فنّانو سورية يكرّمون جيشهم ويدعمونه إبداعاً ونغمات

إنّ كل بلد، ما لم يعمد أبناؤه جميعاً إلى نصرته عند الشدّة، لا يمكن أن ينتصر. وعندما نقول: «أبناؤه جميعاً»، فإننا نقصد الجميع من دون أي استثناء، نقصد الفلاحين والطلاب والأساتذة والفنانين من رسامين ومطربين وتشكيليين ونحاتين، نقصد الأدباء والشعراء والقاصّين والنقّاد والإعلاميين. نقصد الممثل والمسرحيّ والعمال والنساء والرجال والأطفال والشيوخ… كلّ في موقعه.

وعندما نتحدّث عن سورية، هادية الأمم، ومنبت الحضارات، والتي في ربوعها لا تزال أقدم عاصمة ما زالت مأهولة في التاريخ تنبض بالحياة، وإزاء المؤامرة الكونية التي تواجهها اليوم بكل بسالة وشجاعة، فإنّ للحديث عن «نصرتها» منحى آخر، خصوصاً أنّ بعضاً من «أبنائها» ضلّوا الطريق والبوصلة، وركبوا قطار المؤامرة، عن قصد أو عن غير قصد، فكان أن لفظهم الشعب السوريّ ونبذهم، خصوصاً في صفوف الفنانين.

لكن ذلك لا يعني أن في سورية فنانين وطنيين تنبّهوا للمؤامرة وعرفوا إلى أيّ درك ستحيل وطنهم، فكانوا ـ في فنّهم ـ جنوداً كبواسل الجيش، يذودون عن وطنهم ويدافعون عنه في شتّى المحافل والاستحقاقات، غير آبهين بالتهديدات التي تردهم من الإرهاب والتطرّف، لا بل أنّ بعض الفنانين استشهدوا قرباناً للوطن.

في التقرير التالي موضوعان مترابطان إلى حدّ ما. الأول يتحدّث عن الفنانة لوسي موسان التي نظّمت معرضاً من الزجاج المكسّر، والثاني عن الفنانة ميسون منير ذات الصوت الصدّاح. أما ما يجمع الفنانتين في هذا التقرير، فيتمثل في دعم الجيش السوري وبواسله.

لوسي موسان

كتبت ياسمين كرّوم: أكثر من أربع عشرة لوحة متنوعة قدّمها معرض «قزاز مكسّر» للفنانة الشابة لوسي موسان في نسخته الثانية. واعتمدت على الزجاج كنقطة تحوّل تقنية في مشروع فنيّ متميز، اختارت له صاحبته محوراً وطنياً خالصاً لجهة الموضوعات المطروحة، من دون أن تغيب عن أي من الأعمال الإبداعية تلك السمات الأنثوية الرقيقة في تفاصيل المنجز الفني، والذي أتى هذه المرة أكثر تنوّعاً وتطوّراً من الناحيتين الفنية والتقنية.

«كل لوحة هي حكاية في حدّ ذاتها»، هكذا وصفت موسان نتاجها الفني، لافتة إلى أنها سعت من خلال هذا المعرض إلى الاحتفاء بالإنسان السوري المقاوم والقادر على لملمة جراحه، وإبراز صورته الحضارية البرّاقة. والأمر نفسه بالنسبة إلى الجيش السوري الذي احتل مكانة بارزة في لوحاتها، سواء عبر تجسيد الجندي المقاتل، أو شعار الجيش، أو من خلال كتابة عبارات خاصة تدعم البطولات التي يقدّمها الجندي الباسل وترددها الألسنة في كل بقعة من سورية.

وأشارت موسان إلى أنها المرة الأولى التي تستثمر فيها الخط العربي ضمن لوحاتها التي اعتمدت في بعضها على الساتان كمادة مساعدة في إتمام تفاصيل اللوحة. موضحة أنها اتخذت من اللون الأسود خلفية عامة لمعظم اللوحات لإبراز التضادّ بينه وبين بريق الزجاج المهشم اللامع، ما ساعد في إبراز الأفكار المختلفة.

من الناحية التقنية، تقوم الفنانة الشابة بتكسير الزجاج بالطريقة التي تناسب موضوع اللوحة. وقالت: «أهشّم قطع الزجاج على شكل مثلثات ومربعات صغيرة ويعتبر قلم الألماسة الأداة الوحيدة التي تساعدني في تنفيذ العمل إلى جانب القلم الذي أرسم به بعض الأفكار لألصق الزجاج داخل مساحة الخطوط. وأحياناً أقوم بالتنفيذ مباشرة من دون رسم، بحسب صعوبة اللوحة ودقّتها، إذ تعمدت أن أجسّد سورية جغرافياً كخريطة واحدة موحّدة في عدد من اللوحات، في إشارة إلى وحدتنا كسوريين، نقف معاً في مواجهة الدول التي تآمرت علينا».

من ناحيته، أكد الفنان شادي نصير وجود نقلة حقيقية في الحالة الإبداعية لدى الفنانة التي تفوقت على نفسها في هذا الجزء من سلسلة «قزاز مكسّر»، لافتاً إلى تميّزها في إبراز كتلة الزجاج وتحويلها من حالة مخيفة إلى حالة تراقص الغيوم كما لو أنها ريشة ناعمة تشفي بأناملها جراح سورية لتزهر نوراً وإبداعاً.

وقال: «تعتبر موسان الفنانة الأولى في سورية التي تعتمد على أجزاء الزجاج لخلق حالة إبداعية تنقلنا من حالة الألم نحو فضاءات الفرح والحلم. فهي تجربة بحاجة إلى المزيد من البحث في تشكيل المادة المعمول بها لتتحول مع الوقت إلى حالة إبداعية مختلفة تغني المعارض المقبلة».

أما التشكيليّ أشرف راهب، فأشار إلى الناحية التنظيمية المميزة للمعرض والتطور اللافت في تقنيات اللوحات التي يظهر فيها أسلوب احترافي يتبلور في الأعمال التركيبية.

وتابع قائلاً: «تظهر في اللوحات رسالتان. الأولى للحرب، والثانية للإنسان. ويمكن أن تنهض موسان بتجربتها بشكل أعمق مستقبلاً عبر إنجاز لوحات ثلاثية الأبعاد وأعمال أكثر ضخامة من ناحية الحجم. ولا بد من الإشارة إلى اعتماد الفنانة موسان على مواد متميزة لإكمال عناصر اللوحة كالقماش والساتان، الأمر الذي شكل قيمة مضافة لعدد من لوحات المعرض».

هذا الأمر أكد عليه الفنان الشاب يوسف الحايك موضحاً أن هذه التجربة إضافة مهمة للحراك الفني والاجتماعي الذي يقوم به الشباب في محافظة اللاذقية ليعبّروا عن إبداعهم وروحهم التوّاقة للحياة.

وأضاف: «لا بدّ أن تأخذ هذه التجربة حقها من العرض بشكل أفضل لتصل إلى أوسع شريحة ممكنة من المهتمين، لأنها ترسم الخطوات الأولى لحالة إبداعية فريدة تمثل قضيتنا كسوريين مفعمين بالأمل والوطنية والتوق للانتصار».

يشار إلى أن ريع المعرض يعود لجرحى الجيش السوري، إذ ستُرَكّب أطراف اصطناعية لاثنين من الجرحى فقدا أطرافهما في معارك الدفاع عن الوطن.

ميسون منير

كتب محمد الخضر: أنجزت الفنانة ميسون منير مؤخراً أوبريت غنائياً وطنياً بعنوان «كرمال عيونا بنتحمل» مع الفنانين سمير النوري وعدنان العمر من كلمات الشاعر الدكتور موريس منصور وألحانه. ويتناول الأوبريت صمود سورية وتمسّكها بحضارتها، وثبات شعبها حتى النصر.

وأوضحت ميسون أن هناك انسجاماً بين كل من شارك في الأوبريت سواء على صعيد الكلمات التي تصاعدت نغمتها الموسيقية لتأتي كما أراد لها الشاعر أن تكون مفعمة بحب الوطن ونديّة بالموسيقى، أو على صعيد أداء الفنانين العمر والنوري لتكون حالة فنية تتلاءم مع أحلام الشعب السوري وطموحاته وهمومه، هذا الشعب الذي يريد من فنانيه في هذه المرحلة فنّاً وطنياً جميلاً.

وتقول كلمات الأوبريت:

كرمال عيونا بنتحمّل

تترجع أحلى من الأول

مهما الليل علينا طوّل

رح منكفّي الدرب

ومنعمّر سورية جديدة

ومنحبّا من القلب.

وميسون منير التي تملك صوتاً أخذ من قوّة الأداء الجبلي ونعومة الأنثى في آن واحد، تقول إن موهبتها تكوّنت من بنى فنية مختلفة تضمنت عنفوان الجبل وهدير البحر ورقة الياسمين وتغريد البلابل. فهي ابنة البيئة الساحلية التي ترعرعت في دمشق تحت ظلال عرائش ياسمينها، فمدّت جناحيها لتكون في أعماقها وطنها سورية. مشيرة إلى تأثرها بكبار الفنانين كنصري شمس الدين ووديع الصافي وفيروز وصباح ووردة وأمّ كلثوم وغيرهم.

وعن رأيها في الطرب الحلبي قالت: «أحبّ هذا النوع من الغناء كثيراً وأغنّيه في حفلات كثيرة. وعندما كنت في طلائع البعث ومنظمة الشبيبة كثيراً ما كنت أشارك بحفلاتها، ولكن في واقع الأمر، لا شيء يفوق الآن الأغنية التي تعبّر عن الجيش السوري وانتصاراته وبطولاته وتضحياته».

وأشارت ميسون منير إلى أنّ تركيزها على دراستها الجامعية في السنوات الماضية أدّى إلى تأخّر وصول صوتها إلى الجمهور. إلا أن اختصاصها الذي كان يبحث في علم النفس أكسبها كثيراً من الثقافة لتصل إلى قناعة كاملة باحترام الفن وتقديم ما هو أصيل.

وتابعت: «أنا أحبّ الشعر كثيراً بكل أنواعه، وأحترم الراقي منه، وهذا ما أثّر في ذوقي الغنائيّ والفنيّ بشكل عام، وجعلني أتمسك بالثوابت الفنية الراقية وأبتعد عن الابتذال، لأن الشعر ينمّي الذوق وينقّي الشخصية».

وعن مشاركتها المتعددة في الحفلات الغنائية الخيرية لمصلحة دور العجزة ومدارس ذوي الاحتياجات الإضافية وسواها قالت ميسون إنها تفضّل مشاركة هؤلاء آلامهم وأوجاعهم، وأن من واجبها المساهمة في تحقيق الفرح ورسم الجمال على وجوههم الطيّبة.

يذكر أن الفنانة ميسون منير شاركت في عدد من الحفلات الوطنية والاجتماعية في عدد من المحافظات، فضلاً عن إطلالاتها لمرّات عدّة في مهرجان الأغنية السورية. ومن أغانيها: «من ديرة لديرة» كلمات مضر شغالة وألحان خالد حيدر ، كما لحّن لها الموسيقار الراحل سعيد قطب أغنية «ساكن بعيوني».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى