«حروب الجمهورية القرطاجية من التأسيس حتى السقوط»… كتاباً لعبد الله يوسف السليمان
«قريت حدشيت» أو القرية الحديثة، هي المستعمرة التي بناها الفينيقيون على الساحل التونسي لتحلّ مكان «مستعمرة عتيقة»، العتيقة فعلاً، والتي بناها الفينيقيون أواخر القرن الثاني عشر قبل الميلاد. وقدّر لـ«قريت حدشيت» أن تصبح في ما بعد سيدة الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط، ويعرفها العالم كلّه بِاسمها المحرّف عن الأصل… قرطاجة.
ينطلق الباحث عبد الله يوسف السليمان في كتابه الصادر حديثاً عن «الهيئة العامة السورية للكتاب»، والذي حمل عنوان «حروب الجمهورية القرطاجية من التأسيس حتى السقوط»، ليصل إلى عدّة أهداف، الرئيس منها يتمثل في إماطة اللثام عمّا أهمله المؤرّخون الغربيون عن صراع قرطاجة الطويل مع الإغريق، خصوصاً أن المكتبة العربية خاوية من دراسات علمية لهذا الجانب كما يقول الكاتب.
وكتاب عبد الله يوسف السليمان يقع في 232 صفحة من القطع الكبير، ومهّد له بمقدّمة محكمة قام فيها بتوصيف الحالة القرطاجية، ثم اتبع تسلسلاً دقيقاً كرونولوجياً، علم التسلسل الزمني، على رغم شحّ المصادر، ما دل على جهد واضح وكبير في تدقيق المعلومة التاريخية وتوثيقها على طول الكتاب.
قسّم المؤلف كتابه إلى بابين: الأول تحدّث فيه عن حروب قرطاجة مع الإغريق من التأسيس حتى عام 276 قبل الميلاد، وقدّم فيه عرضاً وفق تسلسل زمني بدأ من تأسيس قرطاجة. ووفق الأسطورة الواردة في الأدبين اليوناني واللاتيني، ذكر المؤلف أن قرطاجة أسّستها أميرة من صور تدعى «إليسا» أو «أليسار» ابنة الملك «موتو»، إذ هربت هذه الأميرة من صور بعد مقتل زوجها الكاهن الأكبر للإله ملقارت، على يد أخيها «بيغماليون بوماياتون»، الذي عرف بشخصيته المستبدة وحقده على زوج أخته «إليسا»، الذي كان يتمتع بالغنى والقوة والاحترام بين المواطنين بحكم مكانته الدينية.
ويتابع المؤلف: قرّرت «إليسا» أو «أليسار» الهروب من صور بأموال زوجها، وأبحرت بسفنها إلى أفريقيا، بعد توقف قصير في قبرص. وبعدما اشترت «إليسا» قطعة أرض من القبائل المحلية، كان الاستقرار لتأسيس قرطاجة في ما بعد.
وقدّم المؤلف أكثر من احتمال لتاريخ تأسيس قرطاجة، منها بحسب الأساطير سنة 753 قبل الميلاد، أي السنة ذاتها التي أُسّست فيها مدينة روما. كما بيّن بحسب البحوث الأثرية والدراسات التاريخية، أنّ هناك أكثر من احتمال لتاريخ تأسيس قرطاجة على يد الأميرة السورية «إليسا»، من المرجح أن يكون نحو سنة 865 قبل الميلاد.
ويرى المؤلف أن قرطاجة بقيت مستعمرة فينيقية عادية ولم يلمع نجمها إلا في منتصف القرن السادس قبل الميلاد. وبدأت تسير في طريقها الحافل بالأحداث، بدءاً من صداماتها الأولى مع الإغريق سنة 580 قبل الميلاد، مروراً بسيطرة قرطاجة على صقلية، لتتوالى صراعات قرطاجة مع ممالك ثانوية في حوض المتوسط مثل «إبيريوس»… ألبانيا حالياً.
وفي الباب الثاني، تحدّث المؤلف عن حروب قرطاجة مع الرومان، والتي استمرت 118 سنة، من عام 264 حتى 146 قبل الميلاد، والتي تقسّم إلى ثلاث مراحل من الحروب منها الحربان البونية الأولى والبونية الثانية، اللتان خاضهما هانيبعل ضد الرومان عبر حملة برّية طويلة عبر جبال الألب، وانتهت بخسارته الحرب. لذلك فضّل الموت على أن يقع أسيراً في يد الرومان، وتجرّع السمّ ومات سنة 183 قبل الميلاد.
ويختم المؤلف كتابه بشرح الحروب البونية الثالثة، التي شهدت نهاية قرطاجة على يد الرومان الذين أحرقوها.
وقرطاجة ـ التي عمّرت لسبعة قرون ـ كما يراها المؤلف، «امبراطورية من نوع فريد»، كانت امبراطورية بحر وتجارة. وهاتان الصفتان حتّمتا عليها أن تنشد السلم، لكن القدر أخفى لها سجلاً حافلاً بالحروب والمعارك البرّية والبحرية، ومن المؤسف أن صفتها البحرية حرمتها حدوداً برية يسهل الدفاع عنها بجملة من القلاع والحصون، كما حال إمبراطوريات الشرق القديم. وصفتها التجارية دفعت سكانها ليعتمدوا على المرتزقة في تشكيلات جيشهم.