«المستقبل» و«النصرة» وتحالف المصلحة

محمد حميّة

تقدّم ملف عرسال وجرودها على ما عداه من الملفات الداخلية وسط انقسام سياسي حول كيفية معالجة الوضع الأمني فيها مع تدفق المسلحين الفارّين من القلمون إلى الجرود ليشكلوا مع المسلحين المتواجدين هناك قوة عسكرية تهدّد لبنان في كلّ لحظة.

وما أن أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في عيد المقاومة والتحرير بأننا «لن نقبل أن يبقى إرهابي واحد في أرضنا»، حتى اشتغلت ماكينة تيار المستقبل و14 آذار السياسية والإعلامية لمحاولة تشويه كلام السيد نصرالله تارة بالتلويح بفتنة مذهبية إذا دخل حزب الله إلى الجرود، وطوراً باتهامه بتوريط الجيش اللبناني في المعركة.

إذا كان الخلاف السياسي مشروعاً بين الأطراف الداخلية حول قضايا عديدة، فما الذي يبرّر الخلاف على عدو إرهابي خارجي يضمر الشرّ للبنان واللبنانيين ويهدّدهم دائماً، بعد أن استهدف بجرائمه كلّ المناطق اللبنانية ولا يزال؟

هذا السؤال يؤدي بنا إلى سؤال آخر، هل يريد تيار المستقبل فعلاً إنهاء ظاهرة الإرهاب في جرود عرسال؟

رغم إعلان وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي ينتمي إلى «المستقبل» منذ أشهر قليلة أنّ جرود عرسال باتت محتلة من المسلحين، إلا أنّ خطابات وبيانات وتصريحات هذا التيار لم تتضمّن مطالبة علنية للجيش بتحرير عرسال وجرودها من المسلحين ولا حتى طلب بحث الموضوع على طاولة مجلس الوزراء لتوفير الغطاء السياسي للجيش، بل إنّ التيار والفريق الذي ينتمي إليه، لم يبد يوماً أيّ موقف تجاه «جبهة النصرة» التي تحتلّ الجرود بحسب المشنوق، حتى أنّ البعض وصف مسلحيها بـ«الثوار»، والبعض الآخر وصفهم بـ«جيش الفتح»، وعندما يقع هؤلاء في الإحراج فأقصى وصف يمكن أن يطلقوه على هؤلاء الإرهابيين هو «العصابة». فهل يمكن التعامل مع «النصرة» و«داعش» كأي عصابة سرقة أو اتجار بالمخدرات أو تزوير عملات على سبيل المثال؟ ولو كانت هذه التنظيمات مجرد عصابات كما يصفها «المستقبل»، فلماذا تشكل هذا الحشد الدولي من أصقاع الأرض لمواجهتها؟ وكيف يدّعي فريق «المستقبل» دفاعه عن الجيش وهذه التنظيمات التي يصفها معظم نوابه ومسؤوليه بـ«الثوار» قتلت عناصره وضباطه ومثلت بجثثهم وخطفت آخرين!

فات فريق «المستقبل» أنّ «النصرة» هي فرع لتنظيم «القاعدة» وموضوعة على لائحة الإرهاب الأميركية ومجلس الأمن الدولي، وبالتالي فإنّ المجموعات المسلحة المتواجدة في جرود عرسال تنتمي إلى «النصرة» التي تنتمي بدورها إلى «القاعدة».

أما اللافت، فهو صمت «المستقبل» المريب بعد كلام «أمير النصرة» أبو محمد الجولاني، الذي قال إنّ «حزب الله لديه خصوم كثر في لبنان»، ودعوته كلّ القوى السياسية اللبنانية إلى «التكاتف معنا لإسقاط النظام في سورية وحزب الله».

فهل يلبّي «المستقبل» وحلفاؤه نداء الجولاني؟

أشارت مصادر مراقبة إلى أنّ «المستقبل» لطالما سعى بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري إلى إنشاء قوة عسكرية موازية للقوة العسكرية التي يملكها حزب الله لتحقيق التوازن العسكري معه، لكن لاستحالة ذلك لم يجد إلا «النصرة» لتكون هي الجيش السري له كما وصفها رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، وذلك ضمن اتفاق تعاقدي وتبادل مصالح بين الطرفين، فـ»المستقبل» يؤمّن الغطاء السياسي لـ«النصرة» لإبعاد عيون الأجهزة الأمنية عن تحركات مقاتليها وأنشطتهم، مقابل أن تتولى الجبهة تحقيق الأهداف العسكرية التي يستفيد منها التيار سياسياً ومنها استدراج حزب الله إلى معارك داخلية.

فهل تكون «جبهة النصرة» هي الجناح العسكري لـ«المستقبل» ضمن لعبة مزدوجة يمارسها هذا التيار لتحقيق أهدافه السياسية، وهذا ما يفسّر بالتالي رفضه الدخول العسكري إلى الجرود حتى ولو كان الجيش؟

هنا تربط المصادر بين تشكيل كتيبة «الفاروق عمر» التي هدّدت بمواجهة حزب الله إذا دخل عرسال وبين زيارة وفد من أهالي البلدة وزير العدل أشرف ريفي الذي هدّد قائلاً: «لن نسمح لأحد بالتطاول على أهل عرسال وسنقاتل ضدّ الدويلة».

ورأت المصادر نفسها أنّ تشكيل الكتيبة في هذا التوقيت جاء نتيجة الإحراج الذي وقع فيه «المستقبل» في موضوع عرسال، فهو لا يستطيع السماح لحزب الله بالدخول إلى الجرود لإنهاء ظاهرة الإرهاب بسبب علاقته الوطيدة بالمسلحين، ولا بتمرير الغطاء السياسي للجيش بقرار حكومي لإنهاء هذه الظاهرة، ومن جهة أخرى فقد فشل «المستقبل» في تجييش أهالي عرسال ضدّ حزب الله نظراً إلى ما عانوه من المجموعات المسلحة وممارساتها الإرهابية خلال عامين حتى خرجت بعض الأصوات من البلدة لتطلب من حزب الله الدخول لإنقاذهم من المسلحين.

يبقى السؤال: لماذا لم يتم تشكيل هذه الكتيبة وغيرها للدفاع عن عرسال وقتال إرهابيّي «النصرة» و«داعش» الذين قتلوا وذبحوا أهلها وسرقوا ممتلكاتهم واحتلوا أرضهم، وأحداث الصيف الماضي دليل شاهد؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى