الأكراد رقم صعب بين القتال والمفاوضات والتآمر التركي

فاديا مطر

لم تخرج القضية الكردية من الأهمية الكبرى بين القضايا التي واجهتها الحكومات التركية المتتالية منذ تأسيس تركيا كجمهورية عام 1923 على يد «مصطفى كمال أتاتورك» بل زاد أهميتَها انتقالها إلى مشكلة تاريخية مزمنة تترك تداعياتها على المستويات الاقتصادية والأمنية كافة وحتى الديموغرافية، فضلاً عن أنها تسببت لتركيا بتوتر جغرافي إقليمي، على ما تشهده الصراعات الإقليمية الجارية من محاولات لزج الأكراد في أوراق صراعاتها.

الأكراد تعني بالفارسية «الأبطال أو الشجعان». ومن الناحية التاريخية، قال مؤرخون هم أحفاد أولئك الخالدين الإيرانيين المحاربين الأشداء الذين كانوا من سكان الجبال ويتمتعون بروح قتالية عالية، يشكلون في تركيا نسبة 41 في المئة وبعدها إيران 31 في المئة. تقريباً، والسؤال الذي يطرح: هل يُعيد الموضوع الكردي رسم اللوحة الجيو ـ سياسية الجديدة في الشرق الأوسط؟

هذا السؤال الدقيق قفز إلى الواجهة مع سلسلة التطوّرات المفاجئة على صعيد كل الديموغرافيا الكردية، فمن التطورات الإيجابية التي لحقت بالأكراد في تركيا هي معاهدة «سيفر» عام 1920 التي أعطت الأكراد حق الحكم الذاتي عبر بند زود الأكراد بحق الاستقلال عن تركيا، لكن اتفاق لوزان عام 1923 سلب الأكراد هذا الحق، لتتجه الحكومة التركية إلى فعل كل ما يمكن من وسائل دستورية واجتماعية وحتى عسكرية لمحو الاستقلال ومنعه، لتبقى قضية الأكراد متناثرة بين الاضطهاد التركي والتباعد الجغرافي في لم شمل هذه الأقلية في دائرة الحقوق المدنية والثقافية والحضارية، خصوصاً بعد التغيرات الحاصلة في العراق بعد الانتداب الانكليزي وثورة الشيخ محمود برزينجي في ولاية الموصل التي ضمتها بريطانيا إلى العراق بسبب المخزون البترولي الموجود فيها في عام 1931 لتكون الحركة القومية الكردية التي لا تملك اتصالاً جغرافياً بل هي مكونات وجماعات نازحة في سورية وإيران من أصول تركية شردتهم معاهدة «لوزان» عام 1923 من تحت الاضطهاد التركي إلى اقلية ضاعت حقوقها المدنية والحضارية بين الجغرافية غير المتصلة أصلاً التي طمست هويتهم التاريخية والثقافية وأحالت قضيتهم على الشتات الذي عززته السلطات التركية حالياً في اعتداءاتها على حزب العمال الكردستاني بتكليف من الرئيس التركي «أردوغان» الذي أحال موضوع حزب العمال الكردستاني على متاهة القتال والمفاوضات المراوغة التي تشتهر بها حكومته، منذ بدء القتال بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني الممتد من عام 1984 عبر زعيمه عبدالله أوجلان بمراحل تقتضي تعليق هجمات الحزب المحظور تركياً، اعتباراً من 21 آذار 2013 مقابل إصلاحات تركية تزيد من حقوق الإقلية الكردية وخصوصاً في ما يخص الهوية الكردية، فهذه المصالحة المرنة كردياً والمراوغة تركياً بقيت رهينة الاستهلاك الإعلامي منذ اعتقال أوجلان عام 1999، لكن الفشل التركي المتعمد وطريقة سد الطرق التركية أديا في محطات عدة إلى تكثيف المعارك العسكرية بين الأكراد وحزب العدالة والتنمية التركي الذي حاول في كل مرة استخدام الورقة الكردية في «مراوغاته» التي ليس آخرها إعلان خريطة الطريق من أجل السلام النهائي بين الكرد وتركيا والتي أعلنها زعيم حزب العمال الكردستاني في عيد رأس السنة الكردية في 21 آذار عام 2015 من سجنه في جزيرة ايمرالي، عبر طلبه من مؤيديه في 28 من شباط الماضي إعداد خريطة الطريق نظرية وعملية تُعبّد طريق السلام، لكن الرد التركي جاء بتعزيز صلاحيات الشرطة التي زادت حالات الاضطراب العنيف في مناطق الأكراد، فالمراوغة التركية أثبتتها محطات كثيرة منذ بدء المفاوضات عام 2010 وصولاً إلى وقتنا، الأمر الذي لا يترك مجالاً للشك في نية حكومة العدالة والتنمية المجرمة التي اعتدت على الاحتجاج الكردي في تشرين الأول 2014 الذي عمّ الشوارع التركية، عندما رفضت الحكومة التركية التدخل في دعم القوات الكردية التي كانت تدافع عن مدينة عين العرب ذات الغالبية الكردية السورية المحاصرة من قبل تنظيم «داعش» الإرهابي المدعوم تركياً حتى نقي العظم، لذلك فإن محمل السياسة التركية بخصوص القضية الكردية تدخل إطار التعامل مع هذه الورقة كورقة توسيع للنفوذ والدور التركي في المنطقة واستعمالها سياسياً وعسكرياً في السياسات الإقليمية ضد سورية والعراق وحتى إيران عبر الصراع الجاري في المنطقة وصولاً لإعطائه بُعداً طائفياً وقومياً في أكثر من منطقة وقضية مع بقائه تحت الاستعمال الداخلي كورقة انتخابية قوية لتمرير مشروع لدستور الجديد الذي يُعد له البرلمان التركي مع تصاعد نفوذ المعارضة التركية، فزج هذه الورقة إقليمياً يشكل اللعبة الأخطر التي يحاول قيادتها حزب «أردوغان» في السعي لتنظيم وتحريض الأكراد ودفعهم إلى حمل السلاح ضد الدولة السورية في محاولة لتغيير موقفهم الوطني من بلدهم سورية في إطار الصفقات السياسية والتطلع إلى أهداف آنية ومحدودة في زمانها ومكانها كنموذج إسلامي «معتدل» لكن محاولات الاستعمال هذه لم تلغي السعي التركي إلى دعم التنظيمات الإرهابية التكفيرية وما فعلته في القرى الكردية السورية عبر الدعم التركي المباشر لكون المناطق الكردية السورية هي امتداد للمناطق الكردية التركية والتي دعمت فيها تركيا تنظيمات التكفير عبر سيطرة «داعش» الإرهابي في الجغرافية التي سيطر عليها لما تتمتع بأهمية استراتيجية مثل «كوباني» التي تشكل حاجزاً بين الحلم التكفيري والسيطرة على بقعة تمتد من الموصل إلى حلب كورقة وبقعة واحدة تعمل حكومة أردوغان إلى صناعة كل التعقيدات أمام أكرادها في دعم التكفييرين بنّية تفريغ المنطقة من الأكراد وهو الصالح التركي الدفين الآثم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى