الحرب النفسية المعاكسة
ناديا شحادة
عاشت «إسرائيل» في خدعة كبرى بعد أن أوهمت مستوطنيها والعالم أجمع بأنها القوة الإقليمية المهيمنة على المنطقة، تلك الخدعة التي تحطمت بصمود المقاومة في لبنان وانتصارها على الجيش «الإسرائيلي» الذي أجبر على الانسحاب من جنوب لبنان عام 2000، هذا الانسحاب الأول من نوعه في تاريخ الصراع العربي ـ «الإسرائيلي» أكد أنّ «إسرائيل» هي كما وصفها أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله «أوهن من بيت العنكبوت». هذه الجملة لم تكن تعبيراً عن لحظة معينة، بل كانت ولا تزال بليغة وقوية وذات أبعاد مستبقلية في الفعل والتأثير…
«إسرائيل» التي حاولت ترسيخ مفهوم القوة للكيان وتسويقه كقوة ردع في المنطقة في عدوانها على لبنان عام 2006 حيث خاضت إلى جانب معاركها الجوية والبرية حرباً نفسية شرسة ومعقدة، مستندة في حملة الحرب النفسية إلى الفرضية القائلة بأنّ الحرب النفسية يمكن أن تساعد الجيش «الإسرائيلي» على إلحاق الهزيمة بلبنان ومقاومته، وقد كشفت خلال ذلك العدوان أكثر من حالة تؤكد الخدعة التي تعيشها دولة العدو، كما تؤكد حقيقة أنها «أوهن من بيت العنكبوت».
تحطّمت هذه القوة الغاشمة ومعها جبروت الكيان «الإسرائيلي» على صخرة صمود المقاومة اللبنانية، وتبيّن للعالم أجمع حالة الوهن والضعف التي يعانيها هذا الكيان، وتحطمت نظرية الردع «الإسرائيلي» بصمود حزب الله وانتصاره على «إسرائيل»، وقد عبّر الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن في مذكراته كيف أنه صعق بهزيمة «إسرائيل» أمام حزب الله…
ونظراً إلى تطور الأحداث على الساحة الدولية وانعكاساتها على الصراع العربي ـ الصهيوني، وما استجدّ من ظروف مع تعاظم محور المقاومة في «الشرق الأوسط» والخسائر التي لحقت بالجيش «الإسرائيلي» بفضل قوة عناصر حزب الله، والتي كانت آخرها عملية مزارع شبعا التي أربكت الاحتلال «الإسرائيلي»، وفرضت المقاومة على العدو الالتزام بقواعد الاشتباك التي رسختها نتائج حرب تموز 2006، فلجأت «إسرائيل» إلى التركيز على عملياتها النفسية، تلك العمليات التي تعتبر حرباً يديرها جهاز يضمّ خبراء متخصصين يضعون التخطيط الشامل للعمليات النفسية، وذلك ضمن استراتيجة للعمل الإعلامي والدعائي وفق سياسة الدولة، فتحاول «إسرائيل» عن طريق إعلامها وأبواق دعايتها تحويل الأنظار عن خسائرها وهزائمها وعن الإنجازات التي حققتها المقاومة، في محاولة منها لتحصين مستوطنيها من الخوف والرعب والانهيار النفسي الذي أصابهم، فالتورّط «الإسرائيلي» في الحرب النفسية وصل إلى التهديد بتهجير أكثر من مليون مواطن من جنوب لبنان في غضون 24 ساعة فور حدوث أيّ هجوم مستقبلي ضدّ حزب الله، حسب ما أوردت صحيفة «جيروزاليم بوست» في تقرير لها نقلاً عن مصدر عسكري «إسرائيلي»…
يؤكد المراقبون أنّ التهديد «الإسرائيلي» لن يغيّر واقع الحال عند جمهور المقاومة الذي تزداد ثقته بقوتها وبانتصاراتها وبقائدها، فالجنوبيون يدركون تماماً أنّ التهديدات هي مجرّد فقاعات لرفع معنويات «الإسرائيليين»، هذا التهديد الذي استدعى رداً مباشراً من السيد حسن نصر الله، الذي كشف أنّ الداخل «الإسرائيلي» هو الحلقة الأضعف لدى أركان الدولة الصهيونية، فأصاب العمق «الإسرائيلي» من الناحية المعنوية في تصريحاته الأخيرة التي قال فيها نحن من سيهجركم هذه المرة فزمن أن تهجروا أهلنا وتبقوا في بيوتكم قد انتهى فكونوا على موعد مع تهجير ملايينكم إنْ وقعت الحرب هذه المرة…
يدرك المستوطنون «الإسرائيليون» جيداً مدى مصداقية السيد حسن نصر الله من خلال تجارب الجيش في حروبه مع المقاومة اللبنانية، حيث استطاع السيد أن يدير الحرب النفسية ضدّ إسرائيل ببراعة، الأمر الذي أدّى إلى حالة من الرعب والهلع في صفوف المستوطنين، بات من الصعب على الخبراء النفسيين تخليص المستوطنين منها، لأنّ هؤلاء يثقون بأنّ السيد هو الصادق دائماً، على عكس قادة كيان العدو الذين يلجأون إلى الخداع والبروباغندا الكاذبة.
وقد تأكد خلال حرب تموز 2006 أنّ لكلام السيد نصرالله تأثيره الكبير على المستوطنين، وخصوصاً عندما أعلن عن إحراق إحدى البوارج الحربية «الإسرائيلية». وقال: «انظروا إليها تحترق الآن في عرض البحر»، ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم تتوالى استطلاعات الرأي في كيان العدو لتؤكد أنّ لتصريحات السيد مصداقية لدى «الإسرائيليين» أكثر من صحافتهم ومن تصريحات قادتهم السياسيين العسكريين.
فالسيد نصر الله هو الذي غيّر ووسّع قواعد الاشتباك، وأنشأ لها قواعد جديدة تقفز عن المزارع والعمق والخط الأزرق، فخاطب «إسرائيل» باللغة التي تفهمها، واستطاع أن يقضّ مضاجع «إسرائيل» قيادة ومستوطنين، وأن يغيّر نظرة «الإسرائيليين» الى أنفسهم، بوضعه المرآة الحقيقية التي تجعلهم يرون أحجامهم الحقيقية، فخلال خطاباته يخوض حرباً نفسية بالكلمات والعبارات التي يحرص على انتقائها خلال إطلالاته الإعلامية، والتي تشكل مادة دسمة لدى إعلام العدو حيث يتمسمر «الإسرائيليون» أمام شاشات التلفزة ما أن يسمعوا خبراً يتعلق بإطلالة للسيد، فكلّ خطاباته تتحوّل إلى خبر رئيسي يثير ويحرك شعور الانتظار داخل الكيان، لأنهم ينتظرون ما في كلامه من حقائق مباشرة لا يطلعهم عليها قادتهم، ما يعني أنّ الحرب النفسية التي حاول العدو شنها ضدّ المقاومة تحوّلت إلى حرب عكسية تشنّها المقاومة وقائدها على «إسرائيل» ومستوطنيها…