مواقع عدم التواصل الاجتماعيّ
يوسف موصللي
أصبح في إمكاننا في عالم اليوم أن ندخل سريعاً عبر كمبيوتراتنا المحمولة أو من هواتفنا الذكية، بسرعة وسلاسة منقطعة النظير متل المي الله وكيلك ، إلى جنة من الأصدقاء، إذ لا تجد نفسك إلا معلّقاً لهذا ومعجباً بصورة تلك، بل يمكنك فتح مناقشة عائلية مع قريبك في الصين!… على هذا الفضاء الإلكتروني ليست الحياة سريعة فحسب، بل متسارعة، إذ تتسابق أفكارك وأحاسيسك مع نفسها مثل نيزك هابط من الفضاء إلى الأرض. نيزك افتراضي لا يلبث أن يشرع في الهبوط حتى يتحطم في الأرض مباشرة، محدثاً تلك الفجوة العظيمة، فجوة في قلوب الناس وأدمغتها. تلك الأفكار المتسارعة والعواطف اللحظية ما هي إلا تراب يتناثر يمنة ويسرى من دون خلق جديد، فالأرض حيث السقوط لم تعد سوى فراغ واقعي ناتج من فراغ افتراضي.
قد يفهم القارئ أنني حكمت على وسائل «التواصل الاجتماعي» بالإعدام. لا أعتقد ذلك، ويا ليتني حكمت بذلك، فحكمي أقسى من ذلك ولا يقع على الوسيلة بل على الذين يفترض بهم امتلاك عقل حر بفكره وإبداعه، فإذا بهم يصبحون وسائل في فضاء افتراضي يستعملهم حتى الشبع وتحقيق غايات، منها ما هو معلوم ومنها ما هو مخفي، كي يرميهم بعد ذلك رؤوساً فارغة وإرادات معطلة في المجتمع.
لطالما ظننت أنّ التمسك الأعمى بالتقاليد الاجتماعية هو الشر الأعظم، كونه العقبة الأساسية أمام نهضة المجتمع، لكني أرى اليوم أنّ الاستخدام الأسوأ لوسائل التواصل الحديثة أفقد الكثير من شبّاننا حتى فرصة النهوض عندما تحين الفرصة أو تسمح الظروف. أصبحت أشتاق إلى أيام كانت نظرة الوجهاء السلبية إلى التطور عدونا في الإصلاح، فإذا بوحش كأسر يسيطر على الصورة معلناً بدء عصره الذهبي بلا منازع.
لكن رغم هذا الانجراف الأعمى كلّه في تلك الحالة الاجتماعية الزائفة، يبقى هنالك كثر ممّن يتمتعون بنبض الأرض وحقيقتها، فيغنون الواقع والفضاء معاً بما يمكن تقديمه من ثراء معرفي وفكري، وأعمال فنية أو حملات توعية، أو حتى يزرعون البسمة والفرح على أوسع نطاق. هؤلاء يضخّون إبداعهم في محيط فارغ باهت فتفيض الصفحات بالألوان الجميلة ونشعر من جديد بنبض الحياة.
خلاصة القول: قد يصلح موقع التواصل الاجتماعي لمختلف أنواع التواصل من أعلى الفلسفات حتى أتفه النكات. إلاّ لنوع واحد هو… التواصل الاجتماعي!