نتائج الذلّ
محمد نادر العمري
شكلت نتائج الانتخابات التركية في الأمس وما نجم عنها من تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية ودخول أحزاب معارضة جديدة إلى المشهد السياسي في تركيا، سقوطاً مليئاً بالذل ليس فقط لرجب طيب أردوغان الذي أراد الاستئثار بالسلطة وتغيير نظام الحكم في الداخل التركي، بل لأوهام جماعة الإخوان المسلمين ومشروعها في تغيير معالم المنطقة، والذي وظف حزب العدالة والتنمية التركي منذ عام 2000 في الترويج له وتعويمه بغرض تغيير أنظمة الحكم السائدة واستبدالها بأخرى إسلامية تهادن الكيان الغاصب وتنفذ الأجندات الغربية، وهذا ظهر من خلال اتفاق حصل بين قيادات هذه الجماعة مع الإدارة الأميركية، إذ كشف موقع «ديبكا الإسرائيلي» عن اتفاق سري بين «الإخوان المسلمين» وواشنطن في 2011، مضيفاً أن السياسة التي ينتهجها الرئيس الأميركي باراك أوباما في المنطقة العربية هدفها دفع الإخوان المسلمين ومساعدتهم لاعتلاء الحكم بدلاً من القادة العرب الحاليين.
حيث شهدت العلاقة التركية العربية عدداً من المراحل، بدأت إبان الغزو الأميركي للعراق ورفض تركيا في حينها استخدام أراضيها للغزو للتقرّب من العرب والبدء بتنفيذ معادلة «صفر مشاكل» مع الدول المجاورة، الأمر الذي أدى إلى إنعاش الاقتصاد التركي وارتفاع مستوى النمو بشكل كبير وسريع وصل إلى 14 في المئة، إضافة إلى لعبها دوراً مهماً في القضايا السياسة في ما يخص ملفات المنطقة، وفي عام 2011 ومع انطلاق ما سمي بالربيع العربي بدأ المشروع الأردوغاني يظهر على حقيقته خدمة للإيديولوجية الإخوانية، وظهر السلوك السياسي التركي الداعم لوصول أنظمة دينية بأي شكل للسلطة سعياً منها إلى استعادة نفوذ الإمبراطورية العثمانية من تونس وصولاً إلى سورية مروراً بليبيا ومصر، ولكن وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السلطة في مصر وإسقاط حكم الإخوان بقرار شعبي، والصمود السياسي والعسكري للدولة السورية في التصدي لمخطط التقسيم طيلة السنوات الأربع الماضية ساهم بشكل كبير في إسقاط المشروع الإخواني. أما المرحلة الثالثة، فهي التي بدأت مع اللحظة الأولى لإعلان نتائج الذلّ بالنسبة لأردوغان وحزبه وتشير إلى أن تركيا متجهة نحو مرحلة من الغموض السياسي متزامن مع اضطرابات اقتصادية قد تؤدي بدورها لسحب الاستثمارات الأجنبية والتي تشكل 70 في المئة من السوق التركية.
وهنا يمكن القول بأن هناك عوامل عديدة ساهمت في تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية وعدم قدرته من تحقيق أكثر من 40.79 في المئة من الأصوات أهمها، بأن أردوغان الذي اعتبر نصره في عام 2011 هو نصر لعواصم دولية منها دمشق وطهران والقاهرة وبغداد هي ذاتها العواصم التي قلبت الطاولة فوق رأسه بسبب تدخله في شؤونها والاستمرار في زعزعة استقرارها من خلال دعم المجموعات المسلحة وحركات التمرد وتدريبها وتسليحها ودخوله في تحالفات لا تخدم مصالح الشعب التركي وإسهامه بشكل مباشر في إيجاد حركات إرهابية متطرفة مثل داعش وجبهة الصرة والدخول معها في علاقة ترابطية وظيفية، وتورط العديد من المسؤولين والقيادات حزب العدالة بعلاقة مع هذه الجماعات وإيجاد بيئة وظروف مناسب لتكون الأراضي التركية ساحة لهذه الجماعات ونقطة انطلاقها وفق تصريحات لمسؤولين غربيين وفي مقدمهم نائب الرئيس الأميركي جون بايدن والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل.
هذا التورط التركي في دعم الإرهاب والتآمر على الدول الجوار وبخاصة سورية والعراق، ساهم بشكل رئيسي في حدوث تراجع اقتصادي تمثل بتراجع معدلات النمو لأكثر من 6 في المئة وانخفاض قيمة صرف الليرة التركية 40 في المئة، الأمر الذي ساهم في زيادة معدلات البطالة بين الشباب ووفقاً لإحصاءات حكومية تركيا وصلت إلى 14 في المئة، فضلاً عن تراجع السياحة نتيجة التخوفات الأمنية ووجود ثقل العمالة السورية والعراقية التي فشل أردوغان من خلال إنشاء مخيمات لها على أراضيه بتحويلها من ورقة ضغط إنساني ضد الدولتين في المحافل الدولية، فأصبحت تشكل له عبئاً داخلياً يزيد من معدلات البطالة، ناهيك عن ملفات الفساد التي تورط بها أردوغان والمقربون منه في المجالات القضائية والمالية والسياسية والاستمرار في قمع الحريات وعدم الاعتراف بحقوق المكونات الموجودة داخل تركيا من كرد وأرمن.
لذلك التعمق قليلاً في قراءة المشهد السياسي التركي اليوم يشير نحو الغموض والضبابية بعد ظهور هذه النتائج والتي سيكون لها تأثير مباشر على السياستين الداخلية والخارجية، فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيكلف رئيس حزب العدالة والتنمية أحمد داود أوغلو لتشكل الحكومة المقبلة، وبعد ذلك سيعتكف أردوغان في قصره «بوجود الصراصير أو عدمه» من دون أي صلاحيات تجيز له التغيرات الدستورية التي كان يحلم بها ليسيطر على زمام الحكم، فالرئيس التركي ورئيس الحكومة أوغلو هو بين خيارات ثلاثة، إما أن يقبلا بحكومة ائتلافية لأول مرة على غير العادة مع أحد أحزاب المعارضة أو جميعها ستحدث تغيّراً جوهرياً لا محال في السياسة الخارجية، وستحدّ من التدخل التركي في الشؤون السورية والعراقية، أو أن يقوم أردوغان بتكليف أحمد داوود أوغلو بتشكيل الحكومة الجديدة ويأمرها بالبقاء في السلطة حتى لو لم تحصل على ثقة البرلمان، لأنه وبحسب الدستور يحق للرئيس تكليف الحكومة البقاء في الحكم حتى إجراء انتخابات مبكرة خلال 90 يوماً بعد فشل الحكومة في الحصول على ثقة البرلمان، أو أن يقوم رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو بتقديم استقالته من منصبه كزعيم للحزب، بحسب ما قال خلال الحملة الانتخابية وبعد تحمّله أو تحميله مسؤولية تراجع شعبية الحزب في فترة رئاسته، إلا أنّ أردوغان لن يكلف أحداً من قيادات المعارضة بتشكيل الحكومة، وهو ما يأمر به الدستور، وذلك لسدّ الطريق أمام ائتلاف حكومي قد ينهي سلطته إلى الأبد، وبالتالي الذهاب إلى حرب أهلية تجعل من هذه الانتخابات مفصلاً حقيقياً ومهمـاً فـي تغييـر تـاريــخ تركيـا وواقعهـا الجيوسياسي.
مختص في العلاقات الدولية