إعادة الحسابات في سورية بتراجع الحرب وتسارع الحسم أبو مالك التلي للعلاج في عرسال… والحكومة في إجازة مرضية

كتب المحرر السياسي:

كان الجميع يتحدث عن الثلاثين من حزيران كاستحقاق فاصل بين مرحلتين، في تقرير وجهة السياسات في المنطقة سواء بالنسبة إلى قواها الفاعلة أو بالنسبة إلى القوى الدولية اللاعبة على مسرحها، انطلاقاً من أنّ حلفين يتقابلان في مواجهات المنطقة منذ خمسة عشر عاماً على الأقلّ، أيّ منذ طرح المحافظون الجدد مشروعهم لزعامة أميركية للعالم من بوابة شنّ حروب التغيير، إنْ لم يكن منذ قرابة العقود الأربعة، أيّ تاريخ سقوط نظام الشاه في إيران والتغيير الذي ترتب عليه في توازنات المنطقة وجغرافيتها السياسية، لكن في الحصيلة تقف إيران على رأس أحد الحلفين بينما تقف واشنطن على رأس الحلف الآخر، وبتقدّم الملف النووي كقضية نزاع مفصلية بين واشنطن وطهران وصلت حدّ التهديد بانفجار المواجهة العسكرية بينهما مراراً، فإنّ مصير المفاوضات حول هذا الملف والمحدّدة نهايتها في الثلاثين من حزيران كان يستحوذ الاهتمام كمحطة مفصلية مقرّرة لمستقبل العلاقة بين هذين الحلفين، فهي علاقة مواجهة إذا فشلت المفاوضات، مهما كان القتال الظاهري ضدّ «داعش» سبباً للتلاقي، وهي علاقة تفاهمات وتسويات إذا نجحت المفاوضات مهما كانت الملفات الإقليمية شائكة.

وضع الجميع توقيتهم على الثلاثين من حزيران، حلفاء واشنطن وحلفاء طهران، واشتعلت المنطقة بسلسلة حروب استعداداً، كان أهمّها، حرب السعودية على اليمن، ومحاولات «إسرائيل» كسر قواعد الاشتباك مع كل من سورية والمقاومة، والاندفاعات المحمية والمدعومة من تركيا أساساً، وعبرها من السعودية وقطر وفرنسا لـ«داعش» و«النصرة» في الجغرافيتين السورية والعراقية، وحرب القلمون والتوغل الحوثي في البرّ السعودي وعملية الردع من جانب المقاومة، فـ»إسرائيل» وما تضمّنته من قرار حرب عملياً، ولكن كلها حروب ارتدادية من جانب قوى حلف المقاومة وبدعم إيراني واضح وعلني.

لم ينتبه الكثيرون إلى أنّ هذه الحروب الجانبية التي افتتحها حلفاء واشنطن للتأثير على مسار التفاوض حول الملف النووي الإيراني أو تحسّباً لتوقيعه وملاقاة لنتائجه بالإمساك بأكبر عدد ممكن من أوراق القوة هي حروب دفاعية على رغم ضراوتها ووحشيتها، وهي حروب ردّ اعتبار وخوف من الآتي الواضح أنه في غير مصلحتهم ما لم ينجحوا في خلق واقع ووقائع جديدة، وكما هو الواضح أيضاً أنه قبل أن ينجلي غبار حرب السعودية على اليمن عن الفشل الذي أصاب أهداف الحرب وترجمته صيغة الحوار المقرّر منتصف هذا الشهر في جنيف برعاية أممية لا سعودية، ومن دون شروط مسبقة، وليس وفقاً للرغبات السعودية، وقبل أن تبان حقيقة تثبيت ميزان الردع في وجه «إسرائيل» وقبل أن تبدأ الهجمات المعاكسة بتبديد اندفاعات «داعش» و«النصرة» في سورية والعراق، فإنّ قيمة كلّ الحروب تبقى مرتبطة بعاملين، هما موقع ومكانة تركيا في حلف الحرب، وموقع ومكانة سورية في توازنات ما بعد هذه الحروب، فالتوازنات الحاكمة لمعادلات الساحات الأخرى غير سورية لا تعوّض الخسارة فيها والأرباح في ساحات غيرها تقاس بمدى تأثيرها عليها، وأنّ البوابة الاستراتيجية الوحيدة في جغرافيا المنطقة القادرة على حمل عبء هذا التحويل والممسكة بمشروع قادر على الاستثمار والمالكة لقدرات ومكانة تتيحان لها تجميع الأرصدة وإعادة توزيعها هي تركيا.

كلّ الصراع في النهاية على سورية وكلّ البوابات توصل إلى البوابة التركية، ففي سورية مستقبل الصراع العربي ـ «الإسرائيلي»، وفي سورية مستقبل مكانة روسيا وإيران الاستراتيجية، وفي سورية مستقبل ومكانة السعودية الإقليميّين، ومن تركيا يطلّ الأطلسي على بلاد المشرق، ومن تركيا مشروع العثمانية الحامل لطموحات وحوافز التورّط في الحروب، ومن تركيا يُقاد «الإخوان المسلمون» القوة المنظمة الأبرز لحساب الحروب المستهدفة للمنطقة والهادفة لإخضاعها، ومن تركيا ينطلق مقاتلو «القاعدة» بقبعة «داعش» أو «النصرة» غب الطلب.

تقدّم السابع من حزيران فجأة وفرض نفسه استحقاقاً على الجميع، وقالت الانتخابات التركية ما يكفي لتغيير وجهة الحروب والتوازنات في المنطقة، فالقضية ليست في تشكيل حكومة ائتلافية أو الذهاب إلى انتخابات مبكرة، فهذا هو بالضبط الشأن التركي الصرف الوحيد في الانتخابات ونتائجها، أما الشأن الإقليمي فهو أنّ السياسة الخارجية التركية لم تعد في يد «الإخوان المسلمين» ومشروع السلطنة، وصارت حاصل توازنات القوى الداخلية وما تشير إليه وفقاً لكلام قادة حزب الرئيس التركي الذي تلقى الصفعة المدوية في الانتخابات، بأنّ عقدة الحكومة الائتلافية هي السياسة الخارجية وخصوصاً مصير التدخل في سورية، وقادة المعارضة يتشاركون رفض المشروع الأردوغاني لسورية ويدعون إلى وقف الباب المفتوح لـ«القاعدة» بجناحيها «داعش» و«النصرة» نحو سورية.

سقطت الحرب على سورية في بيت أبيها، وتلقت الطعنة القاتلة في الكبد، فلن تقوم قائمة في تركيا لحكومة تتابع ما بدأه وما فعله أردوغان وحزبه خلال سنوات، فالكلّ الآن منهمك بإعادة حساباته لما لم يكن في الحسبان، حتى أن بعض الحلفاء لأردوغان وعبره، خصوصاً الذين كانوا ممّن ساهم في تمويل وتسليح فروع «القاعدة» يحسبون حساب الفضائح التي يمكن أن تجرجرهم إلى محاكم تركية إذا سار حزب المعارضة الرئيسي حزب الشعب الجمهوري بما أعلنه، من السعي إلى إقامة تحقيق مستقلّ عن تورّط أردوغان وحزبه في توريط تركيا بدعم «القاعدة» وتخريب سورية.

«داعش» وقادتها يتدارسون كيفية مواصلة التمويل بعد متغيّرات تركيا، ووصول السلاح ومصير دور النقاهة وإقامة عائلات القادة، وبيع النفط والآثار المنهوبة، و«جبهة النصرة» تتحسّب لمصير قواعدها العسكرية ومخازن سلاحها، وغرف عملياتها، وقطر تقيّم الموقف وكيفية التصرف مع حركة الأموال عبر تركيا، والسعودية و«إسرائيل» تدرسان وتقيّمان مصير الحرب على سورية في ضوء ما جرى في تركيا، وفي المقدّمة فرنسا وأميركا المعنيتان الأساسيتان بالحرب.

في المقابل حلف المقاومة من إيران إلى سورية وحزب الله مروراً بالعراق يستعدّ لنقلات حاسمة في خطط الهجمات المعاكسة مستثمراً هذا التحوّل الكبير في موازين القوة لحسم يتيح بلوغ الثلاثين من حزيران بأفضل معادلات وتوازنات ممكنة.

في لبنان لم يتح بعد لأحد تقييم المتغيّر التركي وانعكاساته، خصوصاً المتورّطين في رهانات على حلف الحرب على سورية، الذين سينتظرون التقييم السعودي، وعناصر التغيير التي ستظهر على مواقفه او يتبلّغونها، وحتى ذلك الحين يواصلون العناد في قضية التعيينات الأمنية ويرتضون أخذ الحكومة في إجازة مرضية حتى إشعار آخر.

في المقابل تواصل المقاومة حربها على «النصرة» وتقترب من النهايات، مع فرار قائد «النصرة» أبو مالك التلي إلى عرسال، سواء للاختباء كما تؤكد مصادر أمنية، أو للعلاج كما تقول بعض الأوساط المحسوبة على تيار المستقبل.

مخارج برية – عونية – جنبلاطية – مستقبلية

طارت جلسة مجلس الوزراء هذا الأسبوع إلى أجل غير مسمى، فرئيس الحكومة تمام سلام لن يدعو إلى جلسة بانتظار أن تتوصل المساعي والاتصالات التي يقوم بها رئيس المجلس النيابي نبيه بري والنائب وليد جنبلاط إلى حل الإشكالية الحكومية، لا سيما أن الأوضاع البالغة الخطورة في عرسال وجرودها تفرض عودة اجتماعات مجلس الوزراء.

وأكدت مصادر مطلعة لـ«البناء» «أن الجو معقد لكنه غير مغلق بالكامل». ولفتت المصادر إلى «مساعي مكثفة للوصول إلى مخارج برية – عونية – جنبلاطية – مستقبلية».

واعتبرت المصادر «أن الحل ليس جاهزاً، لكننا لن نصل إلى استقالة الحكومة وإلى شل البلد، فالبحث يجري عن مخرج في التعيينات، وعن تخريجة لتشريع الضرورة»، مشيرة إلى «أن التقارب الأخير بين عون جعجع سيساهم في إيجاد حلول جزئية في مواضيع عدة، إضافة إلى المبادرة الجنبلاطية».

ولفتت المصادر إلى «أنّ حزب الله يواكب هذه المساعي ويشجع وجاهز للموافقة على أيّ حلّ توافقي يتمّ التوصّل إليه ويعمل خلف الكواليس، لعدم إسقاط الحكومة وللوصول إلى حلول.

وكان الرئيس بري التقى أمس أمين سرّ تكتل التغيير والإصلاح النائب إبراهيم كنعان موفداً من الجنرال عون الذي تمنى أن يتمّ تغليب منطق الدستور أي المساواة ومبدأ المشاركة الوطنية. ونقل كنعان عن بري ترحيبه بالحوار المسيحي المسيحي، واصفاً الحوار بالخطوة المهمة التي لا تريح المسيحيين فقط بل لها انعكاساتها الإيجابية على المستوى الوطني».

وراء الأكمة ما وراءها

وأكد نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أن «أمام الفريق الآخر خيارين، إما انتخاب رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية أو الفراغ إلى أجل غير مسمى وأن المنطقة اليوم في حالة مراوحة من الآن ولفترة من الزمن أقلها سنة ولا يبدو أنه توجد حلول لأزمات المنطقة».

وفي السياق أكدت أوساط سياسية لـ«البناء» أن لقاء العماد عون برئيس حزب القوات سمير جعجع ما كان ليحصل لو لم يكن وراء الأكمة ما وراءها». مشيراً إلى «أن كلام الجنرال عون «أن موضوع رئاسة الجمهورية لا يزال محبوساً في القفص الذهبي»، يعني أن الرئيس سيكون العماد عون». وشددت المصادر على «أنه ما دام عون مرشحاً لا تسويات في الملف الرئاسي».

وفد فاتيكاني في بيروت

ومن دمشق وجّه بطاركة المشرق خلال اللقاء الروحي الذي عقد في الكنسية المريمية «نداء إلى اللبنانيين لانتخاب رئيس جمهورية يعيد للمؤسسات الدستورية انتظامها». كما وجه نداء إلى المسيحيين «لمحاربة الفكر التكفيري وإحلال السلام في سورية والتشبث بوحدتها».

ويزور منتصف الشهر الجاري وفد فاتيكاني رفيع برئاسة رئيس أساقفة ميلانو الكاردينال أنجلو سكولا لبنان لعقد سلسلة اجتماعات كنسية وسياسية في مسعى لحل المأزق الرئاسي، والتأكيد على تثبيت المسيحيين في أرضهم قبل أن يتوجه والبطريرك الماروني بشارة الراعي إلى أربيل للإطلاع على واقع المسيحيين في العراق.

المخطوفون في عهدة الحجيري

أمنياً، واصل حزب الله عملياته العسكرية في جرود عرسال حيث تقدم شرق جرود عرسال ووصل جرود فليطة بجرود عرسال الشرقية، وسيطر على وادي التركمان ووادي القصير وعقبة القصيرة ووادي السيري ووادي الحريقة ووادي التنين في جرود عرسال. ونقلت قناة «المنار» عن بعض الشهود أن أمير «جبهة النصرة» في القلمون أبو مالك التلي هرب إلى عرسال، حيث قام مصطفى الحجيري «أبو طاقية» باحتضانه في منزله.

وتوقعت مصادر عسكرية لـ«البناء» «أن يتوجه مقاتلو حزب الله باتجاه الشمال بعد الانتهاء من جرود عرسال حيث ستبدأ المواجهة مع تنظيم داعش في الأيام القليلة المقبلة، وتوقعت تكرار ما حصل في المعارك مع النصرة مع داعش».

وأكد مصدر عسكري بقاعي لـ«البناء» أن جبهة النصرة في المنطقة الشرقية انتهت عملياً ولم يعد لها الوجود العسكري كما كانت في السابق وتقلص عديدها في شكل كبير حيث قتل جزء منهم وفر آخرون وباتت في وضع ميؤوس وأمام خيارات صعبة وضيقة، إما الالتحاق بتنظيم داعش في الجرد الجنوبي الغربي لعرسال، وهناك ضغط عليهم من الجيش السوري الذي يدخل إلى تلك المنطقة والجيش اللبناني أيضاً من جهة رأس بعلبك وإما الدخول بالمفاوضات التي يبدو أنها لن تنجح لأن حزب الله لم يعد له مصلحة بذلك بعد التقدم الكبير الذي أحرزه».

وأكد المصدر أن «العسكريين الأسرى موجودون منذ اختطافهم في عرسال ولا يزالون وليس في الجرود، فقد كان المسلحون يأخذونهم إلى الجرود لالتقاط الصور ثم يعيدونهم إلى البلدة، مستبعداً إطلاق سراحهم لأنهم ورقة الخاطفين الأخيرة التي ستنقذ حياتهم، مرجحاً «أن يكون المخطوفون بعهدة الشيخ مصطفى الحجيري «أبو طاقية» الذي يشرف على المحاكم والمحاكمات والسجون ومخازن الذخيرة ونقاط التسليح».

ولم يستبعد المصدر «دخول المسلحين إلى عرسال، إذا أرادوا التصعيد، أو اللجوء إلى مفاوضات بالحد الأدنى ليتركوا كل شيء ويرحلوا، لكنهم في كل الأحوال لم تعد لديهم القدرة على الدخول في معركة مع الجيش».

وأشار المصدر إلى «أن الجيش لا يزال محكوماً بالموقف السياسي، فالقرار الحكومي الأخير جاء لإرضاء فريق 14 آذار بأن يدخل الجيش عرسال وليس قوى أخرى في حين أن المقاومة لم تطرح أنها ستدخل إلى البلدة».

ولفت إلى أن «الجيش لم يدخل في أي يوم إلى عرسال في شكلٍ جدي، فدخوله يتطلب ملاحقة المطلوبين وأماكن الذخيرة ونقاط التسليح ومداهمة المخيمات التي تأوي مقاتلين فضلاً عن البحث عن المخطوفين العسكريين، إلا أن رئيس الحكومة ووزير الدفاع لا يؤيدان هذا الطرح».

وأكد نظام مغيط شقيق المعاون الأسير إبراهيم مغيط لـ«البناء» أن أهالي العسكريين يعيشون حالة ضياع جديدة بعد نشر فيديو يظهر خلاله 5 من العسكريين المخطوفين لدى «جبهة النُصرَّة» وهم يُشاركون في القتال إلى جانب النُصرَّة»، مشيراً إلى «أن ما يجري مأساة جديدة تضاف إلى المأساة التي يعيشها هؤلاء». وقال مغيظ: «لا ندري ما هي خلفيات نشر هذا الفيديو الذي سبقته الصور، بعد الحديث أن المفاوضات في شأن إطلاق سراح العسكريين تسير في منحى ايجابي»، سائلاً الحكومة: أين العسكريون وما هو مصريهم؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى