لعبة البنتاغون… الفتنة بين الإيرانيين والعرب
ترجمة وإعداد: ليلى زيدان عبد الخالق
كتبت شارمين نارواني ذات مقال: «قبل ست سنوات من الربيع العربي، دعت مجموعة من ساكني المرتفعات في اليمن الحوثيين إلى الثورة على الحكومة الاستبدادية ورعاتها في الخارج للمطالبة بحقوقهم. وقد جاء عام 2015 سريعاً، وما زال الحوثيون يقاتلون لمعالجة مظالمهم الداخلية، ولكن ذلك أصبح الآن في منطقة قد تغيرت كثيراً، إذ وصلت المنافسات الجيوساسية بين محورين عالميين إلى منحنى خطير.
وفي الأسبوع الفائت، قامت قوات التحالف الذي تقود المملكة العربية السعودية والمكون من دول الخليج العربية وبعض الدول الملكية الأخرى بشن ضربات جوية على اليمن في محاولة للحفاظ على الهيمنة في الشرق الأوسط سريع التغير. ولكن هذا التحالف لا يمكنه أن يتوقع تحقيق هذا الهدف بعد الخسائر السياسية الفادحة التي تكبدوها جراء التدخلات في سورية والعراق وليبيا وأماكن أخرى. من المنظور التاريخي، اليمن بمثابة رمال متحركة أمام الغزاة والمتدخلين فيها على السواء. وبعد ست حروب حديثة أصبح اليمن مخزناً للأسلحة والمكونات القتالية. إذاً، لماذا تنزلق الولايات المتحدة بشكل أعمق في مستنقع آخر في الشرق الأوسط، في اليمن، خصوصاً بعدما فشلت من قبل في احتواء تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية هناك؟
إن واشنطن تدعم بالفعل جهود الحرب من وراء ستارة، إذ تقدم المساعدة العسكرية والاستطلاع بطائرات من دون طيار لتحديد الأهداف اليمنية للضربات السعودية. وتحسباً لهذا السيناريو، وافق الكونغرس ـ في السنة الأولى من «الربيع العربي» ـ على مبلغ 67 بليون دولار كمبيعات أسلحة للسعوديين تشمل طائرات ومروحيات وصواريخ وقاذفات صواريخ وقنابل ونحو 640 مليون دولار لذخائر عنقودية يتم استخدام معظمها الآن في مسرح العمليات اليمني.
حتى الآن، تعمل الولايات المتحدة بهدوء، فهي لا تحدد أهدافاً ولا تعدّ خططاً لمغامرتها اليمنية. ولكن الأميركيين يحتاجون إلى أن يكونوا حذرين: بالأمس القريب كان الرئيس أوباما يشيد بنجاح اليمن في مواجهة الإرهاب. واليوم أخفقت كل الرهانات، وعلمنا أن واشنطن كانت تقرأ اليمن خطأً طوال الوقت.
وفي سعيها إلى الحفاظ على هيمنتها في المنطقة، كانت الولايات المتحدة باستمرار تراهن على الحصان الخطأ ـ فتغازل الحكام الأقوياء المستبدين وتعزل نفسها عن المشاعر الشعبية في المنطقة. ولكن المحادثات النووية مع إيران وعدت باتجاه جديد، إذ افترضت أن واشنطن تتطلع إلى توسيع علاقاتها مع الجهات الإقليمية الفاعلة القادرة على وقف المد الجهادي الذي يجتاح الشرق الأوسط.
في اليمن اليوم، ستكون الولايات المتحدة حكيمة لو أنها سلكت هذا المسار الجديد وقطعت الصلة مع مسارها القديم المتمثل في العسكرة والمواجهة مع حلفاء هامشيين. وذلك لأن هذا التعطش السعودي إلى التفوق والهيمنة، هو الذي ساهم في إنتاج المجاهدين في أفغانستان، و بعد ذلك «جبهة النصرة» في سورية، و«القاعدة» في جزيرة العرب وفي اليمن.
إن اختيار القتال مع الحوثيين ـ الذين ساعدوا في احتواء «القاعدة» في جزيرة العرب على الأرض لسنوات ـ بدلاً من الجلوس على طاولة التفاوض معهم، سيؤدي إلى تحرير المتطرفين ليعيثوا في الأرض فساداً في منطقة الخليج العربية.
وفي حين أن الرغبة الأميركية قد تكون في مساندة حلفائها، فإن واشنطن ستكون أكثر حكمة لو أنها كبحت جماح التحالف ودفعت باتجاه الحلول الدبلوماسية وركزت على صراعات أخرى أكثر تهديداً في المنطقة. وفي ظل المعدل الذي يصعّد به التحالف الوضع، فإن أي حرب كاملة في اليمن من شأنها أن تشل شبه الجزيرة».
أما التقرير التالي، فيتضمّن مقالاً لشارمين، تركّز فيه على الجهود التي تبذلها واشنطن من أجل زرع الشقاق والفتنة بين الإيرانيين والعرب.
تقول شارمين نارواني:
لو أردنا أن نفهم ما يحدث اليوم في الشرق الأوسط، فعلينا العودة إلى ما كان يفعله الجيش الأميركي منذ أربع سنوات في المنطقة، أي لدى انطلاقة «الربيع العربي»، ودعم الولايات المتحدة سقوط الرؤساء كالذباب. إذ عمل البنتاغون على تطوير السيناريو التالي: الشيعة يصارعون السنّة، وإيران تواجه العرب، وها هو مقالي الذي نُشر عام 2011:
ومن الممكن ملاحظة حدود السرّية قياساً على التوقيت في آذار 2011. إذ كانت واشنطن تخسر حلفاءها المناصرين كزين العابدين بن علي في تونس، ومبارك في مصر في الوقت الذي كانت فيه الاضطرابات تختمر في الأردن والبحرين واليمن ايضاً. فلماذا، ومن بين كلّ هذا، أراد البنتاغون اختبار سيناريو «إيران في مواجهة العرب»، في خضمّ تلك الأحداث.
نسخة عن التخطيط العسكري يلقي الضوء على القصة التي تقودها واشنطن في ردّ فعلها حيال «الربيع العربي».
أمضى المحلّلون والنقّاد الأسبوعين الماضيين يتفكّرون في موضوع المؤامرة الإيرانية المحيّرة والمزعومة لاغتيال الدبلوماسي السعودي في واشنطن، والانعدام التام لأيّ دافع أو منفعة للجمهورية الإسلامية. وردّت إيران بتوظيف الكثير من الأوراق المالية في تحليلات التكاليف والفوائد من حساباتها الجيوسياسية، وفشلها الواضح في تحقيق كسبٍ ماديّ أو سياسيّ في أيّ من هذه المزاعم إلى الآن.
وبدلاً من التدقيق في «أسباب» تورّط إيران، ربما من المفيد إلقاء الضوء على دوافع واشنطن في دفع الزخم قليلاً باتجاه المسرح السياسي. وقد تلت هذه الاتهامات الجنائية تصريحات رفيعة المستوى، فضلاً عن بعض التسريبات حول عقوبات محتملة قد تصدر عن البيت الأبيض، ووزارات الخارحية والعدل والمالية والدفاع ومكتب التحقيقات الفدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية، عقوبات مدبّرة بعناية لتحقيق أكبر قدر من التأثير. وما لبثت حكومة الولايات المتحدة أن سعت إلى إقناع المجتمع الدولي من خلال مجلس الأمن والأمم المتحدة وبعض «المكالمات الهاتفية إلى عدد من العواصم حول خطورة التهم الموجهة اليها.
تخطت هذه الاتهامات رقعة الجريمة الفردية. وعلى الأرجح، فإن الاتهامات التي وُجّهت إلى إيران جاءت في خدمة «الدبلوماسية العامة»، وهي «محاولة لتأسيس سرد مطوّل يخدم القرار السياسي، فضلاً عن أن السرد الأميركي حول «البعبع» الإيراني صار أمراً مألوفاً في دوائر السياسة الأميركية. أما الجديد فهو التركيز على هذه القصة التي ستعقب حسابات ما بعد «الربيع العربي» في الشرق الأوسط.
جلب «الفريق الأحمر»
في آذار الماضي، ومع تدفق الثوار العرب إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، شكلت القيادة المركزية للجيش الأميركي للعمليات العسكرية «الفريق الأحمر» المؤلف من عشرين دولة تتضمن إيران، السعودية، العراق، مصر، اليمن، البحرين والأردن، لتتمرّس على دراسة السرد السياسي الذي يحرّض العرب ضدّ الإيرانيين باستمرار، وذلك وفقاً لأحد المصادر المشتركة في هذا الفريق. وقال متحدث باسم القيادة المركزية الأميركية للفريق الأحمر عام 2006، «علينا التفكير بالدائرة الأكثر اتساعاً… وشحذ الهمم للتمتع بالصرامة الفكرية»، حول القضايا الصارمة لمصلحة كبار المسؤولين العسكريين.
