«معتدلو» واشنطن عملاء الحزام
غالب قنديل
تختنق «إسرائيل» في مأزقها الاستراتيجي منذ هزيمتها في لبنان على يد المقاومة التي دحرت قواتها عن معظم الأراضي المحتلة من دون قيد أو شرط في مثل هذه الأيام قبل أربعة عشرعاماً، وتضاعفت وطأة المأزق بفعل منظومة الردع التي كرّستها حرب تموز ولم تفلح جميع محاولات الولايات المتحدة والحلف الأطلسي والحكومات الرجعية العربية في زحزحتها. كما أثبتت اختبارات القوة التي قام بها الصهاينة منذ انطلاق العدوان الاستعماري على سورية، إذ تمكنت منظومة المقاومة من إحياء قواعد الردع وتأكيدها بعمليات موجعة و«غامضة» تلاحقت بين جبل الشيخ والجولان ومزارع شبعا فصدّت العربدة الصهيونية التي أعقبت عشرات المناورات والتدريبات والتهديدات، «الإسرائيلية» بالتدخل المباشر في الحرب الكونية ضد سورية على وقع الغارات المتتالية، بينما كان خطر وشيك يتهدّد الكيان الغاصب من ردّ منظومة المقاومة على ضربة أوباما التي ردعت بالقوة الكامنة وبحسابات الكلفة، وتمّ إخراج التراجع الإمبراطوري في حينه بما سُمّي بـ«تسوية الكيماوي الروسية».
ظهرت المعاني الاستراتيجية لوجود حزب الله في سورية عندما فرضت المقاومة مجدداً على الكيان الصهيوني انكفاء قسرياً صريحاً فاندفع بعد ذلك إلى الانخراط الوقائي في حرب الاستنزاف ضدّ الدولة الوطنية السورية من خلال ميليشيات عميلة تدرّب وتنظّم في الأردن بإشراف أميركي فرنسي بريطاني وبتمويل خليجي، ويتبين بالوقائع أن «معتدلي واشنطن» في ما يسمى بتشكيلات «المعارضة» ليسوا سوى عملاء «إسرائيل» المكلفين بإقامة حزام أمني على تخوم الجولان المحتل يغذيه ممر الخط الفاصل الممتد بين الأردن ومزارع شبعا اللبنانية المحتلة، مروراً بالجولان، ما أسقط بالوقائع المزاعم الإعلامية والايديولوجية عن العداء وتناقض المصالح بين «إسرائيل» وتكفيريي «القاعدة» الذين تستمر الخشية من خروجهم على سيطرة مشغّليهم في حلف العدوان الذي استحضرهم إلى سورية وأغدق عليهم المال والسلاح.
تقوم شراكة فعلية بين ما اصطلح على تسميته تاريخياً «عرب اميركا» و«إسرائيل» منذ تكوين مجموعة شرم الشيخ بإشراف كونداليزا رايس لقيادة حرب تموز، وتواصل هذه المجموعة شراكتها في جميع المجالات الاستخباريّة والسياسية واللوجستية وحتى المالية المتصلة بخطة استنزاف الدولة السورية بعد فشل الجانبين بمساعدة الغرب في مرحلة طويلة من الترهيب والترغيب لسحب سورية من موقعها كمحور مركزي لمنظومة المقاومة والاستقلال في الإقليم تجندت لها في «سنوات الخديعة» حكومات كل من فرنسا وتركيا وقطر، وفقاً لما كشفه الرئيس الأسد حول ما تلقاه من عروض ومساومات منذ زيارة كولن باول المشهورة إلى دمشق حتى تهافت الموفدين إليها سراً وعلانية بعد اندلاع الحرب على سورية.
