أوكرانيا تنزلق إلى حربٍ أهلية
ترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق
نقلاً عن «DEBKAfile»، وهو موقع إلكتروني مستقلّ تأسس سنة 2000 من قبل فريق من الصحافيين، ويوفّر المعلومات الأمنية والاستخباراتية. سعت المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل خلال زيارتها واشنطن في الثاني من نيسان الفائت، إلى تذليل العقبات أمام حلّ الخلافات بين الرئيسين باراك أوباما وفلاديمير بوتين بشأن ما يجري أوكرانيا. في صباح ذلك اليوم، أطلقت الحكومة الموقتة في كييف، والمدعومة من الولايات المتحدة، أوّل هجوم خطير لاستعادة السيطرة على المدن الشرقية التي استولت عليها الميليشيات الأوكرانية الموالية لروسيا، بدءاً بسلافيانسك. في الوقت الذي افتعلت فيه العصابات الموالية لكييف النار في أوديسا مخلّفة أكثر من أربعين قتيلاً من أفراد الميليشيات.
أتى ردّ فعل موسكو من مكتب بوتين نفسه السبت الفائت. إذ صرّح المتحدّث بِاسمه ديميتري باسكوف: «لا يمكن لروسيا ولا لأيّ دولة أخرى أن تؤثر على مواطني جنوب أوكرانيا. وفي الوقت الذي تتعرّض فيه حياتهم للخطر بسبب تهديد القوات المسلّحة والمتطرّفين والقوميين، سيكون من المستحيل التحدّث إليهم بشأن إلقاء سلاحهم».
وأوضحت المصادر أيضاً أن انتخابات الخامس والعشرين من أيار، تأجلت وفقاً لتخطيط الكرملين.
استُتبعت هذه الأحداث كلّها بفشل المستشارة الألمانية في إحراز أيّ تقدّم بشأن الملف الأوكراني خلال لقائها الرئيس أوباما في البيت الأبيض، وفقاً لما أوضحته مصادر «ديبكا» في موسكو.
لم تسر محادثات أوباما وميركل على ما يُرام، وبدأت تصريحها بالقول: «واجهنا بعض الصعوبات لناحية تخطي مسألة الأمن والحماية الذاتية». ولمّحت أيضاً إلى فضيحة تنصّت وكالة الأمن القومي الأميركي على مكالماتها الهاتفية الخاصة. كما أخذت في عين الاعتبار مسألة التعاون الاستخباراتي المستقبلي بين الحكومتين الأميركية والألمانية بشأن أوكرانيا.
نصحها الرئيس أوباما بودّية: «إذا ما نظر الألمان إلى القضية الأوكرانية من وجهة نظر روسية، فعليهم الاستمرار بالتركيز على ما يحدث ميدانياً، وأن يبقوا نصب أعينهم على أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يتمتع بالصدقية والأمانة حيال هذه القضية». ولم يكتفِ أوباما بهذا، بل حثّ أيضاً على فرض مزيد من العقوبات باعتبارها السبيل الوحيد الذي قد «يعيد الرئيس بوتين إلى رشده».
بدا من الواضح أن كلاً من أوباما وميركل كانا بعيدين في الاتفاق حول القضية الأوكرانية وحول كيفية تعاطي بوتين معها، فلا ميركل ولا حتى وكالة الاستخبارات الألمانية «BND» تؤيدان دعم أوباما اللامتناهي للحكومة الانتقالية الموقتة في كييف. وأبدت ميركل استياءها الشديد بسبب تزامن زيارتها إلى واشنطن مع تصاعد أعمال العنف بصورة غير مسبوقة في أوكرانيا، وتحديداً في سلافيانسك، واستتباع هذه الهجمات العسكرية بأخرى أشدّ ضراوة يوم السبت الماضي في بلدة كراماتورسك الواقعة على عشرين كيلومتراً شرق البلاد.
وردّت موسكو على تصعيد الأزمة بإعلان مقرّرات جنيف غير قابلة للحياة، بعد أسبوعين من اتفاق كلّ من الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي وأوكرانيا عليها.
واعتبرت المستشارة الألمانية ـ من جهتها ـ أنّ هذا التصعيد العسكري الأوكراني المتزامن مع زيارتها إلى واشنطن، ما هو إلا محاولة من الجانب الأميركي لإملاء شروطه القاسية على الرئيس بوتين، والتعالي عليه بدلاً من البدء بالتفكير في التحاور معه.
اتسعت الفجوة بين الإثنين، تحديداً خلال المؤتمر الصحافي الذي وجّه فيه صحافيّ ألمانيّ سؤالاً لأوباما من المرجح أنه جاء مفتعلاً مفاده: لِمَ لا يحاول لقاء بوتين والتحدّث إليه وجهاً لوجه حول القضية الأوكرانية بدلاً من تضييع الوقت في محادثات هاتفية أضحت عديمة الجدوى… وببساطة… تجاهل الرئيس الأميركي السؤال.
وكان أن واجهت ميركل سؤالين قاسيين، قبل قرارها المتابعة في تقريب وجهات النظر بين الرئيسين:
الموافقة أو عدم الموافقة على الوقوف إلى جانب أوباما لناحية فرض العقوبات على روسيا إلى حين موافقة الكرملين على شروط واشنطن في أوكرانيا… والجواب الطبيعي على هذا السؤال كان: لا. إذ اصطفّت الشركات الصناعية الألمانية العملاقة ـ وهي من محرّكات الازدهار الاقتصادي ـ ضدّ هذا الطرح. وهي التي واجهت قبل ذهابها إلى واشنطن اللوبي الكيماوي العملاق « BASF SE»، والمجموعة الهندسية «Siemens»، و«فولكس واغن»، و«آديداس»، والبنك الألماني، التي حثّتها جميعها على عدم الموافقة على فرض عقوبات اقتصادية على روسيا… ميركل لا تستطيع تجاهل كلّ هؤلاء: فالتجارة الألمانية الخارجية تعتمد بمعظمها على العلاقات المتبادلة بين روسيا والصين أكثر من اعتمادها على أميركا، فضلاً عن أن ثلث احتياجاتها من الغاز تستورده من روسيا… وعلاوةً على ذلك، فإن اثنين من مستشاري ألمانيا السابقين: هلموت كول وغيرهارد شرودر، هما شريكان حقيقيان لمخاوف الطاقة الحكومية في روسيا.
على ميركل أيضاً أن تحدّد ما إذا كانت وكالة الاستخبارات الألمانية «BND» ستشترك مع عملاء الولايات المتحدة لضمان انتخابات الخامس والعشرين من أيار، فهي قد صرّحت أثناء وجودها في واشنطن بأن الوقت أصبح ضيقاً، في إشارة منها إلى أن أيّ تأجيل ربما يكون مفيداً في تطوير أساليب الحوار مع الحاكم الروسي كما من شأنه أن يؤدّي إلى تهدئة نفوس أولئك المتهوّرين الذين يقودون العنف.
أيضاً وأيضاً، تجاهل الرئيس الأميركي مقاربتها هذه، فهو بعد أن أعطى الحكومة الانتقالية الموقتة في كييف الإذن لممارسة العنف، لم يكن أبداً مستعداً للتخلي عن سيطرة هذه الميليشيات الأوكرانية على عشرات البلدات التي تخضع لسيطرتها والتي ستشارك في التصويت. وفي صباح يوم السبت التالي، وعندما لم يكن قد اتضح بعد، الموقف الأميركي ـ الروسي ـ الألماني المشترك حيال الأزمة الأوكرانية، قامت المليشيات الأوكرانية المسلّحة في سلافيانسك ـ ومن دون سابق إنذار ـ بإطلاق سراح 12 مراقباً عسكرياً، سبعة أوروبيين بينهم أربعة ألمان، وخمسة ضباط أوكرانيين، بعد أسبوع على احتجازهم.
وجاء خبر الإفراج عنهم من مبعوث بوتين الخاص للتفاوض مع الخاطفين، فلاديمير لوكين. وأُرفق هذا الخبر مع إعلان موسكو أنه لمن «السخف» أن تجري العملية الانتخابية وسط حربٍ أهلية، إذ بدا أن الرئيس الروسي في وارد تقديم تنازلات معينة مقابل تأجيل أو إلغاء الانتخابات الأوكرانية. لكن عندما لم تلقَ هذه الإشارة آذاناً صاغية من واشنطن، تولّى بوتين إرسال إشارات كافية كي يعرف الجميع أنه قد تخلّى عن كامل مسؤولياته تجاه العنف الحاصل في أوكرانيا.
وبعد دخول كراماتورسك، أعلن مدير «مركز مكافحة الإرهاب» الأوكراني فاسيل كروتوف رسمياً ظهر ذلك السبت: «إن ما نواجهه في دونتسك وفي المناطق الشرقية، ليس مجرد انتفاضة موقتة… إنها حربٌ شاملة».