وفي ما يلي، بعض الفرضيات والأسئلة المدرجة من قبل العرب موجهة إلى القيادة المركزية حيال ممارسات الإيرانيين:
ـ الفرضية الأولى: إن الفجوة الرئيسية تكمن في الديناميكية العربية الفارسية. التاريخ، الدين، اللغة والثقافة، التي تشكل ببساطة عوائق كثيرة تحول دون تجاوزها.
ـ الفرضية الثانية: إن عقدة النقص العربية تجاه الفارسية تعني أن كثيرين من العرب خائفون من التمدّد الفارسي والهمينة على الشرق الأوسط. ففي مفهومهم أن أحلام استعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية لا تزال قائمة وممكنة، وأنه بمقدورها التمتع بالاكتفاء الذاتي أكثر من باقي الدول العربية المجاورة.
ـ الفرضية الثالثة: باستثناء «صدام الحضارات» أي الحروب الصليبية الحديثة، الإسلام ضدّ اليهودية المسيحية، الحرب بين الغرب، و«إسرائيل» ضدّ العرب، الفرس لا يبدو أن هناك سيناريوات تؤدي إلى شنّ حروب عربية ـ فارسية ضدّ الولايات المتحدة/الغرب.
ـ السؤال الأول: هل من المناسب تأطير النقاش كما بين العرب الفرس أو السنة الشيعة في صيغة أكثر تلاؤماً؟
ـ السؤال الثاني: على افتراض حتمية الانقسام، ما الذي يمكن أن يوحّد العرب والفرس موقّتاً؟
تفترض هذه الروايات أمرين مهمين: أن الانقسام بين الإيرانيين والعرب هو حقيقة واقعة لا مفرّ منها، وأن الاتحاد بين هاتين المجموعتين في ظلّ الثورات العربية يشكل تهديداً مباشراً لمصالح الولايات المتحدة. ومن هنا نعيد طرح السؤال الرئيس: كيف يمكن أن تتحد هاتان القوتان ولو موقّتاً؟
وهل يصبح الهدف حينها ضمان وجود حالة من العداء المزمن بين الإيرانيين والعرب؟
ويقول المتحدث باسم اللواء تايلور أن المخططين في القيادة المركزية يسلّمون بسيناريوات متعددة ونتائج محتملة لتوقع وفهم طبيعة المنطقة وتعقيداتها المتنوعة. ومن خلال هذا التخطيط العسكري المحكم والبحوث الثقافية المتعدّدة، فهم قادرون على تقويم أفضل السبل لحماية مصالح الولايات المتحدة وشركائها للحدّ من مخاطر سوء التقدير النابعة من الاختلافات العرقية والقومية.
إذاً، ما من خلاف حول انتشار خطوط الصدع المقسّمة للسكان في المنطقة. وسأذكر القنابل الثلاث الأكثر نتانة في الشرق الأوسط: السنة ضدّ الشيعة، العرب ضدّ إيران، الإسلاميون ضدّ العلمانيين. وقد يكون هناك بعض التوتر الطبيعي بين هذه المجموعات، فمنذ الثورة الإيرانية عام 1979 شهدنا زيادةً ملحوظة في الروايات التي تعزّز الخوف من الشيعة، الإيرانيين والإسلاميين لتحقيق مكاسب سياسية. وكان حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة الأردن، السعودية، مصر، الكويت، البحرين واليمن في طليعة هؤلاء المطالبين. «… فهل الإطار السني الشيعي هو الأكثر ملاءمةً؟ يخاف العرب من الهيمنة الفارسية… الإسلام في مواجهة اليهودية المسيحية».
تتكرر أجزاء عدّة من هذه المواضيع في السرد السطحي في إعلام منطقة الشرق الأوسط. ولم يشكل الفريق الأحمر استثناءً في الكثير من النواحي. لكن هناك أمرين غير اعتياديين للغاية حول هذه التدريبات: راعيها وتوقيتها. والسؤال يبقى محيراً: لمَ يقرر الجيش الأميركي تسليط الضوء على العرب في مواجهة إيران قبل أشهر ثلاثة فقط من اندلاع الثورات العربية في العالم العربي؟
لكن، لمَ لا نمهّد لتقييم أوسع وأكثر إلحاحاً حول كيفية إعادة تنظيم مصالح الولايات المتحدة مع الجهات الفاعلة الديمقراطية الناشئة في المنطقة؟
ميزان انتقال السلطة
في الوقت الذي يمارس فيه الفريق الأحمر سياسته، بدأت الاحتجاجات السياسية السلمية تجتاح تونس ومصر جارفةً في طريقها الأنظمة الموالية للولايات المتحدة، والتي وصلت إلى ذروتها الحرجة في البحرين واليمن. وتضم الأولى الأسطول الخامس للبحرية الأميركية، بينما تشكل الأخيرة مرتعاً لعمليات تنظيم «القاعدة» ومركزاً لحرب بالوكالة بين السعوديين والإيرانيين.
أُتيح لصنّاع القرار في الولايات المتحدة سبب وجيه للشعور بالقلق. فالمستفيد الفعلي من هذه الانتفاضات كانت إيران، وهي البلاد التي تتحدى المصالح الأميركية و«الإسرائيلية» في الشرق الأوسط على مدى ثلاثة عقود مضت. ويضمن سقوط الأنظمة الموالية للولايات المتحدة وقوع هذه البلدان في أيدي القادة الشعبيين الجدد، ومن المرجح أن تتحول سياسة المنطقة الخارجية نحو التوجهات الإيرانية علماً أنها لن تكون هي من يديرها بشكل مباشر.
«لَم تتغاض الولايات المتحدة يوماً عن هذا التطور المحتمل»، يقول ديفيد سانجر مراسل «نيويورك تايمز». وقد كتب قبل شهر واحد على انبثاق الفريق الأحمر:
«تمّ فحص كلّ قرار يُتخذ من ليبيا إلى اليمن إلى البحرين إلى سورية، وفقاً لحساب التفاضل والتكامل حول الهيمنة الاستراتيجية الإقليمية لحسابات إدارة أوباما: كيفية العمل على إبطاء تطوير برنامج إيران النووي، وكيفية تسريع الفرص للوصول إلى انتفاضات ناجحة هناك».
وبالنظر إلى هذه الاحتجاجات من وجهة النظر الإيرانية، تستفيد الولايات المتحدة إلى حدّ كبير. فاستطلاعات الرأي العربي العام تفضل إيران مقارنة مع نقيضتها الولايات المتحدة، لكن ليس عند مقارنتها بالأنطمة العربية، حتى تلك غير الشعبية. وهذه النزعة القديمة من قبل معارضي إيران، تسعى إلى زرع الفتنة في العالم العربي حتى قبل قيام الثورة الإسلامية عام 1979، وبشكل أكثر بروزاً بعدها. أما الأدبيات الكثيرة التي سُردت حول التطلعات التوسعية العدوانية لشيعة إيران، فقد روّجت لها وسائل الإعلام السعودية على نطاق واسع، حتى عندما لم يكن هناك صراع جدّيّ بين الإيرانيين والعرب، وذلك منذ الحرب الإيرانية العراقية عام 1988.
ومثل هذه الحملات الدعائية والنقص المعرفي الذي تشجع عليه، تساهم في فقدان الثقة بين إيران وعدد من الدول العربية التي تغلي باستمرار منذ ذلك الحين. وبينما تسعى واشنطن إلى التقليل من خسائرها وتأكيد سيطرتها على التطورات المستقبلية في المنطقة منذ ذلك الحين، فقد أصبحت هذه الوسيلة الدعائية مكلفة للعودة إلى مركز التفوق من خلال تحديد خريطة جديدة لشرق أوسط جديد ورسم تصوراتها للآخرين ضمن هذه الافتراضات.
البنتاغون ووسائل الإعلام
إن ممارسات الفريق الأحمر لم تأتِ من فراغ. فالثورات العربية اقتيدت وإلى حدّ كبير ـ من خلال منصات وسائل الإعلام الاجتماعية، وشبكات التواصل التي لا تشجع عليها سياسة تلك البلدان وقد تحظر استخدامها.
يشحذ البنتاغون الهمم للفهم والتأثير والسيطرة على هذه الوسائل والرسائل التي تبثّها هذه المحطات. ففي تموز، أعلنت الذراع العسكرية لوزارة الدفاع «DARPA» عن برنامج الـ 42 مليون دولار لتمكين الجيش الأميركي من «كشف الأفكار والمفاهيم وتصنيفها وقياسها ومتابعة تشكيلها وتطويرها وانتشارها، خلال وسائل الإعلام المتعددة.
وبهدف السماح باستخدام المعلومات بطريقة أكثر مرونة من أجل دعم عمليات الجيش والدفاع ضدّ «النتائج العكسية»، وإتمام المهمات، وتحديد المشاركين والنية وقياس آثار حملات الإقناع، وفي نهاية المطاف، إعادة توجيه الحملات القائمة على وسائل الإعلام الاجتماعية في الخارج عند الضرورة.
والآن، ومع تحديد المجال التشغيلي للقوات المسلحة في الفضاء الإلكتروني، فنحن لا نعلم أين ومتى سيتمّ تعبئة هذه الأدوات على الإنترنت. غير أننا نستطيع أن نجزم أن أحد الأهداف الأكثر احتمالاً هي إيران، التي أعلنت بداية هذه السنة عن مخططاتها قطع شبكة اتصالاتها العنكبوتية بباقي العالم وإقامة شبكتها الوطنية الخاصة.
الروايات المصنّعة
تخدم الروايات التي تكرّس إيران تهديداً للدول العربية في المنطقة، عدداً من المصالح المهمة اليوم: تبرّر بيع ما يفوق الـ120 بليار دولار من الأسلحة للحكومات العربية، وتعمل على منع إيران من السيطرة أكثر على العراق بعد الانسحاب النهائي للقوات الأميركية من هناك في كانون الأول من هذه السنة.
غير أن الانتفاضات العربية دخلت وبقوة على خط قصة واشنطن. فالمملكة العربية السعودية والمنافس الرئيس لإيران، والحليف العربي الأقرب للولايات المتحدة، أرسلت قواتها إلى البحرين لقمع المتظاهرين هناك، ووفرت الملاذ للطغاة المحاصرين، كما دعمت بالأموال عدداً من الأنظمة الاستبدادية في المنطقة.
إن هذه الحفنة الكبيرة من الثوار المعادين للسعودية سيُسمع صداهم في أروقة البيت الأبيض. وسيدفع السعوديون أكثر من نصف القيمة الإجمالية لمشتريات الأسلحة المثيرة للجدل والتي تفوق الـ67 بليار دولار. كما تطور هذه الملكية قوات نخبوية يفوق عديدها الـ 35000 رجلاً لحماية نفط المملكة ومواقعها النووية المستقبلية، والتي لن يشرف عليها أحد سوى القيادة المركزية الأميركية «CENTCOM».
تشكل الثورات العربية تهديداً لمثل هذه المخططات المستقبلية العملانية. ففي الأشهر الأخيرة الماضية، وجدت إدارة أوباما صعوبة بالغة للموافقة على صفقة بيع الأسلحة إلى البحرين بقيمة 53 مليون دولار، والتي اشتهرت بسياستها القمعية للمحتجين السلميين. وعلى رغم الضغوط غير المحتملة من قبل الكونغرس وجمعيات حقوق الإنسان، أعلن أخيراً، مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية الموافقة على البيع.
«هذه الصفقة هي عبارة عن جزء من التحرك للدفاع عن البحرين من العدوان»، يؤكد متحدث بِاسم «أخبار الخليج»، في إشارة واضحة إلى إيران.
وبينما تستمر هذه الانتفاضات العربية في تفكيك الوضع الراهن في المنطقة وشرذمته ـ سواء إلى الأفضل أو الأسوأ ـ يبدو أن الولايات المتحدة لا تتصرف وفقاً للقيم المعلنة، وتسعى بدلاً من ذلك إلى السماح للحسابات المالية والهيمنة بقيادة سياستها الخارجية ودفعها.
تخدم الروايات المصنّعة مصالح قصيرة الأمد لقيم أساسية ألقت بظلالها على قدرتنا على لعب دور قيادي في الشؤون العالمية. نحن لا نعقل هذا، لا بل ندور في فلكه. وفي هذه المرحلة من مراحل الشرق الأوسط الجديد، يبدو أن ما من أحد أثبت جدارته وكفاءته في كبت طنين هذا الصراع.