الفراغ أفضل من انتخاب رئيس كيفما كان

إيلي الفرزلي

ما حدث في الجلسة النيابية الأخيرة لانتخاب رئيس للجمهورية يقع ضمن الإطار والسياق الذي حدث في الجلسات السابقة، من مسألة غياب بعض النواب تعبيراً عن رفضهم واعتراضهم على ترشيح رئيس «القوات» سمير جعجع، وفي الوقت نفسه انتظار بلورة الاتصالات والمشاورات الجارية التي قد تؤدي إلى إيجاد حلّ يسمح بانتخاب رئيس جديد.

أما الاحتمالات القائمة فكلّ ها واردة، وإمكان التوافق من الآن حتى 25 من الشهر الجاري عبر هذه الاتصالات والمشاورات التي تحصل على أكثر من صعيد، قد تنتج وبشكلٍ مفاجئ رئيساً للجمهورية، أو نصل إلى الشغور الذي يتيح لهذه الاتصالات أن تنضج وتبلغ الأهداف المرجوة منها، لكن الاعتقاد بأن التهديد بالشغور والوعيد بالويل والثبور وعظائم الأمور يؤدي إلى إنتاج أيّ رئيس، أمر غير وارد، أقله في المدى المنظور، لأنه سيكون بأضراره على المسيحيين، وعلى لبنان والدستور والكيان والصيغة الميثاقية، أشدّ وأدهى من الشغور الموقت حتى تنضج الظروف التي نتحدث عنها.

أما نظرية التمديد الذي يتحدث عنها البعض، فنحنا كنا نعيش حالة فراغ مقنّع، والتمديد اليوم هو الفراغ بعينه، وهذا الأمر مرفوض طرحه في الثقافة السياسية في لبنان لأنه مدمّر للبلد بالمعايير كلّها، ولا نربأ أن ينسب إلى غبطة البطريرك أو إلى أيّ شخصٍ يحبّ وطنه ومؤمن بالدستور وبضرورة إنتاج المؤسسات السياسية في البلد.

لا بدّ لنا من الرهان على الحوار بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر لإنتاج رئيس جديد، وإذا لم نراهن على هذه المكوّنات فعلى من نراهن؟ على الدول الخارجية؟ للخارج بالطبع دور أساسي، لكن ثمة مكوّنات أساسية في البلد، هي المكوّن الشيعي والمكوّن السني والمكوّن المسيحي، مع احترامنا بالتأكيد للمكوّن الدرزي، وهم من يجب أن يتفاهموا لإنتاج رئيس جديد أو ستخلق حالة قهر جديدة، ونأتي برئيس جديد تحت عنوان إدارة أزمة واستمرار حالة الفراغ التي نعيشها، وتستمرّ وتمعن في تهميش الدور الوطني للمسيحيين في النظام السياسي وتسيء إلى العلاقة التشاركية في البلد.

هنا يمكن طرح السؤال الآتي: هل يقبل الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل بالعماد عون رئيساً؟

لم يبرز حتى الآن، لا من الرئيس الحريري ولا من تيار المستقبل، أي مؤشرات تدلّ على رفض العماد عون، بل على العكس، رأينا التعاون على صعيد الحكومة بين الجانبين. في المقابل بقي حليف «المستقبل» سمير جعجع خارج الحكومة، وظهر أيضاً التعاون في انتخابات نقابة المهندسين.

لا أعتقد أنّ تيار المستقبل والتيار الوطني الحر يشاركان وحدهما في هذه الاتصالات، بل ثمة أطراف عديدة تشارك من قريب أو بعيد، وعدة أطراف إقليمية ودولية.

هنا يمكن طرح السؤال الآتي: أين الطريق إلى بعبدا بين الحوار الإيراني ـ السعودي، والدور السوري الفاعل على الساحة اللبنانية؟

لا شك في أنّ أيّ لقاء وتفاهم سعودي – إيراني مطلوب ويخدم الطرفين ويخدم إيران لتلعب دورها كعامل استقرار في المنطقة على أكمل وجه، ويخدم السعودية بحيث أنّ الانكشاف الاستراتيجي الذي أصاب الخليج يُملأ مجدداً بهذا الاتفاق ويخفف من حدة الصراع السني ـ الشيعي الذي ترك بصمات سلبية على الساحة اللبنانية، ويساهم أيضاً في إنتاج رئيس للبنان.

لا شك في أنّ لدمشق دوراً أساسياً، فعبر العصور كانت دمشق جزءاً من الوفاق الوطني اللبناني، ولذلك كانت نظرية حماية الثغور، وأمن لبنان من أمن سورية، والنظرية المشهورة وحدة المسار والمصير، وهذا الموضوع مركزي، ورغم انشغال دمشق بالحوادث الواقعة فيها إلا أنّ لها دوراً أساسياً بطريقة أو بأخرى في وضع مواصفات للرئيس، وتستطيع أيضاً أن تعطل انتخاب أيّ رئيس لا تنطبق عليه هذه المواصفات.

وسط هذا الواقع والمؤشرات والمعطيات الراهنة، لا نستطيع أن نتوقع مآل الأمور في الجلسة المقبلة، بصرف النظر عن المخارج التي يتحدث عنها البعض، أيّ بالحضور في المجلس من دون انتخاب، فهذا كلام لا نقيم له وزناً. ولكن بين الشغور وبين رئيس كيفما كان يبقى الشغور المسموح، الذي يعطي المجال للاتصلات أن تثمر رئيساً بحيثية، أفضل بكثير.

النائب السابق لرئيس المجلس النيابي اللبناني

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى