عقيدة عنفيّة تخترق الأزمنة والمجتمعات

كتب يوسف سليماني : صدرت الطبعة الثانية من كتاب «الدولة والمجتمع في المغرب الإسلامي»، للكاتب والإعلامي محمد بغداد، مزيدة ومنقحة، إذ أثرى الكاتب العديد من محاور الكتاب، مستفيدا بحسب قوله من ملاحظات القراء للطبعة الأولى التي نفدت من الأسواق.

كتاب «الدولة والمجتمع في المغرب الإسلامي» دراسة سياسية تاريخية تفكك فترة تاريخية من أعقد الفترات التي مر بها مفهوم الدولة في تاريخ المغرب الإسلامي، والتي عرفت أعلى درجات الصدام المسلح بين مختلف الفاعلين في الساحة، سياسيا، وقبليا، وإيديولوجيا، للظفر بالسلطة.

يبحث محمد بغداد في كتابه اشكالية الصدام المسلح، الذي يتخذ من الدين مضمونه الجوهري، مفتشا عن الخط التاريخي الذي يربط الجماعات والتنظيمات المسلحة في تاريخ المنطقة، انطلاقاً من امتدادات الحركة الدوناتية، بزعامة دوناتوس، في زمن الاستعمار الروماني للمنطقة، وصولاً إلى الحركة النكارية، بقيادة مخلد بن كيداد، وهي الحركة التي أعطت العمل المسلح العنيف، ضد السلطة القادمة، منظومة مفاهيمية معقدة لا تزال تعمل آلياتها إلى وقتنا الراهن، متجاوزة كل الأجيال.

يكرس بغداد جهوده في دراسته، على تفاصيل العمل المسلح الديني السياسي، في مقطع زمني يمتد أكثر من مئة سنة، من تاريخ المغرب الإسلامي، تحديداً في فترة سقوط الدولة الرستمية، وقيام الدولة الفاطمية، وهي الفترة التي تعتبر المرحلة الأغنى في تاريخ المنطقة، لتطور المفاهيم الاستراتيجية في صناعة العمل المسلح الديني سياسياً حيث تبلورت كل التصرفات الدموية، الناتجة من مفاهيم معقدة فكريا ومتشابكة سياسيا، وذات تجليات اجتماعية مهمة.

يرى بغداد أن الجماعات المسلحة وممارساتها المختلفة، عبر العصور المتوالية في المنطقة ليست حادثة عابرة، إنما تشكل علامة مميزة في تاريخ المنطقة، ولا يمر عليها قرن من الزمن إلاّ تعود للظهور من جديد، لكن أكثر عنفاً وقساوة، إذ تكون قد امتلكت القوة التراكمية من التجارب السابقة، ونتيجتها كارثية وخطيرة. غير أن عوامل قيام وتطور نشاط ومفاهيم الجماعات المسلحة، تبقى تقريباً متشابهة من دون المعالجة المناسبة لها، لم تتخذ في الوقت المناسب، وبالإمكانات المناسبة، ما يجعلها تكرر نفسها عبر مشاهد أكثر دموية وخطورة في العصور القادمة.

دراسة محمد بغداد، غنية بالمعلومات التاريخية، التي يمكن الإفادة منها عبر التحليل المنهجي الدقيق، مكتفياً بالإشكالية التي طرحها في مقدمة الكتاب، تحديداً ذلك التتبع الدقيق لثقافة الجماعات المسلحة، وتناول أدبياتها ومفاهيمها من الداخل، جاعلاً من التاريخ الجهة المقابلة للمستقبل، عبر الاقتراب المفاهيمي المناسب لمثل هذه الملفات التي تفرض سيطرتها على العقل السياسي، خاصة في المنطقة المغاربية التي يخصص لها الكاتب هذه الدراسة.

كتاب «الدولة والمجتمع في المغرب الإسلامي» في طبعته الثانية صدر لدى «دار أحلى الكلام للنشر والتوزيع»، ثلاثمئة صفحة، وخمسة فصول بين السرد التاريخي والتفكيك للأدبيات السياسية والمفاهيم المتطورة عبر تلك الحقب، ولا سيما ما يتعلق بالعمل المسلح التي تمارسه الجماعات المسلحة ضد السلطة التي ترغب في إسقاطها وإقامة الدولة النموذج التي نحتت صورتها من المنظومة المفاهمية التي تشكلت دينياً وتاريخياً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى