أبيات غير مقفّاة تناصر المرأة في نضالها ضدّ العنف الأسَريّ
لمى نوّام
جنوبية الهوى، لبنانية الأصول، أسترالية الجنسية والإقامة، هي أمّ ومدرّسة وناشطة، تعشق العلم والتعلّم، وما زالت تنهل من ينابيع المعرفة حتى الآن. مثلها الأقدس «الأرض والوطن والإنسان»، هي الشاعرة سوزان عون التي بدأ مشوارها مع الكتابة في الصفّ الخامس ابتدائي، باكتشاف من مدرّسة اللغة العربية، وفي ربيع العمر، وجدت نفسها مع «نون والقلم»، حيث خطّت أناملها الرواية الأولى «هكذا الرحيل»، فديوان «ليلى حتى الرمق الأخير» الذي وقّعته مؤخراً في قصر الأونيسكو، برعاية «جمعية حوّاس» و«منتدى المقاومة الثقافي»، وقدّم حفل التوقيع رئيس جمعية «الفكر والحياة» صالح حامد.
في الديوان أربعون قصيدة وقصيدة، تشي بوهج المشاعر وتدفّقها في سكون الليل ضمن محورين، الأوّل: ملحمة العشق الخالدة التي ما زالت تنبض بين جوانحها، والثاني يتمثل بالاغتراب، إذ سكبت الشاعرة بحبر قصائدها ما بين ألم الحرب وأمل السلام المنشود، فاستوطنت ذاكرتها مآسي الحروب اللبنانية، ما كان دافعاً لتكتب عن وجعها وخوفها على وطنها. فدفتر مذكّراتها كنز تحتفظ به كأرشيف للتاريخ وذكرى للأجيال الآتية لتشحذ به همّتها نحو مستقبل منير.
لم تقصد الشاعرة سوزان بـ«ليلى» تلك التي تيّمت قيس، إنما أرادت الإيحاء بأنّها «ليلى»، عاشقة حبيبها ولوطنها وجنوبها الصامد وشعبها ولغتها، «ليلى» التي تجد في الرجل موطناً وفي قلبه عاصمة. وصيتها للرجل أن المرأة أمانة بين يديه فليحافظ عليها.
وهذه الـ«ليلى» عاشقة جامحة، وحبيبها أيضاً ـ في الديوان ـ يحترف الشعر، فيقول لها في إحدى القصائد:
في بحر عينيكِ
كم يحلو الغرق
أكتبه لكِ من الجوى لحناً
من عبيرٍ على ورق
وأنظمه قداسةً وأنفاساً
حتّى آخر رمق
ليالي الحب يا قدّيستي
قمر مضيء اتّسق
مداه من الفجر الرؤوف
إلى ما بعد صلاة الغسق
الشاعرة سوزان عون صرّحت لـ«البناء» قائلة: «كتبت قصيدة أوجّهها لكل إمرأة تعاني عنفاً أو اضطهاداً أو أي حصار ذكوريّ، وهنا لا أقصد الرجل، فالرجل بطبيعته المعطاءة لا يمسّ المرأة بأذى، إلا إذا كان يعاني من مشكلة الذكورية. القصيدة عنوانها يدي الفصيحة مكبّلة بخرس، وأهديها لكلّ امرأة لا تستطيع أن تُسمع صوتها. من خلال هذه القصيدة أوجّهها لتعلم أنني سمعت صوتها ووصلني ألمها. من خلال هذه القصيدة أوجّه نداء للنساء اللواتي يواجهن مشكلات مع أزواجهن بألا يسكتن».
قوس الطيف هذا مقيّد
والوصال المورّق الذي تدّعيه باستسلام
يدي الفصيحة مكبّلة بخرس
ولجين البدر القادم باهت
قد أضاعني المدى
قوس الطيف هذا، مقيّد بين شرقين
يرتكب بعضاً من حماقات الحبّ
والمرفأ الجليل مقصده.
أضحوكة
مضجعه ابتسامة مختلسة
من تحطّم صوتي عند المساء
للمرّة الأولى يهبني الخريف تجاعيد ناطقة
قطع بي لججاً بأسافين قدّيسين
قد برعوا بالصلاة
فجلدني بسياط من حبر
وتركني صحوة مجسّدة
تحت جبّة الليل العتيق
أتطاير كريح مسّها الجنّ
فزغردت بتحدّ
همت بمجرّته فتاهت شطآنه
ويلي ما أجملني.
وأضافت عون: «السكوت عن الألم ضعف، فلا يقتل الإنسان إلّا سكوته على وجعه. أشجّع كل إمرأة بأن تكون ليلى ، و ليلى أقصد بها هنا ليلى الشاعرة، المؤمنة بموهبتها وبوطنها وبقضيتها، ليلى المؤمنة بحبيبها والمخلصة له حتى الرمق الأخير.
أوجّه نداء للسيدات وأقول: لا يربّي الرجل إلّا امرأة، الأم والزوجة والأخت. وجودها في حياة الرجل كبير وواسع، لذا فتأثيرها في تربية الرجل أيضاً واسع وكبير. أقول للمرأة لا تربّي ابنك ذكراً بل ربّيه إنساناً».
وعن جرائم قتل النساء التي كثرت مؤخّراً قالت عون: «قصص العنف ضدّ النساء والقتل أوجعت قلبي وجعلتني أشعر بأن هناك خللاً ما في تربية الذكر، يجب أن نربّي أولادنا الذكور على أنّهم إنسانيون قبل أن يكونوا رجالاً. المرأة تأخذها الكلمة، تسرقها الكلمة، ولا تحتاج أي زوجة إلّا إلى كلمة حنان وكلمة حبّ. لذا، أناشد أن تكون العلاقة في ما بيننا حبّاً واحتراماً وصدقاً. الحياة قصيرة ولا تحتاج إلى هذا المقدار الرهيب من العنف الذي يدمّر الحياة الأسرية ويجعلنا نعود إلى الوراء ألف سنة من الفشل والانحدار. دعونا نعود الى إنسانيتنا، دعونا نعود إلى أخلاقنا التي تمنحنا احترام بعضنا في المجتمع».
وعن الغربة قالت عون: «الغربة أثّرت بي كثيراً، جعلتني أحنّ إلى الوطن أكثر، وجعلتني أكتب عن الغربة أكثر، وجعلتني أشعر بقيمة هذا الوطن العظيم الذي اسمه لبنان في داخلي، كبر فعلاً كشجرة أرز في قلبي، أشتاق إليه جداً وأحنّ إليه جداً، وأقول له أنا ليلى وأعشقك أيها الوطن حتى الرّمق الأخير».
الشاعرة سوزان عون تتّخذ من الشاعرة العربية الخنساء قدوةً، متأثّرةً بقصة استشهاد أولادها الأربعة. وهي شغوفة بمؤلّفات جبران خليل جبران، وتستمتع بقراءة كتب الأديبة مي زيادة، وبأسلوب الأديبة بنت الهدى. وهي تبدي حزنها على انخفاض مستوى بلاغة الكلمة من النصّ الشعري، مع تدنّي منسوب القراءة والكتابة وضمور النبوغ الشعري، مع ضياع المواهب والنبوغ. وتعتبر أنّ الشعر وليد الأيام واللحظات. لذا، فشعراء الاغتراب يكتبون عن حنين الوطن والعودة إلى ترابه وقمحه وسنابله. والهدف من رسالتها الشعرية الحب الذي نؤسّس به كوناً خالياً من نزعات الكراهية والعنف والحروب. وهي تكتب لكلّ امرأة تعيش الظلم والمعاناة تحت رداء العادات والتقاليد البالية.
ديوان «ليلى حتى الرمق الأخير» من إصدار «مؤسسة المثقف العربي» ـ سدني في أستراليا، ونشر وتوزيع شركة «العارف للأعمال»، وأهدته الشاعرة سوزان عون إلى أمّها وإلى كل امرأة قائلة:
إلى أمي…
نبع البداية وما تزال،
ولكلّ امرأة معي…
ترافقني وستكمل المشوار.
حضر حفل التوقيع الفنان الملتزم وسام حمادة الذي قال: «أعتزّ كثيراً بالأنثى العربية، وتحديداً التي تستطيع أن تعبّر عن الشخصية الأنثوية الحقيقية التي نحن بحاجة إليها في هذا الزمن الذكوري السيئ. سوزان لفتت نظري بوطنيتها وكتاباتها، وتعمّدت أن أتعرّف إليها عن قرب واستحصل على ديوانها. الواضح من عنوان الديوان أنه يحمل في طياتها الكثير من الوجدانيات والحساسية المفرطة تجاه الوطن والقضايا الإنسانية، وهذا يكفي لأن يكون هذا الديوان في مكتبتي».
وأضاف حمادة: «واقع الأنثى بشكل عام انعكاس لهذا الواقع الجيوسياسي المحيط في هذه المنطقة من 1400 سنة، حتى هذه اللحظة ما زال هذا الشرقيّ تحديداً، مهما تطوّر على مستوى اللغة وعلى مستوى الشكل الخارجي الحضاري، يتمتّع بكمّ هائل من العنف الموروث، إذ تكون ـ مع الأسف ـ المرأة مكسر العصا أو الأطفال لتنفيس هذا الوحش الداخليّ».
عبد الحليم حمود، رئيس «جمعية حواس»، رأى أن قصيدة سوزان عون هي اختمار تجربتها المكثفة في الحياة ثقافياً وإنسانياً، وقال: «لأحرفها جسد وروح. سوزان عون امرأة متمرّدة استعارت من نيتشه مطرقته وهي تهدم الأصنام الوهمية التي ابتدعها المجتمع وحوّلها إلى طوطم».
وقال جميل ضاهر رئيس «تيار المقاومة»: «نحن في مؤسّسة الأمان ومنتدى المقاومة الثقافي المنبثقان عن تيار المقاومة اللبناني، آثرنا على أنفسنا أن نكرّم كل سنة شخصية أو عدّة شخصيات، تحمل همّ الوطن والقضية وتحمل ثقافة الوحدة والمقاومة والانتماء إلى لبنان، وتتغنّى بالانتصارات لتكون عبرة للأجيال وتكون مقاوِمة في موقعها وفي مسيرتها. وشاعرتنا من هذه الشخصيات. لذا يشرّفنا أن نقدّم درع تيار المقاومة اللبناني تكريماً لشاعرة المغترب سوزان عون».