يراهن المخططون الأميركيون و«الإسرائيليون» بحسب ما تظهر مراكز الدراسات الأميركية المرتبطة باللوبي الصهيوني «إيباك»، وأبرزها معهد واشنطن، على إدامة حرب الاستنزاف من خلال التصعيد في جنوب سورية وعبر مشروع الحزام العميل في جبهة الجولان، بعدما أظهرت الوقائع وفق اعتراف الباحث الصهيوني إيهود إيعاري استنفاد قدرة الجماعات التكفيرية في شمال سورية وشرقها، رغم التورط التركي المباشر على إحداث أي تغيير جدي في التوازنات التي يعترف الغرب بتحوّلها لمصلحة الدولة الوطنية السورية وقواتها المسلحة، بينما ينصب اهتمام دول الغرب وحكومات العدوان الإقليمية على احتواء أخطار ارتداد الجماعات التكفيرية نحو بلدان المصدر عقب هزائمها المتلاحقة في سورية. ويتحدث هؤلاء عن سنوات مقبلة من القتال، بينما يضاعفون جهودهم عبر الحدود الأردنية. وتظهر في دراسة الوقائع ثلاثة عوامل كفيلة بتعثر الخطة الأميركية الصهيونية وهي تزيد من فرص إفشالها:
أولاً: هشاشة الوضع الأردني وتصاعد أخطار الانفجار السياسي والأمني الناتج من تزايد التكفيريين العائدين من سورية وتضخم الذراع الأردنية لـ«القاعدة» عبر توسع ما يسمى بـ«السلفية الجهادية» في أوساط العشائر تحت عيون السلطات الأردنية التي رعتها في سبيل الحشد إلى سورية وتلك السلطات قايضت تسهيلاتها بالمال السعودي والقطري كما بات معلوماً، وتواجه معارضة شعبية وسياسية لا يستهان بها لتورطها في العدوان.
ثانياً: المسار العام للاستقطاب الشعبي المتصاعد في سورية لمصلحة الدولة الوطنية والجيش العربي السوري وحول زعامة الرئيس بشار الأسد، هو تعبير عن رجحان كفة انحياز حاسم أصلاً لمصلحة خيار المقاومة والصمود والعداء لـ«إسرائيل» بوصفه تعبيراً عن معاني الاستقلال والسيدة الوطنية والكرامة القومية، ما يؤدي إلى تراجع فرص تثبيت بيئة حاضنة في حزام عميل، رغم انخراط تنظيم «الإخوان» في الخطة الصهيونية من خلال كتائب ما يسمى بـالجبهة الإسلامية» وهنا فرق كبير ونوعي عن الحزام الذي أقامه الاحتلال في جنوب لبنان على هامش الانقسامات الطائفية مع انحلال مؤسسات الدولة مطلع الحرب الأهلية في سبعينات القرن الفائت، وبعد النجاح «الإسرائيلي» في اختراق العمق اللبناني من خلال أحزاب الجبهة اللبنانية وميليشياتها.
ثالثاً: قوة الدولة الوطنية السورية التي تحقق المزيد من التقدم والتطور تسمح بإمكان تحول التهديد إلى فرصة ولادة قوة شعبية سورية مقاتلة ضد الحزام العميل، تباشر المقاومة من حيث انتهت إليه تجربة حزب الله في الخبرة والقدرة، ما يقلب اتجاه الاستنزاف برده صوب النحر الصهيوني، لتكتشف «إسرائيل» أسوأ كوابيسها ولتتأكد أكثر من صواب اعتقادها بأنّ تعافي سورية وانتصارها سيقلب الموازين في المنطقة ويدشن حقبة جديدة من الصراع العربي الصهيوني محورها إحياء فكرة تحرير فلسطين بعد إسقاط وهم الدولتين، بينما تكبل «إسرائيل» أزمات كثيرة وتوازنات إقليمية قاهرة تمنعها من السير في خيار الحرب الكبرى مع الصعود المتنامي للقوة الإيرانية، وفي ظل تراجع القدرة الأميركية على تحمل كلفة هذا الخيار باعتراف باراك أوباما الذي جرّب حظه وانكفأ بماء الوجه الكيماوي.
عضو المجلس الوطني للإعلام