أميركا تشرِّع تقويض الحريات بذريعة الأمن ومكافحة الإرهاب

الموضوع الأهمّ والشاغل للأميركيين تجسّد في تجدّد الجدل حول العمل بقانون «الباتريوت» الذي تنتهي صلاحيته تلقائياً في الأول من حزيران الجاري، انْ لم تتخذ إجراءات إضافية «لتجديده او تعديله».

سيتناول قسم التحليل تلك المسألة بكلّ ابعادها وتداعياتها ونتائجها الآنية في ظلّ موسم الانتخابات الرئاسية وما يرافقه من «تسييس ومزايدات» من كافة الأطراف والقوى المعنية وآفاق قرار القضاء بالاصطفاف ضدّ إرادة الإدارة والأجهزة الأمنية واعتباره جهود التجسّس «خارج الشرعية».

أميركا: قانون «الحدّ» من الحريات

انضمّ معهد كاتو إلى حملة انتقاد نفوذ الأجهزة الأمنية والاستخبارية الأميركية، بالتزامن مع بدء الجدل حول تجديد العمل بـ«قانون باتريوت» لتقييد حرية المواطن. واوضح لأعضاء الكونغرس انه ينبغي عليهم الإقلاع عن وهم استصدار تشريع صلب «يوفر للمحققين ضمانة صلبة حاسمة للحيلولة دون حدوث تجاوزات»، مناشداً تعزيز النصوص القانونية «بشروط توفر الشفافية»، التعبير الذي يلقى اجماعاً وإنْ نظرياً في أوساط المجتمع الاميركي المختلفة.

رحب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية «بجهود الاقلية» في الكونغرس التي أسهمت في إنهاء صلاحية المواد الشائكة من قانون «باتريوت»، لا سيما المادة 52 المثيرة للقلق. واوضح انّ «الكونغرس انشغل بصياغة بعض النصوص لإصلاح القانون الجاري بما يضع حداً لجمع بيانات شاملة للمواطنين»، بيد انه يتعيّن علينا «بدء التحضيرات للمعركة الأوسع بعد سنتين من تاريخه، 1 حزيران 2017، عندما ينتهي العمل بالمادة 702 الخاصة بتقنين جهود جمع البيانات الاستخبارية الخاصة بالدول الأجنبية…» نظراً إلى تنامي معارضة دولية للتجسّس الأميركي على مواطنيها كما اوضحت وثائق ادوارد سنودن.

البطالة جذر التطرف

نبّه معهد كارنيغي صناع القرار بضرورة الالتفات الى ان التطرف السياسي نتيجة طبيعية لمعدلات البطالة المرتفعة في منطقة الشرق الاوسط. واوضح انه ينبغي «تجاوز ثنائية البطالة بين الشباب و ظاهرة التطرف، واللتين يمكن اعتبارهما ظاهرتين تجدان جذورا مشتركة في ثنايا أزمة واحدة»، الا وهي «عدم استعداد العديد من حكومات الشرق الاوسط ونخبها الحاكمة توسيع المجالات المتاحة أمام الاجيال الشابة… وأيضاً امام الاحزاب السياسية والحركات الاجتماعية».

فشل السياسة الأميركية في العراق

اعتبر المجلس الأميركي للسياسة الخارجية انّ سياسة البيت الابيض نحو العراق لم تحصد الا الفشل، والتي «تعود لاعتبارات سياسية دون شك… وتوصيف الرئيس اوباما للعدوان الاميركي بأنه حرب في الاتجاه الخطأ». واضاف ان «عودة اميركية قسرية إلى ساحة المعارك في العراق من شأنها ان تمثل هزيمة شخصية» للادارة الاميركية. واضاف ان «ارتباك سياسة واشنطن» يعود الى «تعليق بعض المسؤولين آمالا على… دور ايران وتوظيفها كوكيل استراتيجي لاقتلاع الدولة الاسلامية». وحذر من يقين خطأ تلك التوجهات، في ظلّ تقدّم «داعش» ميدانياً في المرحلة الأخيرة، وانه «لا يتوفر بديل عن التحلي بالجدية».

مصر

اعتبر معهد كارنيغي انّ جيل الشباب في تنظيم «الإخوان المسلمين» نجح في إقصاء الجيل التقليدي «بعد عملية طويلة من التفكير والنقاش الداخليين»، ويقود المواجهة الراهنة والتصعيد مع النظام المصري، بل «رفض دعوة القيادي السابق محمود غزلان… للتمسك بثوابت الجماعة واعتماد الخيار السلمي»، واعتبرها «نوعاً من الخذلان» وخشية من ان تشكل مقدّمة للتصالح مع الدولة. واضاف المعهد انّ الجيل الجديد قد «يلجأ الى تنفيذ انقلاب عسكري بدعم من الاسلاميين والضباط المستائين» من اداء سلطة الجيش والحكومة، مشيراً الى اعتقاد قادة التنظيم في الخارج، لا سيما في تركيا، من ان اضطرابات «وخلخة في الوضع الحالي تبدو في الأفق…»

المملكة السعودية

سلط معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى الضوء على «استراتيجية تنظيم الدولة الاسلامية التي شهدت نجاحاً في مرحلتها الاولى الخاصة بالجزيرة العربية.. اذ ان هجوم القطيف شكل خاتمة هجماته المستهدفة اربعة مساجد تتبع الحوثيين في صنعاء»، واوضح ان تلك الهجمات رافقتها آلية تصعيد من الاطراف الاخرى منوّها «لتحرك الحوثيين في عدن، واستمرار الغارات الجوية السعودية في اليمن، الأمر الذي عزز فرص التنظيم للعمل داخل السعودية التي اضطرت لتشتيت مواردها». واضاف ان التنظيم «يتأهّب لاعلان كش ملك ضدّ السعودية والمضيّ لتحقيق تغييرات اوسع من شأنها احداث هزة في السياسات الاقليمية والدولية».

تركيا

الانتخابات التشريعية في تركيا كانت محط اهتمام صندوق مارشال الالماني، معرباً عن اعتقاده انّ الاولوية لدى الناخبين هي الاوضاع الاقتصادية، مما حدا «بأحزاب المعارضة الانتقال باهتماماتها من مسألة الهوية وخطورة ما يمثله حزب العدالة والتنمية على المؤسسة التركية الى العناية بالشأن الاقتصادي». واستطرد بالقول انّ قوى المعارضة «أضحت مدركة لأهمية تأمين لقمة العيش للناخبين».

خلفية ضرورية

ذُهل العالم بحجم وطبيعة الوثائق والأسرار التي كشفها صاحب الضمير الحيّ ادوارد سنودن عن سلطة ونفوذ وكالة الأمن القومي وتجسّسها على كلّ ما يتعلق بمكالمات هاتفية، بداية، ومن ثم تبيّن انها تتنصّت وتجمع بيانات كافة الاتصالات الهاتفية والالكترونية للمواطنين الأميركيين، وكامل ما يصدر عن او تتلقاه الأجهزة والمعدات الاميركية على نطاق العالم اجمع.

كان لكشف سنودن، منتصف عام 2013، وقع الزلازل الأرضية على سمعة وهيبة الولايات المتحدة وأجهزتها المختلفة، ونشره تباعاً وضمن خطة مدروسة لوثائق وكالة التجسّس لناحية عدم خضوعها لايّ جهاز او دوائر رقابية، لدى اصدقائها وحلفائها الذين أصابتهم المفاجأة لما تمّ الكشف عنه، لا سيما في المانيا ودول اخرى.

دخلت المؤسسة الحاكمة الاميركية في صراع في ما بينها، منذ شهر تشرين الاول عام 2013، لاحتواء الأزمة والإيحاء بتقبّلها إدخال إصلاحات قانونية واعتماد إجراءات شفافة لتقييد سيطرة الوكالة ويدها الطولى، وتداولت لجان متعدّدة في الكونغرس مشاريع قرارات مختلفة في هذا الشأن.

أهمّ وأخطر ما كشف عنه سنودن كان الفصل 215 من «قانون الباتريوت» او مكافحة الارهاب، الذي وفر الارضية والمبررات القانونية للوكالة للتنصّت وجمع بيانات هائلة غير مسبوقة في حجمها ومحتوياتها والاحتفاظ بها، منذ اقرار القانون عقب احداث أيلول 2001. وافادت الوثائق ان الوكالة «جمعت واحتفظت بصورة سرية كلّ ما يتعلق بالاتصالات الهاتفية والالكترونية لكافة الاميركيين» دون استثناء.

تدارك الرئيس اوباما خطورة الجدل والرفض الشعبي والدولي، واعلن في كانون الثاني 2014 عزمه على «إنهاء العمل» بنصوص البرنامج وبلورة آليات جديدة تحافظ على قدر من التوازن بين حاجة الدولة أمنياً وصون الحريات الشخصية المنصوص عليها دستورياً في آن واحد. وعكف على العمل المشترك مع قادة الكونغرس، من الحزبين، للتوصل الى صيغة تعديل مقبولة للفصل 215 السيّئ الذكر، وبنود اخرى مماثلة.

حشدت القوى الشعبية والمؤسسات الحقوقية جهودها مطالبة بإنهاء جهود التجسّس بالكامل، ومناهضة التعديل، تدعمها التقارير الأمنية الرسمية المختلفة التي تنفي تعرّض الولايات المتحدة لهجمات «ارهابية» منذ انسحاب القوات الاميركية من العراق، وربما قبل ذلك التاريخ. يشار الى انّ جهودا سابقة لتقييد جهود التجسّس الداخلي تلقت هزيمة «آنية» بفارق صوتين اثنين في مجلس الشيوخ، عندما طرحت المسألة للتصويت في نهاية العام الماضي. واستفادت تلك القوى المناهضة لانتهاك خصوصيات المواطنين من تلك التجربة، وانتظرت لإعادة طرحها مجدداً في الدورة الحالية للكونغرس على الرغم ما طرأ على تركيبته من تغييرات أسفرت عن فوز اغلبية من اعضاء الحزب الجمهوري بمقاعد المجلسين.

تجديد العمل بقانون التجسّس

نزولاً عند المعارضة الشعبية القوية التي تبلورت بعد كشف ادوارد سنودن عن فضائح التجسّس شكل الرئيس اوباما لجنة من خمسة اخصائيين في مجال الأمن والاستخبارات «لمراجعة» جهود تجسّس وكالة الأمن القومي. وجاء في توصية اللجنة انّ البيانات المستخلصة من الاتصالات الالكترونية والهاتفية «لم تكن ضرورية للحيلولة دون وقوع هجمات ارهابية، بل بالإمكان الحصول عليها دون عائق باللجوء الى استصدار اوامر قضائية بذلك».

صادق الكونغرس مطلع الاسبوع المنصرم على صيغة «توافقية» لتجديد العمل بقانون باتريوت وتوفير الغطاء القانوني لوكالة الأمن القومي والسماح لها «بالاستمرار في جمع بيانات الاتصالات الهاتفية» الخاصة بالاميركيين والاجانب على السواء، وتعديل بعض النصوص الاخرى كما صادق عليها الرئيس اوباما على الفور واتخذت الصبغة القانونية بذلك.

رمى «قانون باتريوت» الى تجديد العمل بمواد ثلاثة للمراقبة شارفت على انتهاء صلاحياتها القانونية، وإصلاح نص المادة المثيرة للجدل لدى المواطنين الأميركيين والمنظمات الحقوقية بصورة خاصة، وهي المادة التي خوّلت وكالة الأمن القومي جمع بيانات الاتصالات الهاتفية دون قيود.

التدقيق في النص المعتمد يقود الى الاستنتاج بأنّ «القانون» الجديد لا يحدّ او يقوّض قدرة وكالة الأمن القومي على المضيّ والاستمرار بجهود وآليات التجسّس المتعدّدة خاصة انه لا يذكر من قريب او بعيد برنامج التجسّس الشامل المعروف باسم «بريزم»، الذي أفاض سنودن في كشف أبعاده وأخطاره. القانون الجديد «يضع حداً لجمع البيانات بصورة جماعية دون تمييز…» ويحيل تخزينها الى الشركات والمؤسسات التي توفر الخدمات الهاتفية والانترنت، والأهمّ استثناء برامج التنصّت المعمول بها.

المنظمة الحقوقية الشهيرة، النقابة الأميركية للحريات المدنية ACLU، علقت بالقول انّ الصيغة الجديدة «تبقي عدداً من اجراءات التدخل والتطفل وصلاحيات التجسّس الحكومية مكانها دون ايّ تغيير يذكر.. المسألة المركزية هي هل بإمكاننا تبرير كلفة البرنامج العالية بغية تعزيز حرياتنا الفردية في ظلّ العصر الراهن بما يتميّز به من تطوّر تقني عالي».

ايضاً، عبّرت «مؤسسة الآفاق الالكترونية Electronic Frontiers Fund»، الداعية لتقييد حركة التجسّس، عن استيائها من عدم اعتماد الكونغرس «اصلاحات شاملة لجهود التجسّس.. بل إنهاء العمل تماماً بالمراقبة الشاملة للمواطنين»، كما سبق له في عقد السبعينيات من القرن الماضي، وما توصل اليه من صيغة نهائية هي عبارة عن «تسوية» وترضية للوكالة ومؤيديها.

لم تنتظر وكالة الأمن القومي طويلاً لتبيّن تماديها في اجراءاتها السرية. اذ كشفت صحيفة «نيويورك تايمز»، 4 حزيران، عن جهود «سرية للوكالة لتوسيع نطاق تجسّسها على شبكة الانترنت لتشمل المناطق الحدودية… في الاراضي الاميركية ودون اللجوء لاستصدار تفويض قضائي…» واوضحت الصحيفة انّ القانون الجديد المعتمد «لا ينطبق على ولا يشمل برنامج التنصّت دون اذن قضائي»، تأكيداً لفقرة الاستثناء سالفة الذكر.

على الطرف المقابل، اعتبر ممثلو المؤسسات الأمنية والمصالح التجارية الكبرى المرتبطة بها ان «قانون باتريوت» يشكل أوسع تقويض لجهود الدولة جمع وحفظ البيانات منذ عقد السبعينيات، وما نجم عنه من تشريع قوانين تحدّ من النشاطات السرية لوكالة الاستخبارات المركزية بالدرجة الاولى.

دقت تلك الجهات طبول الحرب لتمهيد ارضية التمديد لبرامج وكالة الأمن القومي، دون قيود حقيقية، واعتبرت «قانون مكافحة الارهاب… انه أثبت عدم فائدته للحيلولة دون تنفيذ هجمات ارهابية».

المدير السابق لوكالة الأمن القومي، كيث الكساندر، اوضح في وقت متأخر انّ وكالته لم تبدِ حماسة لتوكيل شركات الخدمات الهاتفية والالكترونية الاحتفاظ بالبيانات الهائلة نظراً لخشية مسؤولي الوكالة من انكشاف البرنامج السري في حال التوجه للكونغرس طلباً لمزيد من الصلاحيات.

في واقع الأمر، ستستأنف وكالة الأمن القومي جهودها لجمع البيانات بعد انقضاء ستة أشهر، التي ينص عليها التعديل الجديد وترحيل صلاحية التخزين الى شركات الخدمة المتعددة. حينئذ ستعمد الوكالة لاستنطاق محتويات البيانات بناء على ما تقتضيه الحاجة كما أرادت.

وصف محامي الوكالة السابق، روبرت دايتز، احتدام الجدل حول «الاصلاحات» الواردة بأنها «هامشية»، ايّ لا يجوز اعتبارها «اصلاحات شاملة». كما اوضح كبير المحامين السابق لدى وكالة الأمن القومي، ستيوارت بيكر، التداعيات الناجمة عن انكشاف برنامج التجسّس قائلاً انّ «الأضرار التي لحقت بقدراتنا الاستخباراتية هي متواضعة».

تجدر الاشارة الى كشف منظمة حقوقية حديثاً، نقابة الحريات المدنية الأميركية، النقاب عن معلومات تؤكد «استمرار مكتب التحقيقات الفيدرالي في مساعيه لجمع بيانات اتصالات ذات طابع استخباري شملت المواطنين الاميركيين… بتوظيفه اسطول من الطائرات المدنية المسجلة تحت أسماء مؤسسات وهمية»، لتتبع مصادر اتصالات هاتفية جرت في ما لا يقلّ عن 30 مدينة اميركية تمتدّ على رقعة 11 ولاية وعلى مدى 30 يوماً. وتنوي النقابة مقاضاة الجهاز للتيقن من توفر امر قضائي بذلك من عدمه.

أيضاً استصدر مكتب التحقيقات الفيدرالي تفويضاً قضائياً، من محكمة سرية، عام 2011 سمحت بموجبه للجهاز القيام بما تقتضيه الضرورة للتجسّس الالكتروني واستهداف سيل المعلومات الالكترونية الصادرة عن أجهزة معينة تعود لحكومات أجنبية بعينها. واستغلت التفويض الفضفاض للتعاون مع وكالة الأمن القومي باستهداف شركات خدمة الاتصالات الهاتفية والانترنت، كما جاء في وثيقة خاصة بالوكالة عام 2012. «سيل الاتصالات المعترضة توفرها الوكالة لمركز مكتب التحقيقات الخاص بالبيانات الالكترونية»، ومقرّه في احدى ضواحي العاصمة واشنطن.

استاذ مادة الأمن الالكتروني في جامعة ستانفورد العريقة، جوناثان مائير، اثار المزيد من الشكوك لصحيفة «نيويورك تايمز» حول نوايا اجهزة الاستخبارات قائلاً «المعايير التي تعتمدها الوكالة للأمن القومي لانتقاء أهدافها تشوبها الضبابية… من المفترض ان تركز الوكالة جهودها على جهود اجهزة الاستخبارات الاجنبية… ان الوكالة مخوّلة بحماية الشبكات الاستخباراتية والعسكرية من القرصنة» خارجية المصدر، وليس في الداخل الاميركي.

تسييس المراقبة والرصد

تنبغي الاشارة الى عزم القوى والاجهزة الأمنية «تجديد» العمل بقانون الباتريوت بكافة بنوده ومواده، وحشدت دعم قادة الحزب الجمهوري وبعض الزعماء من الحزب الديمقراطي في هذا الصدد، دون ادنى اعتبار لقرارات القضاء التي اعتبرت جهود جمع بيانات الاتصالات الهاتفية غير قانونية.

في المحصلة النهائية تلقت تلك القوى لكمة نتيجة عدم التجديد المطلوب منذرة بمسار تغيير لا رجعة عنه، لا سيما فشل جهود الادارة الاميركية صيانة نص الفصل 215 من قانون الباتريوت، سالفة الذكر، واصدار محكمة الاستئناف الفيدرالية قرارها ببطلان ذلك.

قاضي المحكمة المعيّن من قبل الرئيس اوباما، حسبما تقتضيه صلاحياته الدستورية، جيرارد لينش، عارض بقوة «تفسير» الادارة وتبريراتها للتجديد قائلاً: انّ البيانات والسجلات المعنية تشمل كافة المعلومات المتوفرة، وكذلك البيانات غير المتوفرة بعد… في حوزة القطاع الخاص، بما فيها السجلات المالية، والطبية، والالكترونية العائدة لكافة الاميركيين».

واردف لينش ان جهود الدولة للسطو على «البيانات الخاصة ستكون بمثابة انكماش غير مسبوق للحريات المقدسة لكافة المواطنين الاميركيين»، مشاطراً بذلك تحفظات عدد من الزعامات السياسية في الحزبين واتهامهم الإدارة «بعدم دستورية انتهاكاتها للحريات الخاصة للاميركيين».

