الرفيق «العراقي» عباس الخرسان

ل.ن.

شهد العراق منذ أربعينات القرن الماضي حضوراً حزبياً لرفقاء توجهوا إليه للعمل، من بينهم الأمين جورج جورج 1 والرفيقة إميلي الحلبي 2 والرفيق طارق اليافي 3 .

إلا أننا لا نعلم، قبل المرحلة الأخيرة حين تأسست في العراق أكثر من منفذية للحزب، أن فروعاً نشأت فيه، أو أن قوميين اجتماعيين عراقيين برزوا في العمل الحزبي.

في الآونة الأخيرة، نشر المواطن العراقي أحمد سالم الأحمد دراسة تاريخية عن الحزب السوري القومي الاجتماعي 1932- 1962 صدرت في كتاب عن دار ومكتبة التراث الأدبي.

لذلك، فإننا إذ نتحدث عن رفيق من العراق كان له حضوره الناشط في لندن، ومثله انتمت شقيقته الرفيقة الدكتورة فاطمة 4 وابن عمه الرفيق أمير خرسان، فإنما نضيء على جانب خفي من الوجود القومي الاجتماعي في العراق، قبل أن ينتمي عشرات الرفقاء في السنوات الأخيرة، وتتأسس فروع.

قبل انضمامه إلى الحزب، اتُهم الرفيق عباس حميد الخرسان بمشاركته في محاولة اغتيال العقيد أديب الشيشكلي بتاريخ 12/10/1950، عن هذا الأمر تقول جريدة «الجيل الجديد» في عددها بتاريخ 28/10/1950:

«في الساعة 1:30 من ليل 11 12 تشرين أول بينما كانت سيارة العقيد أديب الشيشكلي العسكرية تقله ومعه بعض الضباط في طريق عودتهم إلى دمشق على طريق دمّر، فاجأهم كمين مسلح بأسلحة نارية أوتوماتيكية فأصيب من الضباط الملازم الاول حسين حده بأربع إصابات، وأصيب الملازم غالب الشقفة بجرح خفيف.

وفي التحقيق، تبين أن الكمين مؤلف من أربعة أشخاص هم حسين توفيق وعبد القادر عامر من التابعية المصرية، وعباس الخرسان وهو طالب عراقي في معهد الحقوق بدمشق وزهير ابراهيم يوسف وهو لاجئ فلسطيني وموظف في المطار المدني.

حكم على الرفيق عباس ورفاقه بالإعدام إلا أنهم استفادوا بعد فترة من اعتقالهم في سجن المزة العسكري، من العفو الذي أصدره العقيد الشيشكلي.

لاحقاً، تحدثت «الجيل الجديد» في عددها بتاريخ 21 كانون الأول 1950 عن محاكمة المتهمين في المحكمة العسكرية، فقالت عن عباس الخرسان إنه عراقي، طالب حقوق في الجامعة السورية، وعمره 27 سنة.

عن الرفيق عباس خرسان، يقول الأمين غسان زكريا في رسالة له بتاريخ 30 أيار 2007: «إن الرفيق خرسان غادر دمشق إلى بيروت، وفيها، أو في عمان، التقى الأمين علي غندور، الذي ساعده في السفر إلى لندن كما التقاه الأمين أسد الأشقر والأمين إنعام رعد ، فعُين من قبل أحدهما مندوباً للحزب في المملكة المتحدة.»

ويفيد الرفيق رفعت عسيران 5 : «أن الرفيق عباس خرسان سكن في مدينة بيرمنغهام، وتعاطى العمل الميكانيكي وافتتح مرأباً لتصليح السيارات، ثم انتقل إلى لندن، تاركاً مهمة الميكانيك، بعد أن اقترن من امرأة بريطانية من عائلة ميسورة فأسس مطعماً للمأكولات اللبنانية سماه «المطعم البغدادي»، وبتوصية من الأمين علي غندور، عمل الرفيق سمعان نخول 6 في مطبخ المطعم، إلى أن تمكن في ما بعد من الاستقلال في العمل، مفتتحاً مطعماً في قلب العاصمة البريطانية، لينتقل لاحقاً إلى منطقة أخرى: باتني».

كان الرفيق عباس، كما يقول الرفيق الدكتور تيسير كوى «عنيفاً، جريئاً، شهماً. إلا أن ثقافته القومية الاجتماعية كانت عادية على رغم حماسه الشديد. إن الكتابة عن الرفيق عباس الخرسان من زاوية كونه عراقي الأصل وأول مندوب إلى المملكة المتحدة، ثم تسليط الضوء على دوره في الشام، قد تكون مفيدة، بخاصة أنه بقي قومياً اجتماعياً حتى وفاته».

يقول في مكان آخر: «إن الرفيق الراحل عباس مات مقتولاً برصاصة أطلقتها خطأً، زوجته البريطانية».

من جهة أخرى، يفيد الأمين عبدالله قبرصي في رسالة منه: «زرت الرفيق عباس في منزله في ضواحي لندن وأقام على شرفي مأدبة عامرة وكنت هناك مع بعض الرفقاء من عشيرة عراقية معروفة» لم يورد اسمها .

ويضيف: «أن الرفيق عباس أصدر من مقره في لندن بلاغاً إثر المحاولة الانقلابية، وزعه على الصحف في المغتربات والوطن يعلن فيه أن الحزب بريء من كل التهم التي توجه إليه، فاستحق لهذا الموقف ثناء قيادة الحزب» 7 .

من المعروف، وهذا ما يعرفه ويوضحه الرفيق رفعت عسيران، أن الرفيق عباس الخرسان ساهم في أواسط الستينات بعمل المكتب البريدي الذي أنشئ في لندن من أجل تأمين تواصل رئيس الحزب الموقت 8 الأمين عصام المحايري، مع فروع الحزب عبر الحدود، وبالعكس.

والمكتب البريدي ساهم فيه الرفيق رفعت عسيران، وكان قد غادر للتخصص المصرفي، والرفقاء الدكتور تيسير كوى 9 ، غيث الارمنازي 10 ، الضابط الطيار موفق التيناوي 11 ، والضابط الطيار عبدو وهبي 12 .

رفيق آخر من العراق يكشفه لنا الأمين غسان زكريا، أولاً في اللقاء الذي جمعنا به عند زيارته بيروت منذ أشهر، ثم في رسالته المؤرخة في 12/04/2015، إذ يقول: «إن الرفيق الراحل فائق فؤاد البياتي حضر من بغداد، مع والدته وأخواته الثلاثة ليستقر في دمشق عام 1949، بعد أن كان والده العميد الركن الطيار أحمد فؤاد البياتي قد تقاعد من سلاح الجو الملكي العراقي، وكان قد شارك في حرب 1948 ضد الطيران «الإسرائيلي»، فسكنوا بمنطقة المزرعة قريباً من بيتي الدمشقي، وسرعان ما انخرط في نشاطاتنا مع «أولاد الحارة» كما كان يجالسنا في حلقة الرفيق الراحل مروان قيسي الذي كان قومياً اجتماعياً ممتازاً في شروحاته وتفسيراته للمحاضرات العشر وغيرها من تعاليم».

يضيف الأمين زكريا: «إلى أن استكمل معي الدروس والشروحات فأقسمنا متتابعين قسم الانتماء يوم 16/11/1951 بحضور الرفيق الراحل غسان أفرام الذي كان مديراً لمديرية الرفيق الشهيد أديب الجدع، كما أن الأمين الراحل بشير موصللي كان حاضراً تأدية القسم». و«كان الرفيق فائق شعلة نشاط وحركة حزبية، كان واحداً ممن تصدوا لهجمة عدد من خصوم الحزب على مركز الحزب في جادة عرنوس، وقد أصيب برأسه بحجارة، كما أصيبت زوجتي السابقة يومها بأحجار عدة، كما كان إلى جانبي في تسلقي وعدد من الرفقاء قمة الأربعين بجبل قاسيون، حاملاً تنكة مازوت لإحراق إطارات سيارات ليلة الأول من آذار 1955 احتفالاً بعيد مولد حضرة الزعيم».

ويكمل: «عاد الرفيق فائق البياتي وعائلته. إلى بغداد في 18 نيسان 1955، قبل أربعة أيام من اغتيال العقيد عدنان المالكي واستمر زمناً على مكاتبتي ومراسلتي من هناك إلى دمشق، لكنه انقطع فجأة عنهما بعد عودتي إلى دمشق من بيروت وقد نزحت عن الأولى إلى الثانية، «هرباً» من الاعتقال الذي راح ضحيته الرفيق عوض القيم 13 وغيره من الرفقاء .

استمر انقطاع الرفيق الراحل 44 سنة، قضى منها 5 أعوام في السجن وقد قبض عليه يعقد حلقة إذاعية لبعض أصدقائه العراقيين شارحاً لهم تعاليم سعادة والمبادئ والمحاضرات. والتقى صدام حسين في سنة من سني أسره، واستمع إليه محاضراً في «القومية العربية» وشعارات حزب البعث، فلما أفرج عنه وكان البعث يحكم في العراق، وانقطعت رسائل المركز الموقر عنه في بغداد، فالتحق بحزب البعث وعمل جاهداً خلال فترة الانقلابات العراقية على «تفهيم» أصدقائه أن العراق هو جزء من «سوراقيا» وأن «الصحراء» بين الكيانين هي بادية وليست صحراء…الخ».

ويضيف: «حصل الرفيق فائق على وظيفة في «المساحة العسكرية» لكن في مدينة البصرة، فانتقل وعائلته إلى هناك خلال الحرب العراقية – الإيرانية، والتحق أشقاؤه الثلاثة بالجيش فقاتلوا في خنادقه على مدى سنتين، وأصيبوا بجراح، فسرحوا إثرها، فيما رزقت زوجه بغلام أسمياه صفاء ثم بابنة أسمياها سندس، ومن بعدهما غلامين، توفي واحد منهما متأثراً بجروحه». و«في 1999 لبيت دعوة الرئيس صدام حسين لزيارة بغداد ومعي وفد من مجلتي «سوراقيا» التي وقفت إلى جانب العراق في استعادتها الكويت.

في مكتب للبريد كنت أزوره، خلال زيارتي ـ دخل عليه الرفيق فائق مرتدياً دشداشة بيضاء على عادة أكثر العراقيين في فصل الصيف الحار جداً، مع ذلك عرفته وعرفني فتعانقنا مرحباً بي، آخذاً بي وبمن معي إلى منزله لنلتقي زوجه وأبناءه.

في عام 2000، وكان الحصار ما زال مطبقاً على العراق، فبالكاد تجد صابوناً وحليباً ومحارم ورقية و فحملته على السفر معي إلى دمشق حيث تركته هناك وقد استأجرت لهم منزلاً أقاموا به، فيما عدت إلى لندن.

ومضت الأيام فإذا به يصاب بوجع في القلب، وابنته بداء السكري، وكان قد هرم وشاخ مبكراً، وحنّ للعودة إلى بغداد، مدينته التي أحبها وأمضى فيها أكثر عمره، فلما عاد وزوجه لزيارة الابنة وابنتيها، وقد ولدت أخرى أسمتها أليسار – بناء على اقتراح والدها – أصيب بنوبة قلبية حادة قضت عليه، تاركاً لي وصيته وفيها يطلب مني الاهتمام بابنته وابنتيها وصهره».

هوامش

1 تولى مسؤولية منفذ عام القدس، إضافة إلى مسؤوليات حزبية أخرى، كنا كتبنا عنه في فترة سابقة، للاطلاع على النبذة الدخول إلى الموقع التالي: www.ssnp.info.

2 من طرابلس ومن أولى الرفيقات في الحزب.

3 من طرابلس كان رجل أعمال في مدينة بومباي الهند حيث عُين قنصلاً فخرياً للبنان فيها، ترشح مرتين للانتخابات النيابية عن المقعد السني في طرابلس، من أعماله أنه تولى في الفترة 1955-1959 إدارة مكتب شركة طيران لبنانAir Liban في بغداد. للاطلاع على النبذة المعممة عنه، الدخول إلى موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية Info الواردة آنفاً.

4 اقترنت من مواطن من آل الصدر، كانت تتردد إلى بيت الطلبة في رأس بيروت في خمسينات القرن الماضي، وعلى معرفة بالرفيق الراحل خالد محمد قطمة، الذي كان ناظراً للإذاعة في منفذية الطلبة الجامعيين، وغادر إلى الكويت حيث لمع فيها صحافياً وكاتباً سياسياً وأديباً. تمّ اغتيالها في بغداد.

5 نشط حزبياً في خمسينات وستينات القرن الماضي. انتخب عضواً في مجلس نقابة المصارف في فترة تولي الراحل كبريال خوري رئاستها. تولى مسؤوليات حزبية، معظمها في المجال المالي. ما زال عند إيمانه بالقضية السورية القومية الاجتماعية.

6 هو الرفيق اسماعيل أحمد الخنسا من بلدة قدموس الشام . انتقل إلى لبنان بعد حادث اغتيال العقيد عدنان المالكي. اقترن من السيدة ليلى عبد الله متري من كفرحزير . غادر بعد الثورة الانقلابية إلى الكويت، فالأردن ثم الى لندن. عاد إلى بلدة كفرحزير، وفيها فارق الحياة، يوم الاثنين 24 آذار 2003.

7 يفيد الرفيق تيسير كوا في رسالة له: «إن مسألة البلاغ عن الثورة الانقلابية شارك فيها رفيق من أسرة الرياشي، لم يعد يذكر اسمه الكامل»، نرجّح أنه الرفيق اميل الرياشي الذي نشط حزبياً في الفترة التي أعقبت الثورة الانقلابية والأمين الراحل فيليب مسلم الكاتب والشاعر والقصصي، وقد نشرنا عنه نبذة بتاريخ 15 تموز 2014 .

8 تعيّن رئيساً موقتاً من قبل الإدارة العامة الموقتة في الأردن بعد أن حلّت نفسها، وكان قد خرج من الأسر.

9 من دمشق. نشط حزبياً في لندن إلى أن تقاعد فانتقل للإقامة خارجها. عمل مع وزارة التربية البريطانية. كنا تحدثنا عنه في النبذة المعممة بعنوان «أنا عائد». للاطلاع الدخول إلى أرشيف الحزب على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info.

10 من الكيان الشامي. كان سفيراً للجامعة العربية في المملكة المتحدة. ما زال مقيماً في لندن.

11 كبير طياري شركة الطيران السورية. كان الطيار الخاص لطائرة الرئيس حافظ الأسد، وهو ابن دورته. كان معروفاً أنه قومي اجتماعي. توفي عام 2013 بحادث سير في دمشق.

12 كنا نشرنا عنه نبذة تضيء على سيرته الحزبية النضالية، ونأمل أن نكتب عنه أكثر. من مواليد جديدة عرطوز، قرب دمشق. أمضى سنواته الأخيرة في مدينة طرطوس.

13 كان البريد الحزبي المرسل إلى التنظيم في الشام في ستينات القرن الماضي، يوضع في ملحمته في دمشق، ومنه كانت الرفيقة/ أو الرفيق المندوب يتسلم البريد الحزبي من التنظيم إلى المركز في بيروت. رفيق مميز بأدائه الحزبي وبالتزامه.

نأمل من أي رفيق أو صديق يملك معلومات تفيد السيرة الشخصية والحزبية لكل من الرفيق عباس الخرسان وشقيقته الدكتورة فاطمة، أن يكتب إلينا.

كذلك، من يعرف عن مكان إقامة ابن عمه الرفيق أمير الخرسان في حال أنه ما زال على قيد الحياة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى