«الشعوب الديمقراطي» يدخل البرلمان معمداً بالدم… ويُقوضَ أحلام أردوغان
انتهت عملية الاقتراع في الانتخابات النيابية التركية وبفوز واضح حققه حزب الشعوب الديمقراطي بـ 75 نائباً، بعد تجاوزه نسبة 10 بالمئة المطلوبة لدخول البرلمان.
وجاءت الانتخابات وسط مخاوف للمعارضة من تحول النظام السياسي في بلادهم إلى النظام الرئاسي في محاولة لإحكام قبضة الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان وحزبه على السلطة في البلاد.
فقد أدلى الأتراك بأصواتهم لاختيار نوابهم في انتخابات شهدت تنافساً قوياً بين حزب العدالة والتنمية الحاكم، وحزب الشعوب الديمقراطي، خصوصاً في إسطنبول وديار بكر، بحضور نحو 500 مراقب أوروبي للمناطق، وجاءت النتائج الأولية بحصول حزب العدالة والتنمية 41.6 في المئة ما سيضطره الى تشكيل حكومة ائتلافية كان فاز في آخر انتخابات تشريعية في 2011 بـ49.8 في المئة ، كما حصل حزب الشعوب الديمقراطي على 12 في المئة، والشعب 25 في المئة والحركة القومية 16 في المئة.
وكانت صناديق الاقتراع شهدت إقبالاً كثيفاً، وُصف من قبل المراقبين بأنه غير مسبوق، وأدلى الرئيس التركي أردوغان بصوته في إسطنبول، مؤكداً أن بلاده تمر بمرحلة «غير اعتيادية»، حيث دعي حوالى 54 مليون ناخب إلى صناديق الاقتراع، وجرى التصويت عبر 174 ألف صندوق في 81 محافظة تركية وسط إجراءات أمنية مشددة. وذلك بعد حملة انتخابية سادها التوتر إثر اعتداء بالقنبلة أوقع أربعة قتلى وحوالى 100 جريح بين أنصار «الشعوب الديمقراطي» الحزب الكردي الأبرز في معقله ديار بكر جنوب شرق .
وقالت أحزاب معارضة تركية إنها قامت بتسجيل ونشر ما تقول إنه تجاوزات جرت خلال عملية الاقتراع بالانتخابات البرلمانية، التي بدأت عملية فرز الأصوات بها، بعد إغلاق صناديق الاقتراع مساء أمس.
من جهتها، أكدت وسائل إعلام تركية أن نظام رجب أردوغان وزع بطاقات هوية مزورة على المهجرين السوريين من أجل أن يدلوا بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية لمصلحة حزبه «العدالة والتنمية».
وكانت محكمة أصدرت حكماً قبل يومين على متهم بالسجن 4 سنوات، بدعوى قيامه بتغيير نتائج الانتخابات في إحدى الدوائر الفرعية في إسطنبول، لمصلحة حزب العدالة والتنمية.
ويفضل معظم الأتراك دخول شريك جديد إلى الحكومة لتغيير سياسة تركيا الخارجية، وهو ما لن يتحقق حسب رأيهم إلا في حال تحجيم دور الرئيس أردوغان ومنع تحويل نظام الحكم في البلاد إلى النظام الرئاسي.
فبعدما كان على مدى 11 عاماً رئيس وزراء حكم بقبضة من حديد، انتخب رئيساً للدولة في آب الماضي فسلم مقاليد السلطة التنفيذية والحزب إلى وزير الخارجية السابق أحمد داود أوغلو.
غير أنه نشط منذ ذلك الحين من أجل تحويل نظام الحكم إلى نظام رئاسي، تصميماً منه على الاحتفاظ بالسلطة.
وعلى رغم الانتقادات، تولى بنفسه قيادة الحملة الانتخابية مركزاً على الترويج لخطته لإصلاح الدستور ولحزبه، مخالفاً بذلك روحية الدستور الذي يفرض عليه واجب الحياد التام.
وعشية الانتخابات دافع أردوغان مرة أخيرة السبت عن قناعاته في أرداهان حاملاً على المعارضة التي «تسعى الى وقف مسيرة تركيا الجديدة» على حد قوله.
ومن أجل إنجاح مشروعه، كان يحتاج أردوغان إلى فوز ساحق، ولكن الشعب التركي خذله استعداداً لمحاكمة سياساته الداخلية والخارجية.
دمرطاش لن يرضخ لـ«التهديدات»
وكان حزب الشعوب الديمقراطي قد تعرض خلال الحملة الانتخابية لهجمات عدة، كان آخرها انفجار قنبلة محشوة بكرات معدنية خلال تجمع انتخابي في ديار بكر، ذات الغالبية الكردية.
وغداة الهجوم، دعا زعيم حزب الشعوب، صلاح الدين دمرطاش، أنصاره الى الهدوء، لكنه حمل في الوقت نفسه السلطات المسؤولية مؤكداً انه لن يرضخ لـ«التهديدات».
وقال دمرطاش في إسطنبول «منذ شهرين يتم استهداف حزب الشعوب الديمقراطي ويوصف بأنه يخون الوطن… يريد رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء أن يثبتا أن حزب الشعوب الديمقراطي يستحق ما يتعرض له».
ويقول صلاح الدين ديمرطاش زعيم حزب الشعوب الديمقراطي في هذا الإطار: «نحن ننتخب للحرية التي نتطلع لها وسننجح للوصول الى هدفنا رغم السلبيات، والدولة التركية تعتمد على ديناميكية ديمقراطية ونحن نعتمد عليها لتقليل الفوارق بين مواطن وآخر».
الحملات الإعلامية في زمن الانتخابات كانت بنفس قيمة البرامج الانتخابية أو أكثر، في رأي البعض، ومن كسب المعركة على الأثير كان له الحظ الأوفر في صناديق الاقتراع.
ولا تمثل الانتخابات البرلمانية التركية حالة معزولة عن مثيلاتها في دول أخرى، بل هي نموذج واضح لدور الإعلام والقائمين عليه في التسويق للأحزاب، وصولاً إلى التأثير سلبياً أو إيجابياً في نتيجة الانتخابات.
وانتقدت المعارضة التركية القائمين على تغطية الحملات في وسائل الإعلام الحكومية من حيث العدالة في التوزيع والمساحة الممنوحة للأحزاب المعارضة، مقارنة مع الحزب الحاكم.
وبين هذا وذاك، حاول الجميع أن يمسك بخيوط اللعبة وفقاً لاصطفاف إعلامي واضح بين قنوات التلفزة، التي تعيش هذه الأيام حالة غير طبيعية، يقول البعض إنها بالفعل تحتاج إلى يوم الصمت الانتخابي كاستراحة محارب قبل صدور النتائج لتعاود حملاتها المنتقدة والمؤيدة للتحالفات المقبلة.
وكان مشهد الانتخابات استثنائياً في تاريخ الجمهورية التركية قد تمهد لتغيير المعادلة… معادلة صعبة بكل تأكيد في منافسة أصعب خاضتها الأحزاب الرئيسية وحشدت لها ما استطاعت من قوة.
أدرك الناخب التركي ان هذه الانتخابات أقرب الى الاستفتاء على الدستور وعلى طبيعة الحكم، فعدم نيل العدالة والتنمية ثلثي الاصوات يعني عدم رضا جماهيري عن النظام الرئاسي الذي يطمح له اردوغان، اما العكس فيعني تفويضاً لسلطة مطلقة تدخل تركيا في مرحلة سياسية وربما امنية جديدة.
وعبر ناخب تركي عن رأيه: «نحن نتطلع الى مستقبل تركيا الباهر وسندعم الاحزاب التي قدمت مشاريع اقتصادية ملموسة للمواطن».