واسقط قرار المحكمة مساعي زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، الالتفاف على المعارضة الداخلية من الحزبين لتمديد العمل بنصوص قانون الباتريوت، واضطر للقبول بصيغة «معدّلة» فازت بالتصويت وارسلت للبيت الابيض للمصادقة عليها وتفعيلها قانونياً. وعليه، كان ماكونيل الخاسر الاكبر، بكلّ ما يمثله من امتداد للمصالح الأمنية والعسكرية، في نهاية الأمر، اعتبره البعض اشدّ من خسارة وكالة الأمن القومي عينها.

تسييس الانتخابات الرئاسية

معركة الحدّ من نطاق التجسّس الداخلي اكتسبت بعداً انتخابياً واضطرار المرشحين المحتملين لمنصب الرئاسة التعبير عن مواقفهم في وقت مبكر من بدء الحملة، تزعّمها السيناتور الجمهوري عن تيار الحريات، راند بول، الذي وقف وحيداً بين أقرانه الجمهوريين معارضاً لتمديد العمل بقانون باتريوت، وما ناله من تأييد شعبي اضافي نتيجة ذلك. ويعود الفضل لبول لمراهنته واستغلاله الوسائط البرلمانية لإنهاء العمل بالقانون في موعده، الاول من حزيران الجاري.

من نافل القول انّ بول سيترجم «انتصاراته» الأخيرة لحشد قاعدة تأييد من قواعد الحزبين، لا سيما بين صفوف الناخبين الجدد، والذين ينظرون بعين العطف إلى برنامج بول الداعي لتقليص حجم ونفوذ أجهزة الدولة وتعزيز الحريات الفردية.

تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى انّ إحدى الشخصيات من الحزب الجمهوري المكلفة بصياغة النص الاولي لقانون باتريوت، النائب جيم سينسينبرينر، عن ولاية ويسكونسن، ايضاً طوّر مواقفه بشأن السلطات المفتوحة ودون قيود معرباً عن معارضته «لمبالغة الدولة في تبرير جهود المراقبة والترصد. استطلاعات الرأي بين صفوف الناخبين الجمهوريين تؤشر على تأييد متواضع لجهود بول، اذ لم تتعدّ نسبة 27 في المئة، في لجم سطوة الأجهزة الأمنية.

في المستوى الشعبي، يبرز بول على صدارة قائمة المرشحين عن الحزب الجمهوري، ويتعادل في المرتبة الأولى مع المرشح الأوفر حظاً، حاكم ولاية ويسكونسن سكوت ووكر، ومتقدماً على غلاة العنصريين والمتشدّدين وعلى رأسهم جيب بوش، ماركو روبيو، وتيد كروز. المرشح ووكر اصطفّ الى جانب الفريق الداعي لتجديد العمل بقانون الباتريوت، وكذلك كروز اما روبيو فقد أيد بول في التصويت ضدّ التجديد. رون بول من جانبه، سيستغلّ موقفه المتميّز في هذه القضية لحشد اوسع قاعدة دعم بين الناخبين الجمهوريين، وخاصة بين الجيل الناشئ والاقليات المؤيدة للحزب الجمهوري ايضاً.

في الشق «الليبرالي» من المشهد الانتخابي، نشرت صحيفة «نيويورك تايمز»، 5 حزيران، مقالاً مذيّلاً بقلم ادوارد سنودن يعرب فيه عن تأييده، وامتداداً تأييد الصحيفة وما تمثله من نفوذ، لجهود الحدّ من التجاوزات الرقابية والتجسّس. وقال سنودن: «مع كلّ انتصار قضائي، وكلّ تغيير في القوانين، نثبت انّ الوقائع اشدّ إقناعاً من نظرية الخوف… في ظرف زمني لا يتعدّى شهراً واحداً قرّر القضاء عدم قانونية برنامج التجسّس وتبرأ منه الكونغرس» ايضاً.

وحذر سنودن من «بقاء التهديد قائماً على ميثاق الحقوق المدنية»، المجسّد في التعديلات الدستورية العشرة من مجمل التعديلات سارية المفعول. واستطرد بالقول انّ قرار القضاء الأخير يشكل «انتصاراً تاريخياً لحقوق كلّ فرد من المواطنين… ونتيجة مسار التغيير في الوعي الجمعي العام».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى