اللبناني، معتبراً أنه يتعرّض لهمجية بربرية، حاشداً الدعم الدوليّ ومقدّماً الاعتذار المسبق، ومبرّئاً نفسه من تهمة قتل المدنيين الأبرياء؟ يبدو أن كلّ هذا يتطلّب فقط اتصالاً واحداً مع صحيفة «نيويورك تايمز».
هذا صحيح، فالصحيفة الأكثر نفوذاً في العالم، والتي نشرت للتوّ مقالاً مستوحّى بالكامل من ادّعاءات مزيفة، ويروي جيمع تفاصيل المطالبات والتحقق والمحاربة من مصادر عسكرية «إسرائيلية». وهذا المقال بعنوان «ترى إسرائيل أن مواقع حزب الله تعرّض المدنيين للخطر»، لا يوجّه أيّ شكٍ جدّيّ أو مسؤولية حقيقية حول ادّعاءات المؤسسة العسكرية المشاركة في الحروب التي ذهب ضحيتها عشرات، لا بل آلاف المدنيين على مرّ عقود من الزمن.
تحذّر الكاتبة إيزابيل كريشنر مما تذهب اليه «إسرائيل»، من أنّ عدداً من المدنيين اللبنانيين قد يُقتلون، وأنه لا يمكن اعتبار ذلك خطاً «إسرائيلياً». لكن هناك المزيد. فعن طريق دمج هذه المطالبات العسكرية التي لم يتمّ التحقق منها في سياق التقرير، تذهب كاتبة «تايمز» بعيداً في شرعنة المزيد من المحتويات التي قد يؤمن بها عدد من القراء من دون أن يفحصوها جيداً.
ومع ذلك، فإن تفكيكاً أساسياً للمزاعم المنشورة في المقال يظهر ادّعاءات «إسرائيل» الرسمية الكامنة وراء معظم محتواه ـ أي 25 من أصل 35 فقرة منه، بما في ذلك شرحٌ لبعض «الأدلّة» التصويرية التي قد تؤمنها الاستخبارات «الإسرائيلية» على الفور من دون الحاجة إلى طرح أيّ سؤال أو تفسير. حتى مع قراءة الفقرة «13» والتي نشعر حين قراءتها ببعض الغموض «المتعاطف» مع حزب الله تطالعنا ـ في الوقت عينه ـ فقرة واحدة فقط تلقي باللائمة على حزب الله.
تنشر «نيويورك تايمز» الدليل «الإسرائيلي» حول «الدروع البشرية» مع تقديم بعض الشروحات.
يستند هذا المقال في غالبيته ـ وبشكل مباشر ـ على مزاعم «إسرائيلية» لا جدال فيها. غير أن هذا لا يشمل عنواناً رئيسيّاً يشكل البنية الأقوى لهذه المادة والتي ترتكز إلى الدعاية العسكرية «الإسرائيلية»:
فما هي إذاً هذه الصفقة الكبيرة؟ ما الذي يحدث عندما يروي الجيش قصة إخبارية وينشرها على نطاق واسع في أكثر صحف العالم قراءةً واحتراماً؟
والجيش «الإسرائيلي» ـ كغيره من الجيوش ـ يُفترض به اختلاق المزيد والمزيد من الأساطير حول العدوّ بهدف زيادة معدّلات النجاح في ساحات المعركة. ومن أبرز عناصر هذه الدعاية استخدام «الدروع البشرية» ـ ادّعاء من شأنه تصوير «إسرائيل» على أنها في حالة حرب مع عدوّ بربريّ همجيّ لا يظهر أدنى احترام لحياة الإنسان. تشدّد الصحافية كريشنر على دوام تكريس هذه «الحقيقة»، من خلال إعادة صوغ المطالب العسكرية «الإسرائيلية» التالية:
«صور وخرائط جوية أمنتها نيويورك تايمز بوساطة القياديين الإسرائيليين العسكريين والتي توضحت هذا الأسبوع، وتؤكد أن حزب الله عمل على بناء بنية تحتية ضخمة تحت معظم القرى الشيعية… وهذا ـ بنظر «إسرائيل» ـ لا يرقى إلى مستوى استخدام المدنيين كدروع بشرية».
وتعزّز كريشنر بعدها هذا الادّعاء من خلال اقتباس عن مسؤول «إسرائيلي» عسكري كبير في مقرّ القيادة في «تل أبيب»، رفض الكشف عن اسمه، أن «المدنيين يعيشون في مجمّعات عسكرية»، ولا تلبث كريشنر أن تقنّن هذه الأسطورة بأنه على القرّاء معرفة الحقيقة وتقبّلها على أنها واقعاً. اختبأ حزب الله في القرى الشيعية على مدى سنوات عدّة. لكن «إسرائيل» تؤكد أن مجموعات الحزب قد انتقلت مؤخراً ـ وعلى نحو ملحوظ ـ إلى المناطق المبنية.
وما يؤكد صحة هذا الادّعاء أيضاً، قولٌ ليعقوب أميدرور مستشار الأمن القومي السابق في «مركز بيغن ـ السادات للدراسات الاستراتيجية» الواقع قرب «تل أبيب»: من أن «لبنانيين كثيرين سيُقتلون في نهاية المطاف».
هل رأيت ما حصل للتو؟ إن نصف ما ذكره تقرير كريشنر يثبت أنه لا يمكن إثبات الادّعاءات «الإسرائيلية». لكن هذا لا يمنعها من الاستمرار في الترويج لِما تدّعيه، لكن هل كلّفت الكاتبة نفسها عناء النقر بإصبعها على أحد مواقع البحث على الإنترنت للتأكد من صحة هذه الادّعاءات؟
وإذا ما كانت قد قامت بذلك، فمن المؤكد أنها قد عثرت على بعض المقالات التي تشير فيها أيضاً القيادة العسكرية إلى ما أصبح يُعرف بـ«الدروع البشرية». ولم يُشر إلى هذا فقط الصحافيون والناشطون الغربيون، بل أن هذا هو بالتحديد ما فعلته «إسرائيل» في حربها على غزة، وكان أن حكمت المحكمة العسكرية «الإسرائيلية» العليا ضدّ هذه الممارسة، علماً أن مصادر الدفاع «الإسرائيلية» أعلنت دفاعها عن هذا الإجراء باعتبار أن هذه الدروع البشرية قد استخدمت أكثر من ألف مرة من قبل الجنود «الإسرائيليين». وفي الواقع، فإنه بعد أيام معدودة فقط على إطلاق هذا التصريح، أعلن وزير الدفاع «الإسرائيلي» عن نيته «أذيّة» المدنيين اللبنانيين، بمن فيهم الأطفال.
ما يثير الدهشة، أن كلّ ما ذكرناه لم تُبنَ عليه أي خلفية في مقال «نيويورك تايمز»، وبالتالي، يكرّس أسطورة «إسرائيل» التي توحي بأنها تقف على أرضية أخلاقية عالية المستوى، وتحتمي في الوقت عينه بين المدنيين.
لكن العكس يبدو صحيحاً تماماً. فالجنود «الإسرائيليون» والقواعد العسكرية جزءٌ لا يتجزأ من المناطق السكانية التي يشكل المدنيون جزءاً كبيراً من قوة القتال فيها. وتشير التقارير أيضاً إلى أن «إسرائيل» تبني مركبات عسكرية قريبة من القرى العربية، في ما يمكن أن يُنظر اليه باعتباره «درعاً بشريةً» تمنع وقوع الهجمات من قبل حزب الله.
وبدلاً من أن يُصار إلى استجواب القادة «الإسرائيليين»، فإن صحيفة «نيويورك تايمز» تنشر ادّعاءتهم وخطاباتهم. وقد ركزت كريشنر على أن العدوّ الرئيسي لـ«إسرائيل» هو عدوّ غير أخلاقي، «يطلق الصواريخ بطريقة عشوائية».
وأيضاً، تكرر الكاتبة هذا الادّعاء وتفشل في التشكيك في صحته. فهل كلّفت نفسها أيضاً عناء البحث في المعلومات الموثقة حول أن غالبية القتلى «الإسرائيليين» في حربهم الأخيرة مع حزب الله هم عسكريون، في الوقت الذي تخطى فيه عدد القتلى المدنيين اللبنانيين من جرّاء الوحشية «الإسرائيلية» ألف قتيل؟ ألا يشير هذا إلى أن حزب الله يستهدف العسكريين بشكل رئيسيّ؟ أليس من الأجدر بكريشنر أن توجه هذا السؤال إلى المسؤولين «الإسرائيليين» الذين يدّعون بأن حزب الله يُطلق صواريخه بطريقة عشوائية، وتسمح للقرّاء ـ بالتالي ـ بتمييز الحقائق؟
إنها صحافية مأجورة، تعيد صوغ أقوال عسكريين وقياديين من دون التشكيك في صحة ما ينقلون.
ومع ذلك، فإن القيّمين على الطلاب في مجالي الصحافة والإعلام في الجامعات الأميركية، يشجعون هؤلاء على شراء نسخة يومية من «نيويورك تايمز»، باعتبارها «ملاك» الصحافة هناك وكتابها المقدّس. ولسوء الحظ، فقد تأكدت من أن هذه الصحيفة أساءت نشر بعض التقارير أو قامت بتلفيق الروايات القادمة إليها من بيروت. أنظر مقالاً بعنوان «نيويورك تايمز تغيّر العنوان الطائفي» . أما في ما يتعلق بفلسطين، فإن عدم الاتزان يكاد يكون صارخاً بشكل فاضح لا لبس فيه.
ويبدو أيضاً، أن هذه الصحيفة تنتهك القواعد الأخلاقية الخاصة بها بصورة روتينية، وذلك خدمةً لمصالحها. فكاتبة هذا المقال، متزوجة من أحد أعضاء مراكز الأبحاث «الإسرائيلية»، ولديهما إبن يخدم في الجيش «الإسرائيلي». وهناك عدد آخر من كتّاب هذه الصحيفة ممن لديهم أبناء يخدمون في الجيش «الإسرائيلي».
أتساءل إذا ستجرؤ نيويورك تايمز يوماً على تعيين أشخاص متزوجين من أحد عناصر حزب الله أو لديهم أبناء يقاتلون مع حزب الله؟ فهل تجرأت يوماً هذه الصحيفة على نشر قصة حول علاقة حزب الله الاستخباراتية مع «إسرائيل»؟ على كريشنر أن تجلس ـ وليوم واحد فقط ـ أمام شاشة «المنار» التي يملكها حزب الله اللبناني، كي تعرف المزيد والمزيد عنه وعن قصصه.
قضية درايفوس هي صراع اجتماعي وسياسي حدث في نهاية القرن التاسع عشر في عهد الجمهورية الفرنسية الثالثة. كشف عنها إميل زولا عندما نشر مقالة له بعنوان «أنا أتهم». المترجم
إيدي كوهين، باحث رفيع في قسم الدراسات الشرق أوسطية في جامعة «بار إيلان».