العَلَمُ النبيل… والعمل الأصيل
ربيع الدبس
تختار الدول الحديثة رؤساءها عبر انتخاب شعبي مباشر أو عبر مؤسسات تمثيلية تحمل صفة مجلس النواب أو مجلس الشعب أو مجلس الأمة أو ما يشبه ذلك. وتجري عملية التصويت إما بواسطة الأحزاب المتمثلة في البرلمان، وفق قرار اتخذته قياداتها، أو وفق اقتناعات راسخة لدى الشعوب التي يحلو للأنظمة العربية أن تسمّيها جماهير.
وفي الدول التي تحكمها توازنات الطوائف والمذاهب والمناطق، تحاول قوى الضغط الفاعلة أن يكون معيار انتخاب الرئيس توافقياً أكثر منه معياراً قائماً على ميزان القوى، ولكنْ بشرط ألاّ تكون أسماء المرشحين استفزازية ناضحة بالتحدي، فكيف إذا كان المرشح الذي يعتمده فريقٌ ما، ذا تاريخ مرتبط بالماضي أكثر منه ارتباطاً بالمستقبل؟
أليس من أصالة وطنية تجعل الجميع منحازين إلى الكرامة الواحدة؟
ألم يعتبر بعض الأفرقاء اللبنانيين من تجربة 1982 التي هندسها العدو تخطيطاً سياسياً وعسكرياً؟ فقام بالاجتياح الوحشي الذي أسقط أول عاصمة قومية بعد القدس، وشرّد عشرات الآلاف من اللبنانيين والفلسطينيين، وقصف مواقع الجيش السوري، وفتح الأسواق اللبنانية لِسِلعِهِ الأرخص، وصادر قصر بعبدا، ورسم سيناريو تنصيب الرمز اللبناني المشارك في العدوان، والمسهّل لمشروع التطويع والتطبيع، وذلك في مسرحية «انتخاب» مخجلة سِيق بعض النواب إليها رغماً عنهم، كما هُدِّد آخرون، وضُرب البعض الآخر بقسوة بالغة لم يكن النائب الراحل فؤاد لحّود ضحيتها الأوحد، كما لم يكن الراحل الدكتور ألبير مخيبر النائب الوحيد الشجاع الذي لم يرهبه وعِيدُها.
نحن هنا نَطْرُق ذاكرة الساسة والمواطنين بوقائع لا يمكن لأحد إنكارها، لعلّ الذكرى تنفع المؤمنين أو لعلّ فيها تلك التوبة النصوح التي دعا إليها القرآن الكريم، من قبل أن يدعو المؤرّخون والمفكرون إلى الاعتبار من التاريخ ودروسه البليغة، هي والجروح.
هذه الحقائق البيّنات يستوقفنا صانعوها، كما تسكننا سيرة ثلةٍ من مانعيها ومقاوميها، من الأبطال الذين يأبى عليهم الواجب أن يساوموا ويتفرّجوا، أو أن يتجاهلوا الخيانة التي أوصاهم سعاده بالقضاء عليها أينما وجدوها.
تحية إلى ذلك الغامض حتى في رحيله.
تحية إلى النبيل المقاوِم، والعَلَم الذي ارتفع هو وحبيبه بعد سقوط نجمة داوود المقيتة، إلى سوية الجنود المقدامين الذين يلتقطون اللحظة فيحوّلون لونها الأصفر في الزمن الرديء، إلى لون الزوبعة الحمراء التي تكشّح الأسود بالأبيض، فتتسع المساحات المشرقة إيذاناً بالنور الفاعل الذي يسطع، فيوقظ، فيغيّر وجه التاريخ.