هل ينهي السوريون حربهم قبل انتهاء الصيف؟

جمال العفلق

أربع سنوات وأشهر عمر الحرب على سورية، حرب يشترك فيها ثلث العالم بالمال والسلاح والإعلام بدأت بكذبة «سلمية» وسارت على أجساد السوريين ودمائهم وأرزاقهم، تلونت فصولها بين ربيع لا أزهار فيه وصيف ساخن وشتاء أثقل على السوريين في الداخل والخارج بهموم ليله الطويل.

اليوم وبعد التغيرات الميدانية على الأرض، يمكن أن نجزم أن هناك قراراً كبيراً سوف يصدر سيغير وجه المنطقة لمئة عام مقبلة، فخيال المعارضة واسع وخصب، ويعتقد المعادون للشعب السوري أن معركة هنا أو هناك أو تفجيراً كبيراً أو اغتيالاً لعالم دين أو رجل دولة أو أستاذ جامعة، هو نهاية المعركة وحسم المصير للشعب السوري. متناسين أن هناك بحراً من الدماء وقوافل من الشهداء تركت خلفها من يقبض على البندقية ويتمسك بالحل الوطني، رافضاً أي حل يبدّل أو يغير من جغرافية سورية أو من تاريخها.

دخل الأميركيون الحرب بكل ثقلهم عبر الوسيطين السعودي والأميركي فزودوا المرتزقة بأحدث الأسلحة كما تابعوا معهم سير المعارك عبر الأقمار الصناعية، وبالتأكيد هناك من كان بالميدان يتابع بشكل مباشر التنفيذ وعمليات التقدم، وليس بالأمر الغريب أن تتقدم قوات معادية بمكان ما تفرض حالة انسحاب موقت هذا الانسحاب يكون في الغالب فيه ربح أكبر من البقاء على الأرض وزيادة عدد الضحايا. عسكرياً التغير في المعارك وعمليات الكر والفر لا يمكن تحليلها عن بعد فبالتأكيد هناك أولويات يتبعها المدافعون عن النقاط والمدن والقرى هي من تحدد طبيعة المعركة، ولكن يبقى السؤال هل سيستطيع المعتدي البقاء في النقطة التي وصل إليها وهل سيكون قادر على حمايتها مستقبلاً؟ يبقى هذا مرهون بالوقت ولكن تجربة القلمون والقصير من قبلها، تثبت أن هذه القطعان لا تملك استراتيجية الدفاع ولا عقيدته فهي تتقدم وتنصب مواقع، ولكن بمجرد شعورها بالهجوم المعاكس غالباً ما تترك مواقعها وتنسحب فهي لا تملك صلة بالمكان ولا رابط يربطها فيه.

أما سياسياً، فأميركا المربكة في الدعم بين فصائل تدعي أنها معارضة معتدلة، ولكنها في واقع الحال هي ما يسمى «جبهة النصرة» والتي تعتبرها أميركا ـ أو تدعي ذلك ـ جبهة إرهابية، ولكن الواقع يقول إن أميركا تعمل يداً بيد مع هذه الجبهة الإرهابية كما تعمل مع «داعش» وتموله وتسهل له الطرق للوصول إلى أهدافه، وخصوصاً المناطق الغنية بالنفط أو الطرق الحيوية. واليوم أصبح من المخجل أن نكرر أن هذه الجماعات ومن فيها ومن يدعمها هم أنفسهم أميركا والصهيونية وادعاء عكس ذلك من أي شخص هو مجرد تضليل وتضييع للوقت لا فائدة منه فقرار أميركا الغبي بشنّ الحرب على سورية، معتقدة أنها ستكون حرباً خاطفة تبدّل وتغيّر بالواقع السوري كما تشتهي أميركا، ولكن الصمود الكبير للسوريين وقدرة الدولة على التأقلم مع الضربات المتعددة والمتنوعة وتبدل آراء السوريين تجاه هذه الحرب غير المعادلة، وتبدل خطط التنفيذ. فمرة ادعى الأميركيون أنها ثورة سلمية، ومرة قالوا إنها معارضة معتدلة تحمل السلاح لتدافع عن نفسها ثم حاولوا الخروج ببيان دانه لحفظ ماء الوجه باعتبار «داعش» و»النصرة» حركات إرهابية تجب محاربتها ولكن هذا الكلام بقي على الورق ولم يتغير على أرض الواقع شيئاً.

وسياسياً أيضاً خرجت علينا الجزيرة بمقابلة كان فارسها الملثم هو الجولاني الذي أنذر السوريين وبشر بقيام دولة الخلافة المزعومة، وهذا إذا ما تم فإن الجولاني ومن خلفه يريدون إطالة أمد الحرب، لأن مشغليه يعلمون أن هناك تصادماً حقيقياً سوف يبدأ بين الجماعات الإرهابية، والخلاف طبعاً حينها سيكون على الشرع، ومن هو الأحق بالخلافة البغدادي المصنوع أميركيا أم الجولاني المصنوع «إسرائيلياً»؟

ولم يكتفِ الجولاني بهذا، بل زاد عليه بأن رد التحية للسيد جنبلاط الذي لطالما دافع عنه وعن جبهته بأن كفره وإن لم يكن صراحة، ولكنه اكتفى بأن كفر دروز إدلب وأرسل لهم من يعلمهم أصول الدين وينبش قبور الصالحين ويدمر معابدهم؟

فهذا الصيف الساخن بالحوارات والمعارك والتغيرات، سوف يعلن نفسه صيف الحسم وينهي معارك طويلة، فلا الجيش السوري انهار كما يحب أن يسوق له الإعلام وبعض أصحاب البرامج الاستعراضية «الحوارية» ولا هو جيش مرتزقة إنما هو الشعب السوري الذي يحمل اليوم سلاحه وهو يعلم تماماً أنها حرب وجود لا حرب حدود، فالتحالف العقائدي من العراق إلى عرسال في لبنان يثبت أن مشروع النصر بدأ، وأن الحرب لم تنتهِ بعد وأن تحرير الأرض وإن طال الزمن سوف يتحقق، كما أثبت الشعب المقاوم فشل الإعلام والحرب النفسية التي تشن عليه، فبقدر ما يعتقد القائمون عليها أنهم يحققون أهدافهم نجد أن الناس أصبحوا يسخرون منهم ومن تحليلاتهم وأخبارهم المُصنعة وفق نهج كسر النفوس وإرباك العقول.

وإذا كان أردوغان اليوم يحلم بالنصر، فعليه أن ينتظر كثيراً هذا النصر المزعوم، لأن كرة النار آن لها أن تنقلب عليه كما حدث في ورطة السعودية بما سمي عاصفة الحزم التي تبدل اسمها بحثاً لها عن مخرج أمن بعد الفشل في دخول اليمن وفرض القرار المزعوم دولياً على الشعب اليمني، وكانت المهلة أقل من شهر لتجد المملكة نفسها في حرب طويلة لا تعرف كيف تنهيها، وأضيف اليوم إليها حمل جديد، انتشار «داعش» في المنطقة الشرقية لا يشكل خطراً على سكان تلك المنطقة فحسب، فهذا الوجود يؤكد تورطاً داخلياً سعودياً بهذه المجموعات التي لن تكتفي بتفجيرات هنا وهناك، بل ستكون عينها على الهدف الأكبر ففي أدبيات «داعش» مركز الخلافة يجب أن يكون في مكة المكرمة.

سيكون هذا الصيف حاراً بما يكفي لإنهاء هذا العدوان وتغيير قواعد الاشتباك.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى