وقائع جديدة… تُغيّر لون الخطوط الحمر

معن حمية

أعداد كبيرة من العناصر الإرهابية المتطرفة كانت تغطي مساحات واسعة من منطقة القلمون السورية وجبالها وسلسلة جبال لبنان الشرقية. ووجود هذه العناصر في تلك المناطق وبهذا الكمّ الهائل، أكد المقولة الشهيرة، بأنّ لبنان يشكل خاصرة رخوة بالنسبة لأمن سورية واستقرارها.

حقيقة «الخاصرة الرخوة» ظهرت مع المتغيّرات التي شهدتها الساحة اللبنانية، إذ نشأ فريق لبناني تحت مسمّى «14 آذار»، اعتمد نهجاً عدائياً سافراً حيال سورية، ونجح في الاستئثار بالسلطة اللبنانية كاملة بدعم خارجي، قبل أن يتراجع إلى مرحلة تقاسم السلطة مع قوى وطنية لبنانية.

مواقف 14 آذار العدائية تجاه الدولة السورية، تصاعدت مع بدء الهجمة الإرهابية على سورية في آذار 2011، من بوابة دعم هذا الفريق ومؤازرته لما سمّاه «الثورة السورية»، وهو الاسم الحركي لـ«داعش» و«النصرة» وأخواتهما. وفي ظلّ هذه المؤازرة لما يُسمّى «الثورة السورية»، بدأت تظهر في لبنان تشكيلات إرهابية في الشمال وفي صيدا وبعض المناطق، تنفذ عمليات إرهابية وكمائن ضدّ الجيش اللبناني، وتحوّلت بعض المناطق اللبنانية إلى ممرّات للمسلحين إلى سورية، وإلى المناطق اللبنانية السورية المتداخلة، وبدأت تصل إلى الموانئ اللبنانية شحنات أسلحة لمصلحة الإرهابيين، تكشفت للملأ بعد ضبط سفينة الأسلحة «لطف الله 2».

ومن خلال قيام المجموعات الإرهابية ـ مجموعة أحمد الأسير نموذجاً ـ بإشغال الجيش اللبناني في الداخل، وتشكيل حواضن للمسلحين في عدة بلدات وقرى حدودية في البقاع والشمال، استطاعت القوى الإرهابية بتنظيماتها المختلفة من تدعيم وجودها في منطقة القلمون السورية وعلى معظم الحدود اللبنانية ـ السورية. وعندما دق وزير الدفاع اللبناني السابق فايز غصن في 20 كانون الأول 2011 ناقوس الخطر وكشف معلومات تشير إلى وجود «القاعدة» في عرسال، أقامت قوى 14 آذار الدنيا ولم تقعدها ضدّ هذا الوزير وضدّ فريقه السياسي، وبدأ نواب 14 آذار يحجّون إلى عرسال واضعين «الخطوط الحمر»!

الإسناد الذي وفرته قوى 14 آذار للمجموعات المسلحة، مكّن هذه المجموعات لفترة طويلة من تأمين خطوط إمدادها واستقدام المزيد من العناصر الإرهابية، فأحكمت سيطرة شبه كاملة على منطقة القلمون السورية وضمناً الجرود والتلال والمرتفعات اللبنانية على كامل السلسلة الشرقية، تمهيداً لربط هذه المنطقة بمناطق جنوب سورية، في إطار خطة غربية ـ صهيونية تهدف إلى محاصرة دمشق ومن ثمّ الانقضاض عليها وقطع خطوط إمداد المقاومة في لبنان. وذلك بالتزامن مع تنفيذ عمليات إرهابية في الداخل اللبناني، تنطلق من مناطق سيطرة المسلحين، تمّ تنفيذ العشرات منها، عبر الانتحاريين والسيارات المفخخة ضدّ الأماكن المأهولة وعمليات استهدفت الجيش اللبناني.

وسط كلّ هذه التحديات بقي لبنان الرسمي يعتمد سياسة النأي بالنفس، تحت تأثير فريق 14 آذار، وهي سياسة اقتصرت على تطبيق القطيعة الرسمية بين لبنان وسورية، في حين لم تمنع فريق 14 آذار من مواصلة دعمه للمجموعات الإرهابية تحت مسمّى «الثوار»!

سياسة «النأي» التي اعتمدتها الحكومة اللبنانية لم تضبط خاصرة لبنان الرخوة، ولم تحل دون استمرار 14 آذار بإشهار موقف العداء للدولة السورية، وهذا النأي شكل تحدّياً كبيراً، إذ في ظله شنّت المجموعات الإرهابية سلسلة اعتداءات على الجيش اللبناني والقوى الأمنية وقتلت ضباطاً وعسكريين واختطفت آخرين، ولا يزالون قيد الاختطاف.

ومع استمرار الأخطار الإرهابية على لبنان، بقي لبنان الرسمي يمارس «النأي»، وآثر عدم التنسيق مع الدولة السورية في شأنها، ما جعل المقاومة تحزم أمرها، وتتخذ قرارها المنسّق مع الدولة السورية للقضاء على الخطر الإرهابي الذي يتهدّد دمشق ولبنان… فبدأت عمليات اجتثاث الإرهاب من حمص إلى القصيْر إلى يبرود وعشرات المناطق الأخرى.

ومع تحصّن الإرهابيين في السلسلة الشرقية للحدود اللبنانية مع سورية وتصاعد العمليات الإرهابية واستهداف القرى والبلدات البقاعية في لبنان من قبل المجموعات الإرهابية، اتخذ القرار بكنس الإرهاب من جبال القلمون وجرود عرسال وفليطة وسائر المرتفعات والتلال.

قرار تحرير الجرود وسلسلة الجبال اتخذ، مرتفعاً تلو الآخر وتلة تلو الأخرى، والخناق بدأ يضيق على المجموعات الإرهابية.

التقدّم السريع للمقاومة من الناحية اللبنانية وللجيش السوري من الجانب السوري وضع الحكومة اللبنانية أمام امتحان صعب، فهي لا تستطيع تجاهل وقائع الأرض والحسم الآتي، ولا تستطيع إنكار ما التهديد الإرهابي ضدّ لبنان، وهو تهديد مثبت بعمليات التفجير والقتل وخطف العسكريين، كما أنّ قوى 14 آذار لا يمكنها أن تتحدّث عمّن يملك قرار الحرب والسلم، في حين أنّ هناك أرضاً لبنانية محتلة، وجنوداً لبنانيين مختطفون من قبل المجموعات الإرهابية، لذلك كان لا بدّ من اتخاذ قرار في مجلس الوزراء بتكليف الجيش اللبناني اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة سيطرته وانتشاره داخل عرسال وحمايتها. علماً أنّ موافقة بعض الأطراف على القرار، تمّت على نية أنّ الجيش لن يكون قادراً على القيام بهذه المهمة، لأنه لا يمتلك سلاحاً متطوّراً لمواجهة الإرهاب، حتى أنّ الهبات والمساعدات العسكرية التي تمّ الإعلان عنها من أكثر من جهة لم يتسلّمها الجيش بعد.

لكن ما هو مؤكد، أنّ الجيش اللبناني يمتلك إرادة قوية تمكنه في ظلّ عدم امتلاكه السلاح المطلوب والدعم المأمول، أن ينفذ القرار بحماية عرسال وأهلها من خطر الإرهاب، حتى وإنْ كانت المهمة الصعبة نتيجة تدفق المسلحين الفارّين من الجرود إلى البلدة. وهذا تحدّ لا يواجه الجيش وحده، بل الحكومة اللبنانية التي ستجد نفسها بكلّ أفرقائها مضطرة لمواجهة هذا التحدّي الخطير.

الأكيد أنّ المقاومة والجيش السوري سيستكملان السيطرة خلال أيام على كامل جرود القلمون بما فيها جرود عرسال، وبعد تأمين الخاصرة السورية واشتدادها من الجهة اللبنانية، سيشهد الميدان السوري وقائع جديدة في مسار المعركة ضدّ الإرهاب والتطرف.

مدير الدائرة الإعلامية في الحزب السوري القومي الاجتماعي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى