الإفراج عن وثائق بن لادن: الدوافع والحيثيات
رحّب المسؤولين والقادة السياسيون في أميركا بقرار الافراج عن بعض محتويات وثائق صودرت من مقر اسامة بن لادن، والذي تزامن مع كشف المحقق الصحفي الشهير، سيمور هيرش، النقاب عن رياء الرواية الرسمية التي روّجها البيت الابيض حول الخصوصية الأميركية التي أدّت إلى مقتل بن لادن. وكالة الاستخبارات المركزية زعمت انها كانت منكبّة على مراجعة الوثائق بغية الافراج عنها، للردّ على مقال هيرش.
الوثائق المتداولة قيل انها تعود لزمن الغارة الأميركية على مكان اقامة بن لادن، في مدينة آبوت اباد في باكستان، أيار 2011، والتي اسفرت عن مقتله والسيطرة على كامل محتوياته ومقتنياته، وتمثل نذراً يسيراً من المعلومات والوثائق الناجمة عن عملية الاغتيال، وفق الرواية الرسمية.
تكفّل «مركز مكافحة الارهاب»، التابع لكلية «ويست بوينت» البحرية نشر سبع عشرة وثيقة تخص أسامة بن لادن، افرج عنها مكتب «مديرية الاستخبارات الوطنية»، عبارة عن دفعتين: الاولى للوثائق التي قرّرت أجهزة الاستخبارات الإفراج عنها عقب تيقنها من ان الاعلان لن يلحق الضرر بالعمليات الجارية التي تشن على «القاعدة» والتنظيمات الموالية لها والثانية عبارة عن وثائق منتقاة بدقة بعد مراجعتها وتصنيفها للنشر.
يعدّ الإفراج عن المجموعة المشار اليها المرة الثانية التي تنشر فيها وثائق مصنفة بأنها ناجمة عن الغارة الأميركية في باكستان اذ كانت المحاولة الاولى من نصيب «مركز مكافحة الارهاب» عام 2012، بلغ حجم وثائقها نحو 200 صفحة هي عبارة عن ترجمة للغة الانكليزية، تعود اقدمها إلى عام 2006.
رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، ديفين نونيز، اعتبر قرار الافراج خطوة في الاتجاه الصحيح «ونتطلع بشغف للانتهاء من عملية تصنيف مئات من الوثائق التي عثر عليها في آبوت اباد اتساقاً مع شروط الكونغرس الذي حث الاجهزة الاستخباراتية المختلفة للتحلي بمزيد من الشفافية والتعاون».
وسائل الاعلام المختلفة أشارت إلى ان الوثائق المختلفة يربطها قاسم مشترك يتمثل في انضباط بن لادن الحاد للأمن العملياتي وإيلائه الاولوية لقتل ومقتل الأميركيين وممثليهم. كما تشير إلى عنايته بجهود خصومه للتجسس الكترونياً عليه وعلى تنظيمه قبل بضع سنوات من كشف ادوارد سنودن عن تجسس وكالة الأمن القومي. وطالب بن لادن أتباعه الامتناع عن استخدام البريد الالكتروني وسيلة للاتصال.
الوثائق الاستخباراتية تقدر ببضعة آلاف أوكلت مهمة التحقيق والتصنيف الاولية إلى فريق يرأسه ممثل عن وكالة الاستخبارات المركزية ويضم مندوبين عن: وزارة الأمن الداخلي مكتب التحقيقات الفيدرالي وكالة الاستخبارات الجيو ـ فضائية وكالة الأمن القومي ومكتب الترويج الاعلامي التابع للبنتاغون.
اشارت صحيفة «نيويورك تايمز»، 13 شباط 2015، في هذا الصدد إلى ان حجم الوثائق الهائل المستولى عليها عقب عملية الاغتيال حفزت تنامي غير مسبوق لشن القوات الخاصة الأميركية غارات في منطقة الشرق الاوسط.
يشار إلى أن بعضاً من محادثات جرت بين بن لادن ودائرته الضيقة ادخلت كدلائل في سجلات المحكمة في نيويورك، التي كانت تنظر بقضية المتهم عابد نصير، من اصول باكستانية، بالتخطيط مع آخرين لشن عملية تفجير في مدينة مانشيستر ببريطانيا، بين عامي 2008 و2009.
حيثيات القضية لم يجرِ تداولها في وسائل الاعلام الأميركية آنذاك، لحين تقدم ضابط كبير سابق في وكالة الاستخبارات المركزية، سيندي ستورر، بنشر ما مجموعه 150 صفحة من وثائق المحاكمة. ستورر كانت من اعضاء الفريق الاستخباراتي الأميركي الموكل بملاحقة بن لادن، كلفت بتحليل المعلومات المختلفة والتي تضمنت محادثات بين بن لادن ورئيس قسم العمليات الخارجية والمدير العام وآخرين. تناولت الصعوبات التي يواجهها التنظيم في تنفيذ عملياته الخارجية.
من الطرائف التي جاءت بها الوثائق، شغف بن لادن بزيت شجرة النخيل لتوفره بكثرة في المنطقة والذي لا يحسن استغلاله كمصدر دخل اضافي للتنظيم.
مكتبة بن لادن باللغة الانكليزية ضمت نحو 39 كتاباً بعضها لاشهر المؤرخين والسياسيين، نعوم تشومسكي، الصحافي الشهير بوب وودوورد، وضابط الاستخبارات السابق في «سي أي إي»، روبرت شوور، الذي تكفل بإدارة مكتب ملاحقة بن لان لدى الوكالة. فضلاً عن جملة من الوثائق الأميركية الرسمية، ومن ضمنها التقرير النهائي للجنة الكونغرس تقصي أحداث 11 أيلول 2001.
كما أكدت قراءة الوثائق على خطأ الصورة النمطية في الاعلام الغربي لبن لادن، الذي وصفته بالمعزول ويقبع في منطقة جبلية جرداء في مكان ما من أفغانستان. وأوضحت أن بن لادن استمر في السيطرة اليومية على اعمال «تنظيم القاعدة» على رغم شل حركته بالحرب الاستخبارية وتنامي العقبات البيروقراطية أمام سير التظيم لتوسيع رقعة عملياته.