إيران… أحدٌ أحد
العلامة الشيخ عفيف النابلسي
منذ انطلاقة الثورة الإسلامية المباركة والمشاكل تثور أمامها، وقد يُدهش كثير من الناس ويُذهل بعض الدول كيف استطاعت الجمهورية الإسلامية البقاء والاستمرار بل التقدّم في كثير من الميادين.
منذ البداية كانت الدعامة التي قام عليها بناء الثورة هي الإسلام الأصيل، ومع الأيام اتضح لجميع المراقبين أن الارتباط بنظام إسلامي صحيح هو الذي أحدث كلّ هذه الفاعلية الاجتماعية والسياسية التي كان لها هذا الدوي العميق في المنطقة والعالم.
ويمكن أن نلاحظ التأثير العظيم للإسلام الأصيل على موقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية من قضايا المستضعفين والمحرومين في العالم. وحتى الأمس القريب كان خطاب الإمام الخامنئي يصدح بنصرة القضية الفلسطينية ويقول: لن تخرج القضية من أولويات الشعب الإيراني ولن يُبعد إيران ويفصلها عن هذه القضية أي أمر، على رغم وجود بعض الأشخاص الفلسطينيين المتقاعسين والمتخاذلين الذين عطلوا الكثير من فرص الانتصار والخلاص.
وفي موازاة ذلك، كان المستكبرون ينظرون إلى هذا التضامن مع قضايا المستضعفين ومع القضية الفلسطينية على وجه الخصوص باعتباره خطراً يهدد مصالحهم، فحشدت طاقاتها لوقف المدّ الثوري وإفشال كل محاولات المستضعفين في العالم للوحدة والتضامن، وكانت إيران تنظر إلى العالم بأن بالإمكان تغييره إذا ما اتحدت القلوب والإرادات وأن كل الأصوات المكتومة يمكن أن يصبح لها صدى، وكل الأيادي المكبلة يمكن لها أن تفك قيودها إذا دفعنا بالجماهير إلى الساحات.
وإيران على رغم كل التحديات التي واجهتها في سبيل إعلاء كلمة الحق لم تفقد صلتها بالشعوب، ولم تجد نفسها وهي في نطاق الظروف الدولية التي تحاصرها أنها مضطرة للتنازل والتخلي عن مبادئ الإسلام، واستمرت تقول: إن المسلمين إذا ما اتحدوا فإنهم يستطيعون المضي في بناء مجتمعات تؤدي نشاطها الإنساني والحضاري الخلاق بطريقة بالغة التوفيق.
لكن أُخضع معظم المسلمين في المنطقة لنظام جعلهم متخلفين متصارعين حاقدين على بعضهم البعض.
وفيما كانت إيران تنادي بالوحدة كان هناك من يعمل للفُرقة، وفيما كانت إيران تدعو لنصرة المستضعفين كان هناك من يعمل على جعلهم أكثر فقراً وتبعية للدول الاستكبارية، وفيما كانت إيران تدعو لنصرة الشعب الفلسطيني كان هناك من يدعو إلى تسوية مذلة وإلى إجراء معاهدات مع الكيان «الإسرائيلي»، وفيما كانت إيران مشغولة بمواجهة الاستكبار كانت بعض الدول مشغولة بالاستبداد ومنع شعوبها من التحرر.
لقد عملت إيران على تنظيم الطاقة الحيوية في الأمة فكان حزب الله وكانت المقاومة وكان اليوم كل هذه المجاميع الحرة الأبية في العراق وسورية واليمن والبحرين والسعودية تنادي كما نادى بلال وهو تحت سياط التعذيب والعبودية أحدٌ أحد .
إنّ هذه الصيحة لم تكن تمثل إلا صوت الضمير، صوت الحق، صوت الحرية، صوت الكرامة صوت الإسلام بنزوعه النقي الصافي.
وبعدما وصلت إيران إلى ما وصلت إليه من التقدم الأخلاقي والعلمي والعسكري عملت القوى المعادية إلى الكشف عن كل أنيابها، وجعلت الفتنة بين المسلمين هي الطريق الأقرب لإسقاط إيران والإسلام.
ومن الممكن أن نقيس، بالنظر إلى الماضي، خطورة ما يجري اليوم ضد إيران وحلفائها. الحرب اليوم هي مواجهة مفتوحة بين أهل الحق وأهل الباطل، وما تقوم به إيران هي إخراج الأمة من الوسط الجاهلي والمستنقع الجهنمي الذي يريدنا جميعاً كشعوب في هذه المنطقة أن نغرق في الحروب والمناحرات التي لا نهاية لها.
وكما يُقال إنّ من يحارب العواصف لا يهاب بروقها . فحوار إيران بعض الغرب من أجل برنامجها النووي لا يعني أنها انهزمت في مشروعها وفكرها بل على العكس تماماً. فمن خلال صمودها الفذ هي التي جعلت الغرب منهكاً متعباً يريد التخلص من ورطة المواجهة المباشرة. إيران الأمل لعالم جديد، والأمل لفكر جديد، والأمل لإسلام ليس فيه سمة من سمات الوهابية والتكفيريين!